La Mer Méditerranée: Destins d'une mer
البحر المتوسط: مصاير بحر
Genres
اللذان يتنازعان أمر خلق الجبال، دون نفوذ هذين الواديين إلى الساحل بوصلهما ما بين جبال البرانس وجبال الألب لبقيت فرنسة بعيدة من الحضارة كألمانية. وكانت البغال التي تقطع جبال الألب الوسيلة الوحيدة التي استطاعت الحضارة أن تستعيرها لتوغل في ألمانية، ومع ذلك كانت توصل إلى فينة طريق تجارية عريضة فتجعل من هذه المدينة، كما في هذه الأيام، مركزا أمدن من جميع ألمانية.
وتعد إسبانية أسوأ توزيعا بشكلها الثقيل وسلسلتي جبالها الصعبتين وهضابها المنعزلة وسواحلها الضيقة. وتشتمل جبال البرانس وسيرا على هضبتين مثلثتي الزوايا فتفصلهما عن البحر بصخورهما القائمة الوعرة في كل مكان تقريبا، وتبدو شبه جزيرة إيبرية إذن مثل حصن بحري ذي أسوار قاتمة تبعد عنه جميع العالم. وفي الشمال يجعل جدار جبلي من هذا البلد جزيرة، وذلك لاتجاه الشعاب متوازية، لا نحو مركز كما في لنباردية، وذلك إلى أن البرتغاليين والقطالونيين الذين هم ملاحو شبه الجزيرة الحقيقيون قد اضطهدوا من أمم الداخل مع أن أمم الساحل هي التي كانت مسيطرة في إيطالية. وهكذا جابت ثلاث أمم إسبانية في ألفي سنة لتدخل أوروبة أو لتخرج منها، ولم تكن فيها طريق أممية كالرون أو البو يمكن أن تصل أوروبة بالبحر المتوسط أو أفريقية الغربية.
ويتألف من جبال درن أطول سلسلة جبال في تلك المنطقة وأعلاها، ويتفرع بين ذراها أودية طويلة عريضة لا ترى مثلها في إسبانية، وما هو واقع من نزولها بغتة نحو الصحراء في الجنوب لا يربك الحضارة المحلية أبدا؛ وذلك لأن السهول والأودية العريضة سهلتا بلوغ البحر، ولا سيما مراكش، على الدوام، وتقل فرض الساحل في الشرق، فيظل تاريخ منطقة سرت نمطيا كالمنظر. ومن يلق نظرة على الخريطة يتبين سبب عدم اشتراك مصر في حياة البحر المتوسط وسبب نشوء معارك البحر المتوسط وتجارته وروحه وفنونه في السواحل الجبلية من الجزر وأشباه الجزر.
وهكذا يتضح ما بين البحر والبر من صراع؛ وذلك لأن الجبل أقوى صور البر؛ ولأنه يتجلى به مع سطح الماء تضاد مؤثر، ويحدث على جميع سواحل البحر المتوسط، حيث يتعارض العنصران، توتر كالذي يكون بين طبعين مختلفين اختلافا أساسيا.
8
والمطر هو العنصر الثالث، وعلى المطر تتوقف المحاصيل التي تغذي الإنسان، وتوازن البحر المتوسط كامل من هذه الناحية، ويتناوب حوضه بين الشمال الماطر والجنوب الجديب جفاف في الصيف وغيث في الشتاء فيعين ذلك نباته وحيوانه. وهكذا ينقص عدد الأنهار الدائمة نازلة نحو الجنوب، وتكون الملاحة محدودة هنالك، حتى إن الجسور، التي تقصر في الخريف وتطول في الشتاء قليلة العدد، وفي أوائل فصل الأمطار تجر أكداس من الحصى إلى مجاري الماء الجافة، وتزخر الأنهار ثم يقل ماؤها سريعا، ويفصل النهر ما يربطه عادة فيجب أن يعبر على ظهور الخيل، وتجف الآبار في الجنوب أيضا مع أنها أكثر عمقا، غير أن الينابيع الطبيعية تعد مقدسة لأنها وحدها هي التي تبدو خالدة.
وكان المنظر أكثر جمالا في الأزمنة القديمة غير أن الإقليم كان أشد بردا، وكان يوجد على طول البحر المتوسط في تلك الأحايين غابات كبيرة ذات نبات غني بالصيد فوجب أن تحيا. وكان قدماء المؤلفين، من أرسطو إلى أوفيد،
50
يتوجعون من الثلج والبرد، ويتكلم فرجيل حتى عن الصخور التي صدعها الصقيع، ولكن لا يغب عن البال كون المفكرين في كل زمن وجدوا عدم زيادة الحر. والواقع أنه كان ينشأ في الحدائق الرائعة التي حول رومة ضروب من المنابت الزجاجية، وأن الرومان كانوا يسيرون على غرار إيزس فيغطسون في نهر التيبر «الجامد صباحا»، وما كان من زوال الغابة البكر هنا كما في كل مكان يعد نتيجة الحضارة. وكانت آسية الوسطى في زمن الصليبيين مستورة بالغابات التي أبادها البدويون في نهاية الأمر، ووجدت في بادية الشام الحاضرة معاصر زيت متينة فتدل على تحول يمكن تفسيره جزئيا بنقص الأمطار وتقلص حدود الثلوج، وترى كليفورنية في وضع مماثل.
وكان طمع الناس وغفولهم هنا كما في أمريكة أسوأ عوامل التخريب في غضون القرون. ونشأ عن النار وفأس الإنسان وعن المعز تخريب في منطقة البحر المتوسط أكثر مما في بلاد الشمال؛ وذلك لأن الأدوار الجافة حالت دون التفريخ، ولأن الأمطار غسلت الأرض وجرتها، وتزيد دلتات الأنهار وتصبح مناقع في كل مكان، وتنهار الجدر والأرصفة التي تتألف حواجز منها، ويخرب الناس، الذين لا تحرك نفوسهم أية رغبة في الزراعة، ما يزدرونه من غاب. وهذا إلى أن التآكل يزيد مع نقص الشجر، وتصير الجبال جردا مقدارا فمقدارا، واليوم يلمع لون صخورها الصفر بفعل الشمس فتبدو رسما جيولوجيا نتيجة لعدم ادثارها بنبات. ومع ذلك كانت الطبيعة أقل تغيرا من الآدميين، وما يبدو من ازدهار صقلية منذ قرون يدل على ما يمكن إقليم البحر المتوسط أن ينتجه.
Page inconnue