وفي أحد الآحاد كانت جالسة على سريرها ومتكئة على صدر جميلة، وهذه ماسكة بيدها جريدة كانت بديعة تقرؤها، فدخل أديب ورأى هذا المنظر فتأثر جدا، وبعد أن جلس هناك قليلا ناولها كتابا معنونا باسمها وقال: هذا أول كتاب أتى باسمك. فلما تناولته قالت: هذا خط فؤاد. وناولته لأديب قائلة: يجب أن يفض ويقرأ فأرجو أن تفعل أنت ما أعجز أنا عن عمله. ثم استلقت على وسادتها وسترت عينيها بيديها فقرأ أديب بصوت متهدج ما يأتي:
أيتها الخائنة الماكرة!
ولم يقرأ غير هذه الجملة؛ لأنه عرف ما تكون عاقبة تأثير مكتوب كله شتم وذم كهذا على بديعة فمزقه حالا.
وأما بديعة فقد قرأت المكتوب بفكرها؛ ولذلك فما جاء تمزيق أديب له بنفع؛ لأن حالتها ازدادت خطرا.
وفي أحد الأيام جلس أديب بجانب سريرها حسب العادة، وجلست مقابلة جميلة وهي منكسرة القلب لحالة صديقتها، فقال أديب لبديعة: إنك تضرين بنفسك وبنا بهذا العمل يا بديعة، فهل مرادك أن تنتحري انتحارا بطيئا أو تريدين أن تقوي على أفكارك المزعجة وترجعي إلى صحتك دائسة على الهموم؟
أجابت بديعة متنهدة: إنني أفتكر بهذا الأمر؛ فإن المرض الذي سببه همي العظيم يكاد يذهب بعقلي وجسدي ويضنيكما أنتما اللذين تستحقان أعظم مثوبة من الله عني، ولكن كيف العمل؟ إنني محتاجة إلى حبكما الذي يساعدني على احتمال كلام الناس وكلام من هو أعظم من كل الناس عندي.
قال أديب: أما الكلام فلا يهمك قط؛ لأن الناس تنطق من فضلات قلوبها، والأوعية تنضح بما فيها، وقد قال أحد حكماء الغرب:
يتحامل الأشرار على النفوس الشريفة، ولكنهم لا يستطيعون أن ينالوها بأذى، فهي كالصخور الصوانية على الشواطئ، تصدمها الأمواج عند هبوب العواصف فيظن أنها أغرقتها وصدعتها وتكون غسلتها فقط، فتعود أجمل للنواظر وأبهج للخواطر.
قالت بحزن: هذا ما يعرفه الأدباء وحدهم، أما اللئام فإنهم يستعملون ألسنتهم الحادة حرابا يطعنون بها القلوب ويمزقون الصيت والسمعة، ويتوهمون بذلك الفوز المبين لهم.
فابتسم أديب وقال: وهل أنت تطلبين شهادة غير العقلاء فيك؟
Page inconnue