حاجتنا إلى السبرمان حاجة سياسية، حاجة محتومة.
السبرمان كلمة تحمل معنى التدرج، فهي تعني في عصرنا الرجل الممتاز الذي يبصر بالمستقبل ويتحسس طريقه إليه، وهو نادرة عصره، ورجل ناضج، دارس، له قيم خاصة وأفكار فذة، ولكنه قلما يستطيع قيادة الجماهير التي تحتاج إلى من يتملقها، ويشيد بلغة الخطابة، بالأخلاق والدين والتاريخ والتقاليد.
السبرمان في عصرنا نادر الظهور؛ لأن التناسل يجري فوضى بلا نظام، ولكنه - أي السبرمان - سوف يتكاثر في المستقبل حين ينظم الزواج بغية إيجاد النسل الأعلى، الجيل الذي يعلو على الجيل الذي سبقه في توافر الصفات البشرية العليا.
والسياسة هي في عصرنا تملق الجماهير، لأنها سياسة ديمقراطية، أي إنه لا يمكن تأليف حكومة إلا إذا رضي عنها الشعب، والشعب لا يمكن أن يرضى عن سياسي يدعوه إلى إيجاد نظام تناسلي أو زواج مقيد يهدف منه إلى السبرمان.
وهنا نجد أن برنارد شو قليل الإيمان بالديمقراطية، وهو يميل إلى شيء من الديكتاتورية الاشتراكية التي تملي على الشعب وتحمله، بل تجبره، على الارتقاء؛ ومن هنا إعجابه بهتلر بل أيضا بموسوليني، وقد كان هذا بالطبع شططا منه حمله عليه إيمانه بأن الجماهير راكدة ليس لها القوة الحافزة على الابتكار الجريء، وأنها لذلك تعوق نشوء السبرمان.
وبرنارد شو هنا لم يبصر بقوة الإنتاج، هذا الإنتاج الذي سيتوافر بحيث لا يحتاج من أحد إلى أكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات في اليوم للعمل، ثم يبقى سائر النهار وبعض الليل بلا عمل، وهذه الحال التي تقترب إليها الشعوب المتمدنة ستحمل حكوماتها على أن تجعل التعليم العام، أي التعليم الذي يفرض على كل شاب وفتاة، تعليما إجباريا من السنة الأولى في المدرسة الابتدائية إلى السنة الأخيرة في الجامعة، بحيث لن يخرج إلا حوالي سن الثلاثين وقد حصل على ثقافة تهيئه لأن يفكر التفكير الناضج، وأن يتقبل الأفكار الجديدة التي تؤدي إلى الارتقاء البشري العام، حتى ولو كان في هذه الأفكار ما يخالف تقاليده وعاداته.
6
أولئك الذين يأنفون أو يستحيون من الحديث عن التناسل واعتباره الأساس للعلاقة بين الجنسين، إنما يفعلون ذلك لأنهم لا يستطيعون الحديث في هذا الموضوع إلا بكلمات بذيئة عاهرة، فحياؤهم هنا هو عجز في التعبير ونقص في التربية، وبرهان ذلك أن الأطباء، أو المعلمين الذين يشتغلون بحياة الحيوان، يمكنهم أن يتناقشوا في حرية لغوية تامة عن موضوع التناسل؛ لأن كلماتهم التي يعبرون بها علمية، ولأنهم يلتزمون الحد والدروس في تناول الموضوع.
وعندما يضاف إلى فقر اللغة فقر آخر مادي في المسكن والمأكل ووسائل العيش عامة، تكثر الأدران والأقذار، وتلابس الموضوع، فيكون الاشمئزاز الذي يمنع الحديث.
ولكن عندما يكون زواجنا نظيفا، ومدننا نظيفة، ومعيشتنا نظيفة؛ فإن لغتنا عندئذ تكون نظيفة، ولن نأنف ولن نستحي من الحديث عن الشئون الجنسية والتناسل والزواج، وأن نوجه هذا الموضوع نحو الارتقاء البشري.
Page inconnue