مقدمة
البهاء زهير
مقدمة
البهاء زهير
البهاء زهير
البهاء زهير
تأليف
مصطفى عبد الرازق
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
Page inconnue
عرفت شعر البهاء زهير إذ أنا صبي أقرأ على والدي - يرحمه الله - شيئا من كتب الأدب في بعض الليالي، وقد أحببت شعر البهاء زهير مذ عرفته.
كان يتأتى لعقلي الناشئ أن يستشف معانيه من ثنايا ألفاظه اللطيفة وتراكيبه، على حين تقوم الألفاظ والتراكيب حجابا دون المعاني كثيفا في الشعر أحيانا وفي النثر، وكان موقع وزنه الموسيقي ونغمه يستثير في نفسي أريحية وطربا، حتى لتأثر بذلك ذوقي، فهو يهفو في البيان إلى نوع من الأنغام والوزن.
ثم درست بعد ذلك سيرة البهاء زهير فيما كتب الكاتبون عنه وفيما حفظت لنا الأيام من آثاره، فتجلى لي من امتياز الرجل وتفوقه ما ملأني حبا له وتقديرا.
البهاء زهير مثال من مثل الخلق العظيم؛ يجمع إلى حب الخير وفضيلة العفو قوة الشخصية وشرف النفس وعزة الإباء، وتلك صفات لا تجتمع إلا لأهل الفطر الفائقة، خصوصا في عصر كعصر البهاء زهير ولمن كان في مثل منصبه.
كان البهاء زهير صديقا للشاعر المشهور جمال الدين المصري يحيى بن مطروح، الذي ولد بأسيوط سنة 592ه، ثم أقام بقوص زمنا، وفي قوص تعارف البهاء زهير وابن مطروح، وعاشا كالأخوين أيام الصبا، ثم اتصلا معا بخدمة الملك الصالح نجم الدين أيوب من قبل أن يتولى الملك في حياة أبيه الملك الكامل، واستمرا في خدمته بعد أن صار ملكا.
أما ابن مطروح فكان في صورة وزير لدمشق، وحسنت حاله، وارتفعت منزلته.
قال ابن خلكان: «وفي سنة 646ه، عزل ابن مطروح عن ولاية دمشق ... ثم عاد الملك بعسكره إلى الديار المصرية وابن مطروح في الخدمة، والملك الصالح متغير عليه، متنكر له؛ لأمور نقمها عليه، وخيم الملك الصالح عسكره على المنصورة وابن مطروح مواظب على الخدمة مع الإعراض عنه. ولما مات الملك الصالح وصل ابن مطروح إلى مصر وأقام بها في داره إلى أن مات سنة 649ه.»
أما البهاء زهير فقد بلغ رتبة تزاحم الوزارة جاهها أو تزيد، وهي رتبة الرياسة لديوان الإنشاء، وقد تنكر له الملك الصالح أيضا في أواخر أيامه وعزله - في حديث نرويه مفصلا بعد - فأبى للبهاء زهير شرف نفسه أن يتنصل من ذنب لم تكن كل تبعته عليه، وأبى له شممه أن يقيم في الخدمة مع الإعراض عنه، فرحل من فوره إلى داره، ولزمها فقيرا معدما حتى مات.
وإذا كان البهاء زهير عظيما في خلقه - كما رأيت - فهو عظيم أيضا بمقامه في تاريخ الأدب العربي.
عاش البهاء زهير في القسم الأخير من العصر العباسي، وكان الأدب العربي في هذا الدور قد جاوز المدى في التنميق والعناية بالمحسنات البديعية والسجع والإغراب اللفظي.
Page inconnue
وأشهر أئمة الإنشاء في ذلك العصر رجلان؛ أحدهما: القاضي الفاضل محيي الدين - أو مجير الدين - أبو علي عبد الرحيم البيساني ثم العسقلاني ثم المصري، وزير صلاح الدين وصاحب ديوان الإنشاء لعهده، المتوفى سنة 596.
وثانيهما: العماد الكاتب الوزير أبو عبد الله محمد بن أحمد بن حامد الأصفهاني، المتوفى سنة 597.
ويلقب القاضي الفاضل بشيخ البلاغة، ويلقب العماد الكاتب بعمدة المنشئين.
وقد أدخل العماد أساليب الترسل بما فيها من سجع، وجناس، واقتباس، واستعارات، وكنايات في المؤلفات العلمية، فكتب في التاريخ كتبا على هذا الطراز؛ مثل مؤلفه المعروف بالفيح القسي في الفتح القدسي.
