Le Reste du Temps est une Heure
الباقي من الزمن ساعة
Genres
فسأله محمد: ضحايا لمن؟ - لجميع من سبقنا.
فتغيظ محمد وسأله: ماذا تعرف عن مصر ما قبل الثورة؟ - دعنا من هذا وخبرني كيف أريد أن أكون طبيبا فتأمرني الحكومة أن أكون مهندسا؟
فقال محمد بامتعاض: اعرف وطنك، إليك مكتبتي فهي تحت أمرك!
وعرف شفيق صديقه عزيز صفوت أكثر فأدرك أنه ماركسي. لم يفطن لذلك من قبل لقلة معلوماته من ناحية ولتركيز عزيز على نقد أوضاع شتى دون كشف النقاب عن هويته من ناحية أخرى. يلاحظ الآن أن الهزيمة لم تنل منه عشر معشار ما نالت من الآخرين فتذكر قول أبيه عن «توازن الشيوعيين»، ونظر إلى عزيز صفوت نظرة غريبة وسأله وهما يسيران بلا هدف وسط المدينة: لعلك ممن يفضلون الاشتراكية على سيناء؟!
فارتسمت ابتسامة في وجه عزيز الشاحب وقال: التوجه نحو الاشتراكية هو المكسب الحقيقي لثورة يوليو.
فقال شفيق وهو يرمقه باستغراب: أنت ماركسي!
وراح الشاب يتحدث عن الهدم والبناء من جديد ففتنت الفوضى خيال شفيق واستجابت لها نفسه الحائرة، غير أن عزيز انقض على المقدسات بسخرية فاجرة لم يتوقعها شفيق فأحدثت عنده رد فعل مفاجئا رغم خفة تدينه. وبدافع من العناد والغضب والرغبة في الجدل والاحتجاج على التطرف عارض آراء صاحبه وكأنه صاحب موقف، بالرغم من أنه لم يعرف من المواقف إلا الناصرية التي زعزعت الهزيمة أركانها. ولما شبع من الجدل قال: إني في حاجة شديدة إلى امرأة!
فقال عزيز ضاحكا: توجد فرصة حسنة.
اعترف له بأنه يحوز صديقة، وأن لها أختا قد يجد فيها مطلبه. وزاده بهما علما فقال إنها من بنات المدارس، وإن أمهما أرملة فقيرة تتعيش من شراء الفاكهة نصف الفاسدة بأبخس الأثمان وتبيعها للفقراء، وإنها لم تضن على ابنتيها بالتعليم ولكن الفتاتين اعتمدتا على نفسيهما في الاستمرار فيه بلا موافقة أو رفض من ناحية الأم. قال عزيز صفوت: لي حجرة مفروشة فوق السطح، والتكاليف معقولة.
وذهب به ذات يوم إلى سطح البيت بعطفة بهان ببولاق. اخترق حواري كئيبة لم يألفها من قبل، ولم يتنفس بارتياح إلا فوق السطح، ومد بصره جنوبا متجاوزا بضعة أسطح فرأى النيل يجري في شموخه ورأى شاطئه الآخر المجلل بالأشجار والقصور والعمائر في الزمالك. ومضى به عزيز إلى الحجرة المفروشة فدهمه منظرها بالوحشة! طولها أربعة أمتار وعرضها متران، على يسار الداخل كنبة وفي الجدار المواجه للداخل كوة وثمة مسمار مغروز في الجدار الأيمن وأرضها مغطاة ببلاط معصراني أغبر اللون. وجم شفيق ولكن الآخر لم يلق إليه بالا، وما لبثت أن جاءت زكية محمدين في بنطلون رمادي وقميص أزرق كاشف عن أعلى الصدر مفروقة الشعر مقبولة القسمات والهيئة مفصلة الحمولات. تم التعارف والرضى، ولدى ذهاب عزيز أحبها حب الجائع المحروم. تحدثت بطلاقة وعفوية كأنها في بيتها فخامره شيء من الأسف ولكنه ضمها إلى قلبه بقوة واستماتة. وتواصلت العلاقة بترحيب وسعادة من ناحيته كأنما بلغ بها أقصى ما يتمنى. وحفظ لعزيز صفوت جميله، ولكن ذلك لم يمنعه من معاندته كلما تهجم على الإسلام، أجل وجد نفسه يدافع عن الإسلام كأنه من تياره. ولاحظ أمرا أزعجه؛ قرأ أحيانا في عيني أخته سهام إعجابا بآراء عزيز صفوت. انفرد بها ذات مساء وسألها: لعلك لا تدرين أنه ماركسي؟
Page inconnue