أما جيوش سليمان بيك فكانت مؤلفة من أبناء البلاد الذين يعود عليهم | نعيمها وشقاؤها ويلزمهم الدفاع بمالهم وأرواحهم عنها لأنها وطنهم ولا يخفى أن | حب الوطن من الإيمان وكل إنسان يحب عليه حب اتساع وطنه لأنه كلما | ازداد ازدادت الخيرات ونمت البركات . وكان سليمان بيك هو ناظم عقدهم | | وموشى بردهم ولم يكتف بتنظيمهم وتعليمهم بل بث فيهم روح الإنتظام وحب | الشرف لكن أبى الحاسدون إلا إيقاع النفرة بينه وبين نجل سيده الكريم إبراهيم | باشا حتى هجره مدة من الزمان ولم يسلمه قيادة الجيش التي كان هو أحق بها | من غيره واستمر هذا النفور إلى أواسط سنة 1829 ، حتى تداخل بينهما محمد | علي باشا وأزال ما كمن في صدر ولده من البغضاء من جهة سليمان بيك | مؤكدا له أنه هو أول معضد للجيش ولا يمكن الإستغناء عنه ، فلذلك صفح | إبراهيم باشا عنده وقلده وظيفته في الجيش فعادت المياه إلى مجاريها .
هذا ويسوؤنا أن نقول أن مصر مع كونها قد تقدمت في زمن المغفور له محمد | علي باشا عما كانت عليه في زمن المماليك ماليا وعسكريا ، لكن لم يصب | الفلاح من هذا التحسين إلا كثرة الضرائب وأعمال السخرة لإتمام الأعمال | العمومية التي لم تعد بالفائدة على فلاحي ذلك الوقت بل على من أتى بعده | فكأنه غرس ليجني غيره ، ولكثرة الضرائب هاجر بعض فلاحي الوجه البحري | إلى جهة الشام والأقطار السورية انقيادا لإغراء بعض أمراء هذه الجهات ووهما | منهم أن من يلتجئ إلى هؤلاء الأمراء تكرم وفادته وتحسن مقابلته لكن لسوء | حظهم لم ينالوا ما كانوا يسعون وراءه من طلب المنافع الزائدة والخيرات الوافدة | ومهاجرة هؤلاء كانت هي السبب في إضرام النار واشتعال الحرب بين والي | مصر وعبد الله باشا الجزار وإلى سورية ثم بين مصر والباب العالي .
Page 137