وهذا كان آخر كلام سمعته الابنة من والدتها؛ لأنها لما رجعت ثانية إلى غرفتها وجدتها جاحظة العينين، ووجدت جسمها باردا، فتجسم للابنة ذنبها بالخروج من غرفة أمها وهي في نزع الموت وسجدت أمام سريرها تبكي وتقول: اغفري لي ذنبي يا أماه اغفري لي خطئي العظيم، ولا تذهبي غضبانة علي فإن عذابي يكفيني ...
ولكن وا أسفاه أن صوت هذه السيدة كان قد رن صداه في الأبدية، حيث كانت بالروح وجسدها هامد بارد أمامها.
الفصل الثاني والثلاثون
سفر ميخائيل
وبعد أن دفنت والدة السيدة جميلة ذاقت هذه من مرارة الوحدة ما كاد ينسيها عذاباتها الماضية، وفي أحد الأيام كانت جالسة في المكان الذي رأيناها فيه أول تعرفنا بها، وأمامها على كرسي آخر امرأة عجوز هي مربيتها. وكان السيدة جميلة مطرقة إلى الأرض تفتكر، فأرادت هذه المرأة أن تحول أفكارها بالحديث فقالت: ألم يأتك خبر من ميخائيل للآن؟ قالت السيدة: كلا، آه يا أم سمعان، إن نفسي حزينة حتى الموت وأنا أشعر بعظم ذنبي.
قالت أم سمعان: يجب أن تصبري يا سيدتي، فالذنب لم يكن ذنبك بل ذنب والديك رحمهما الله.
قالت: نعم، نعم، ولكن قد مضى والداي إلى مقر الراحة وبقيت أنا أتعذب من أجل غيري، وغيري، وغيري من هو أعز من الحياة يتعذب من أجلي.
فكررت أم سمعان قولها: تصبري يا سيدتي فإن اجتماعك بها قريب؛ لأن العقبات قد زالت كلها.
إذ ذاك أطرقت السيدة إلى الأرض وأجابتها بصوت حزين: بل إن جبلا شامخا قد قام في وجهي الآن؛ لأنه لم يجدها!
فصرخت المربية: لم يجدها؟
Page inconnue