أما القاضي الفاضل فله في كتابة الإنشاء طريقة تعرف بالطريقة الفاضلية، سار على نهجها أهل عصره ومن جاء بعد عصره، وفشت في الأدب العربي، وقد سن سننا فيما تصدر به الرسائل والتواقيع وما تختم، وفي أساليب الدعاء وغير الدعاء.
وتمتاز الطريقة الفاضلية بالإطناب، وكثرة الاقتباس والتضمين، والمطابقة، والتورية، والمجاز، مع الإسراف في الجناس وما إليه من المحسنات اللفظية، ومع الميل إلى المفردات الغريبة والتراكيب الفخمة.
عين البهاء زهير رئيسا لديوان الإنشاء في الدولة الأيوبية، فحل محلا كان القاضي الفاضل صاحبه من قبل، وتولاه بعده تلميذان من أتباع مذهبه.
جاء البهاء زهير والطريقة الفاضلية في عنفوان مجدها، فابتدع هو في الشعر والإنشاء نمطا جديدا خرج به عن التقاليد المرسومة في صور المخاطبات وفي الأساليب؛ فهو موجز لا يحب الإطناب، وهو مقتصد في زينة اللفظ، وهو نزاع إلى الوضوح والبساطة، فلا يرضى كثرة المجاز والكناية، وهو عدو للجمود على نظم في البيان تقتل مواهب الإبداع والتفنن.
ثم هو لا يريد أن يستبدل الناس بكلامهم العادي كلام الجاهلية الأولى إذا نظموا الشعر أو كتبوا، وإنما يريد أن يصحح الشعراء والكتاب أساليبهم على مقتضى القواعد العربية، حتى لا تنقطع الصلة بين ماضيهم وحاضرهم، من غير أن يجني ذلك على سهولة التفاهم، ولا على حركة اللغة ونموها وحياتها.
هذا المذهب الجديد في إصلاح الأدب العربي لم يلق في ذلك العصر ما يمده ويقويه، ولم يكن البهاء زهير بفطرته السمحة، وخلقه الوديع، رجل كفاح يجاهد متحمسا في سبيل دعوة لمذهب جديد.
Page inconnue
لم يرق لكثير من الأذواق التي أفسدها التقليد هذا المذهب الذي يفك عنها قيودها، ويخلصها من التكلف إلى مسايرة الفطر. ولقد أغفل المؤرخون الذين وقفنا على مؤلفاتهم شأن البهاء زهير في ديوان الإنشاء، حتى من تخصص منهم بهذا الموضوع؛ كالقلقشندي صاحب كتاب صبح الأعشى، فلم يرو لنا منهم أحد شيئا من الرسائل التي كتبت بقلمه على كثرة ما نقلوا من رسائل كتاب هم دونه مقاما.
وكل ما عثر عليه من ذلك رسالته في الرد على كتاب لويس التاسع ملك فرنسا إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب، وسنعرض لها فيما بعد.
ذكر هذه الرسالة الإسحاقي في تاريخه، ثم أوردها المقريزي في خططه، ونقلها علي مبارك باشا في الخطط التوفيقية.
وهذه الرسالة المفردة تهدي - عند مقارنتها بما كان يكتبه القاضي الفاضل والعماد الكاتب وأضرابهما - إلى المنازع التي اختص بها البهاء زهير، ويعين على ذلك ديوان شعره، وعسى أن يوفق الباحثون إلى أخوات لهذه الرسالة تزيدنا علما بطريقة البهاء زهير وخصائصها.
هذا، ولست أعرف شاعرا نفخت مصر فيه من روحها ما نفخت في البهاء زهير، فهو مصري في عواطفه، وفي ذوقه، وفي لهجته إلى الغاية القصوى، وإن كان مولده في بلاد الحجاز.
من أجل ذلك كله وضعت هذا البحث في البهاء زهير الشاعر المصري، إحياء لذكرى رجل جدير أن يحيا بيننا تذكاره، وقد سبقني في العام الماضي إلى نشر بحوث في البهاء زهير وشعره الأستاذان المنشاوي والسقا، المدرسان بالمدارس الثانوية الأميرية، والأستاذ الشايب، المدرس بالجامعة المصرية، واطلعت على ما كتبوا بعد أن فرغت من رسالتي.
وقد تحرى الأساتذة مطابقة المنهج الذي وضعته وزارة المعارف لدرس الأدب العربي وتاريخه، فلهم في البحث وجهة غير وجهتي. وهذا ما يسوغ لي أن أنشر رسالتي بعد أن نشروا كتابيهم القيمين، معترفا بفضلهم، مثنيا عليهم جميل الثناء.
