قد أنطقها الله الذي أنطق كل شيء، فقالت لي: مم تتعجب أيها الرجل؟ فقلت لها، من فعلك هذا، وأكثر تعجبي من كلامك وأنت عدوة لبني آدم. فقالت لي: والله العظيم، ما جعلنا الله أعداء إلا للعاصين، وأما أهل طاعته، فنحن لهم منقادون.
وأنشدوا:
فعالي قبيح وظني حسن ... وربي غفور كثير المنن
تبارز مولاك يا من عصى ... وتخشى من الجار لما فطن
ركبت المعاصي وشيبي معي ... فوالله يا نفس ماذا حسن
فقومي الدياجي له وارغبي ... وقولي له يا عظيم المنن
وقولي له يا عظيم الرجا ... إذا أنت لم تعف عني فمن
بحقّ النبي هو المصطفى ... بحق الحسين بحق الحسن
أيدفع مثلي إلى مالك ... وتعلم إني ضعيف البدن
جلس الحسن البصري ذات يوم يعظ الناس، فجعلوا يزدحمون عليه ليقربوا منه، فأقبل عليهم، وقال: يا إخوتاه، تزدحمون عليّ لتقربوا مني؟ فكيف بكم غدا في القيامة إذا قرّبت مجالس المتقين، وأبعدت مجالس الظالمين، وقيل للمخفين جوزوا، وللمثقلين حطوا؟ فيا ليت شعري: أمع المثقلين أحط، أم مع المخفين أجوز؟ ثم بكى حتى غشي عليه، وبكى من حوله، فأقبل عليهم وناداهم، يا إخوتاه، ألا تبكون خوفا من النار؟ ألا من بكى خوفا من النار نجاه الله منها يوم يجرّ الخلائق بالسلاسل والأغلال.
يا إخوتاه، ألا تبكون شوقا إلى الله. ألا وإن من بكى شوقا إلى الله، لم يحرم من النظر غدا إلى الله إذا تجلى بالرحمة، واطّلع بالمغفرة، واشتدّ غضبه على العاصين.
يا إخوتاه، إلا تبكون من عطش يوم القيامة؟ يوم يحشر الخلائق وقد ذبلت شفاههم، ولم يجدوا ماء إلا حوض المصطفى ﷺ، فيشرب قوم، ويمنع آخرون. ألا
1 / 34