ولأبي مروان عبد الملك بن سعيد المرادي قصيد سري يمدح به الناصر لدين الله_رحمه الله_وفيه أوصاف لنواوير، وتشبيهات في أزاهير، فمنها قوله: [الطويل]
كأن جني الورد أحدق حوله ... جنى سوسن مستطرف اللون أزهر
خدود العذارى المخجلات تحفها ... عوارضها مبيضة لم تخفر
وأعين عقيان بأجفان لؤلؤ ... على كل فرع كالزمرد أخضر
وللحاجب أبي الحسن جعفر بن عثمان المصحفي_رحمه الله_في هذا المعنى أبيات بارعة، فيها تشبيهات رائعة. وهي: [الكامل]
انظر إلى الروض الأريض تخاله ... كالوشي نمق أحسن التنميق
وكأنما السوسان صب مدنف ... لعبت يداه بجيبه المشقوق
يوم الوداع ومزقت أثوابه ... جزعا عليه أيما تمزيق
والنرجس الغض الذكي محاجر ... تعبت من التسهيد والتأريق
يحكي لنا لون المحب بلونه ... وإذا تنسم نكهة المعشوق
وكأن دائرة الحديقة عندما ... جاد الغمام لها برشف الريق
فلك من الياقوت يسع نوره ... فيه كواكب جوهر وعقيق
شبه أوراق السوسن في افتراقها بجيب مشقوق، وهو معنى دقيق أنيق، وقد تداوله جماعة، وأظنه من اختراعه، وتشبيهه الأخير في الحديقة من التشبيهات العقم على الحقيقة. ولأبي القاسم بن هانيء الأندلسي قطعة بديهية سرية، كلها سنية، يصف فيها الورد والياسمين والنرجس، صنعها في مجلس جعفر بن الأندلسية، وقيل في مجلس جعفر بن فلاح، وهي: [الكامل]
وثلاثة لم تجتمع في مجلس ... إلا لمثلك والأديب أريب
الورد في شمامة من فضة ... والياسمين وكل ذاك عجيب
والنرجس الغض الذكي ولونه ... لون المحب إذا جفاه حبيب
فاحمر ذا، وابيض ذا، واصفر ذا، ... فبدت دلائل كلهن غريب
فكأن هذا عاشق، وكأن ذا ... ك معشق، وكأن ذاك رقيب
وقال أبو عبد الملك الطليق، وهو مروان بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن الناصر لدين الله يصف الورد والبهار في قصيد مشهور له لم يصنع بعده ولا قبله على عروضه وقافيته ما يوازيه جمالا، ولا يضاهيه كمالا، والوصف بعد صدر في سواه: [الرمل]
وكأن الورد يعلوه الندى ... وجنة المعشوق تندى عرقا
يتفقا عن بهار فاقع ... خلته بالورد يطوي ومقا
كالمحبين الوصولين غدا ... خجلا هذا وهذا فرقا
يا لها من أنجم في روضة ... قد ترقت في رباها أفقا
ودنت منها إلى شمس الضحى ... حدق للنور تصبي الحدقا
تشبيه الورد بوجنة المعشوق كثير، إلا أنه أعرب بزيادة الندى، ومقابلته بالعرق. وقوله: "يتفقأ" أراد ينشق وينجاب، ومنه حديث أبي بكر الصديق_رضي الله عنه_: "نحن عنزة رسول الله ﷺ وبيضته التي تفقأت عنه" أراد انشقت وانجابت. ودل على أن البهار بين الورد. وقال أبو عمر يوسف بن هارون الرمادي يصف الورد والأقاحي: [الطويل]
وفي الورد غضا والأقاحي محاسن ... سرقن من الأحباب للمتشوق
خدود عذارى لو تقصى حياؤها ... وأفواه حور لو سمحن بمنطق
هذان التشبيهان معروفان، لا سيما قلبهما، ولكن لو فهما حسنتهما معا وأبدعت فيهما بدعا. وللمتوكل بن أبي الحسين قطعة بديعة يصف فيها نواوير وهي: [المديد]
في رياض بسطها زهر ... مظهر من أيكها قبب
نرجس يرنو بلحظته ... نحو ورد طالما انتقبا
فترى ذا سافرا خجلا ... وترى ذا عاشقا نصبا
وترى الخيري مكتتما ... مثل لص كاد أن يثبا
فإذا ما الليل ستره ... أظهر الفتكة واستلبا
ولأبي بكر بن هذيل قطعة رفيعة الصفات، بديعة التشبيهات في نواوير عدة وهي: [الطويل]
حديقة نفس تملأ النفس بهجة ... وتثنى عيون الناظرين بها حسرى
كأن جني الجلنار ووردها ... عشيقان لما استجمعا أظهر خفرا
كأن جنى سوسانها في سنا الضحى ... كؤوس من البلور قد حشيت تبرا
كأن عيون النرجس الغض بالندى ... عيون تداري الدمع خيفة أن يدرى
كأن جنى الخيري في غبش الدجا ... نسيم حبيب زار عاشقه سرا
كأن ينابيع المياه مراجل ... تفور وقد أزكت لهن الحصى جمرا
1 / 9