مصطفى عبد الرازق
مصر في مارس 1930
البهاء زهير
Page inconnue
أبو الفضل
1
زهير بن محمد بن علي بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن منصور بن عاصم المهلبي العتكي الأزدي، الملقب بهاء الدين، المعروف بالبهاء زهير.
والمهلبي نسبة إلى المهلب بن أبي صفرة، فالبهاء زهير ينتسب إلى المهلب الذي كان من أشجع الناس، وكان سيدا جليلا.
روي أنه قدم على عبد الله بن الزبير أيام خلافته بمكة، فخلا به عبد الله يشاوره، فدخل عليه عبد الله بن صفوان بن أمية القرشي، فقال: «من هذا الذي قد شغلك يا أمير المؤمنين يومك هذا؟ قال: أما تعرفه؟ قال: لا؛ قال: هذا سيد أهل العراق، قال: فهو المهلب بن أبي صفرة! فقال المهلب: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: سيد قريش، قال: فهو عبد الله بن صفوان! قال: نعم. وتوفي المهلب سنة اثنتين وثمانين، وخلف عدة أولاد نجباء أجوادا أمجادا، وتسلسل المجد في ذريته زمنا طويلا.
والعتكي (بفتحتين) نسبة إلى العتيك: بطن من قبيلة الأزد. والأزد هي أزد شنوءة، ويقال الأسد بالسين.
ويصف بعض المؤرخين البهاء زهيرا بالحجازي، ويصفه بعضهم بالمصري، ويجمع له آخرون بين الوصفين.
ولئن كان مولد البهاء زهير بمكة أو بوادي نخلة بالقرب من مكة، في روايتين رواهما ابن خلكان الذي عرفه واجتمع به، فإن البهاء زهيرا مصري المنشأ، مصري الروح، مصري العاطفة، وهو القائل:
فرعى الله عهد مصر وحيا
ما مضى لي بمصر من أوقات
Page inconnue
حبذا النيل والمراكب فيه
مصعدات بنا ومنحدرات
هات زدني من الحديث عن الني
ل ودعني من دجلة والفرات
وليالي بالجزيرة والجي
زة فيما اشتهيت من لذات
بين روض حكى ظهور الطواوي
س وجو حكى بطون البزاة
حيث مجرى الخليج كالحية الرق
طاء بين الرياض والجنات
Page inconnue
والقائل:
ولم أر مصرا مثل مصر تروقني
ولا مثل ما فيها من العيش والخفض
وبعد بلادي فالبلاد جميعها
سواء، فلا أختار بعضا على بعض
والقائل:
أأرحل عن مصر وطيب نعيمها
وأي مكان بعدها لي شائق
وأترك أوطانا ثراها لناشق
هو الطيب لا ما ضمنته المفارق
Page inconnue
بلاد تروق العين والقلب بهجة
وتجمع ما يهوى نقي وفاسق
وهو الذي يقول أيضا:
سقى واديا بين العريش وبرقة
من الغيث هطال الشآبيب هتان
وحيا النسيم الرطب عني إذا سرى
هنالك أوطانا إذا قيل أوطان
بلاد متى ما جئتها جئت جنة
لعينك منها كلما شئت رضوان
تمثل لي الأشواق أن ترابها
Page inconnue
وحصباءها مسك يفوح وعقيان
فيا ساكني مصر تراكم علمتم
بأني ما لي عنكم الدهر سلوان
وما في فؤادي موضع لسواكم
ومن أين فيه وهو بالشوق ملآن؟
عسى الله يطوي شقة البعد بيننا
فتهدأ أحشاء وترقأ أجفان
علي بذاك اليوم صوم نذرته
وعندي على رأي التصوف شكران
ومن كان هذا هتافه بحب مصر فهو مصري وإن كان مسقط رأسه بلاد الحجاز بإجماع من ترجموا له. •••
Page inconnue
ولد البهاء زهير خامس ذي الحجة سنة 581 (27 فبراير سنة 1186)، وتوفي قبل مغرب يوم الأحد رابع ذي القعدة من سنة 656 (2 نوفمبر سنة 1258) بوباء حدث بمصر والقاهرة ذلك العام، ودفن من الغد بعد صلاة الظهر بتربته في القرافة الصغرى غير بعيد من قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه في جهتها القبلية.
