الناحية الأولى ناحية الأسلوب
كان عصر البهاء زهير من جهة اللغة شبيها بعصرنا هذا، ففيه لهجة يستخدمها الناس في معايشهم ومعاملاتهم، ويعبرون بها عن أفكارهم وعواطفهم في حياتهم اليومية؛ ولهم لهجة أخرى لا يلجئون إليها إلا إذا عالجوا النظم أو حاولوا الإنشاء. كانت لغة الحياة في شتى مظاهرها لغة ملحونة، ولكنها تساير الحياة في حركتها وانتقالها، وتصل بسهولة إلى أفهام العامة والخاصة. وكانت لغة الشعر والكتابة لغة مستقيمة الإعراب تتسامى عن التبدل للعامة، وتحاول أن تتصل بأساليب الشعر القديم والنثر القديم، باعتبار تلك الأساليب قوالب ينبغي أن يصب فيها شعر ما يتلو من العصور ونثره، ووجد من الشعراء والكتاب من كان همه أن يزيد لغة القريض والإنشاء تعاليا على لغة العامة باختيار العبارات الجزلة، القليلة الاستعمال، البعيدة عن الابتذال، وبالتأنق في تزيين الأساليب الشعرية والنثرية بالمحسنات البديعية التي قد يكون لبعضها تقدير من الجهة الصناعية؛ لكنها بعيدة عن جمال البيان والوضوح.
أما البهاء زهير فجاء بمذهب جديد، فجعل لغة الحياة الجارية في بساطتها ومرونتها لغة للشعر بعد تطبيقها على قواعد الإعراب، وتقويم ما فيها من اللحن جهد المستطاع؛ وجرى على ذلك فيما كانت تجيش به نفسه، وتفيض به عواطفه من فنون الشعر.
وشعر البهاء زهير كما هو مرآة صادقة لعصره بما فيه من فيض الطبع والبعد عن التكلف، هو أيضا مرآة لعصره من حيث اللغة والتعبير، والروح المصري يتجلى في هذا الشاعر القوصي الصعيدي بأكثر مما يتجلى في أي شاعر مصري عرفناه في القديم والحديث.
وللبهاء زهير في بعض قصائده تشوق إلى الصعيد:
أحن إليكم كل يوم وليلة
وأهذي بكم في يقظتي ومنامي
فلا تنكروا طيب النسيم إذا سرى
إليكم فذاك الطيب فيه سلامي
فهل عائد منكم رسولي بفرحة
Page inconnue