ونشأ البهاء زهير في مدينة قوص بالصعيد الأعلى كما ذكره السيوطي في «حسن المحاضرة». ولم يذكر ابن خلكان في ترجمته الطويلة للبهاء زهير نسبته إلى قوص، لكنه ذكر في ترجمته لجمال الدين بن مطروح أنه كان بين الاثنين صحبة قديمة من زمن الصبا، وإقامتهما ببلاد الصعيد حتى كانا كالأخوين، وليس بينهما فرق في أمور الدنيا، ثم اتصلا بخدمة الملك الصالح وهما على تلك المودة. وابن مطروح من مدينة أسيوط، وقوص يومئذ هي أكبر مدن الصعيد، وليس بأرض مصر بعد الفسطاط مدينة أعظم منها، وهي باب مكة واليمن والنوبة وسواكن، حفلة الأسواق، متسعة المرافق، فيها تنزل القوافل الواردة من بحر الهند والحبش واليمن والحجاز، وفيها كثير من الفنادق والبيوت الفاخرة، والحمامات والمدارس والبساتين، ويسكنها أرباب الصنائع والفنون والتجار والعلماء والأغنياء، وكانت ملتقى الحجاج المغاربة والمصريين والإسكندريين ومن يتصل بهم، منها يذهبون إلى جدة وإليها انقلابهم في صدورهم من الحج.
وقوص من قديم الزمان منبع العلم والعلماء، ويقول صاحب كتاب «الطالع السعيد الجامع لأسماء الفضلاء والرواة بأعلى الصعيد»، وهو كمال الدين أبو الفضل جعفر بن ثعلب بن جعفر الأدفوي، المتوفى سنة (748ه/1347م): إن بقوص ستة عشر مكانا للتدريس.
ولم يرد للبهاء زهير ذكر في كتاب الأدفوي إلا عرضا.
ولم يحدثنا أحد ممن ترجموا للبهاء زهير عن سيرة أبيه، غير أنا وجدنا في نسخة خطية قديمة بدار الكتب المصرية لديوان شعر البهاء زهير - رقم 2051 أدب - وصف أبيه «بالعارف محمد قدس الله روحه»، وينعت بذلك في العادة أهل الصلاح والتقوى.
وانتقال والد البهاء زهير من مكة إلى قوص في تاريخ غير معروف، إلا أن كلام المؤرخين، كابن خلكان، يفيد أن البهاء زهيرا قضى زمن صباه في الصعيد، ونشأ الود بينه وبين ابن مطروح في ذلك العهد.
وربما يسبق إلى الظن أن البهاء زهيرا كان طفلا حين هاجرت أسرته إلى وادي النيل؛ لكنا نجد في شعره قصيدتين يذكر فيهما عهده بالحجاز؛ أما أولاهما فهي:
أحن إلى عهد المحصب من منى
وعيش به كانت ترف ظلاله
ويا حبذا أمواهه ونسيمه
Page inconnue
ويا حبذا حصباؤه ورماله
ويا أسفى إذ شط عني مزاره
ويا حزني إذ غاب عني غزاله
وكم لي بين المروتين لبانة
وبدر تمام قد حوته حجاله
مقيم بقلبي حيث كنت حديثه
وباد لعيني حيث سرت خياله
وأذكر أيام الحجاز وأنثني
كأني صريع يعتريه خباله
ويا صاحبي بالخيف كن لي مسعدا
Page inconnue
إذا آن من بين الحجيج ارتحاله
وخذ جانب الوادي كذا عن يمينه
بحيث القنا يهتز منه طواله
هناك ترى بيتا لزينب مشرقا
إذا جئت لا يخفى عليك جلاله
فعرض بذكري حيث تسمع زينب
وقل ليس يخلو ساعة عنك باله
عساها إذا ما مر ذكري بسمعها
تقول: فلان عندكم كيف حاله؟
والقصيدة الثانية هي:
Page inconnue
سقى الله أرضا لست أنسى عهودها
ويا طول شوقي نحوها وحنيني
منازل كانت لي بهن منازل
وكان الصبا إلفي بها وقريني
تذكرت عهدا بالمحصب من منى
وما دونه من أبطح وحجون
وأيامنا بين المقام وزمزم
وإخواننا من وافد وقطين
زمان عهدت الوقت لي فيه واسعا
كما شئت من جد به ومجون
Page inconnue
إذ العيش نضر فيه للعين منظر
وإذ وجهه غض بغير غضون
وليست ذكريات طفل هذه الذكريات التي يحن البهاء زهير إلى عهدها بين المقام وزمزم، فلا بد أن يكون شاعرنا جاء إلى قوص فتى مستكملا.
قال المؤرخون: وانتقل البهاء زهير من قوص بعد أن ربي فيها وقرأ الأدب وسمع الحديث، وبرع في النظم والنثر والترسل، ووصل إلى القاهرة فاتصل بخدمة السلطان الملك الصالح أبي الفتح نجم الدين أيوب في حياة أبيه الكامل أيام كان نائبا عنه.
ويظهر أن البهاء زهيرا كان اتصل قبل ذلك بخدمة الأمير مجد الدين إسماعيل بن اللمطي الذي هنأه شاعرنا سنة 607 لتوليه أعمال القوصية بقصيدة هي أول مديحه - كما في طبعة پلمر - مطلعها:
تمليته يا لابس العز ملبسا
وهنئته يا غارس الجود مغرسا
ومنها:
به أصبحت قوص إذا هي فاخرت
أعز قبيل في الأنام وأنفسا
Page inconnue
ومنها:
لقد شرفت منه الصعيد ولاية
وأصبح واديه به قد تقدسا
ونجد للبهاء زهير قصائد في مدح هذا الأمير يلتمس في بعضها العون منه؛ كقوله:
عسى نظرة من حسن رأيك صدفة
تسوق إلى جدبي بها الماء والكلا
فهأنذا أشكو الزمان وصرفه
وتأنف لي علياك أن أتبدلا
مقيم بأرض لا مقام بمثلها
ولولاك ما أخرت أن أتحولا
Page inconnue
فجد لي بحسن الرأي منك لعلني
أرى الدهر مما قد جرى متنصلا
وهل كنت إلا السيف خالطه الصدى
فكنت له يا ذا المواهب صيقلا
ونجد في ديوان البهاء زهير مدحا للأمير وتهنئة بشهر الصوم سنة 609 في قصيدة تفيض بالشكر والثناء، منها:
مولى بدا من غير مسألة بما
جاز المدى كرما وعاد كما بدا
وأنال جودا لا السحاب ينيله
يوما وإن كان السحاب الأجودا
وفي قصائد أخرى مدح وثناء أيضا؛ كالقصيدة التي مطلعها:
Page inconnue
لها خفر يوم اللقاء خفيرها
فما بالها ضنت بما لا يضيرها؟
وما نالني من أنعم الله نعمة
وإن عظمت إلا وأنت سفيرها
ومن بدأ النعمى وجاد تكرما
بأولها يرجى لديه أخيرها
ثم نجد بعد ذلك شعرا للبهاء زهير في مدح الأمير مجد الدين اللمطي ينم عن شكوى وعتب. وفي بعض القصائد تصريح بأن البهاء زهيرا كان كاتبا للأمير ثم انفصل من خدمته، ففي سنة 619 أو سنة 912 (على نسختين مختلفتين من نسخ الديوان أرجح أولاهما)، قال البهاء زهير في الأمير مجد الدين بن إسماعيل بن اللمطي قصيدته التي أولها:
لنا عندكم وعد فهلا وفيتم
وقلتم لنا قولا فهلا فعلتم
حفظنا لكم ودا أضعتم عهوده
Page inconnue
فشتان في الحالين نحن وأنتم
ومنها:
فيا تاركي أنوي البعيد من النوى
إلى أي قوم بعدكم أتيمم؟
ألا إن إقليما نبت بي داره
وإن كثر الإثراء فيه لمعدم
وإن زمانا ألجأتني صروفه
فحاولت بعدي عنكم لمذمم
وأعلم أني غالط في فراقكم
وأنكم في ذاك مثلي وأعظم
Page inconnue
فلا طاب لي عنكم مقام بموطن
ولو ضمني فيه المقام وزمزم
ومثلك لا يأسى على فقد كاتب
ولكنه يأسى عليك ويندم
فمن ذا الذي تدنيه منك وتصطفي
فيكتب ما توحي إليه ويكتم
ومن ذا الذي ترضيك منه فطانة
تقول فيدري أو تشير فيفهم
وما كل أزهار الرياض أريجة
وما كل أطيار الفلا تترنم
Page inconnue
ومن قصائده التي تنم عن العتب قصيدة مطلعها:
أعلمتم أن النسيم إذا سرى
نقل الحديث إلى الرقيب كما جرى
ومنها:
مولاي مجد الدين عطفا إن لي
لمحبة في مثلها لا يمترى
يا من عرفت الناس حين عرفته
وجهلتهم لما نبا وتنكرا
خلق كماء المزن منك عهدته
ويعز عندي أن يقال تغيرا
Page inconnue