Les merveilles des bienfaits
بدائع الفوائد
Maison d'édition
دار الكتاب العربي
Numéro d'édition
الأولى
Lieu d'édition
بيروت
Genres
Hadith
فلما انتظم هذا بذكر الاحتجاج عليهم لم يصلح فيه إلا إفراد السماء لأنهم لا يقرون بما ينزل من فوق ذلك من الأرزاق العظيمة للقلوب والأرواح ولا بد من الوحي الذي به الحياة الحقيقية الأبدية وهو أولى باسم الرزق من المطر الذي به الحياة الفانية المنقضية فما ينزل من فوق ذلك من الوحي والرحمة والألطاف والموارد الربانية والتنزلات الإلهية وما به قوام العالم العلوي والسفلي من أعظم أنواع الرزق ولكن القوم لم يكونوا مقرين به فخوطبوا بما هو أقرب الأشياء إليهم بحيث لا يمكنهم إنكاره وأما الآية التي في سورة سبأ فلم ينتظم بها ذكر إقرارهم بما ينزل من السماوات ولهذا أمر رسوله بأن يتولى الجواب فيها ولم يذكر عنهم أنهم المجيبون المقرون فقال: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾ ولم يقل: سيقولون الله فأمر تعالى نبيه ﷺ أن يجيب بأن ذلك هو الله وحده الذي ينزل رزقه على اختلاف أنواعه ومنافعه من السماوات السبع وأما الأرض فلم يدع السياق إلى جمعها في واحدة من الإثنين إذ يقر به كل أحد مؤمن وكافر وبر وفاجر إفراد الرياح وجمعها ومن هذا الباب ذكر الرياح في القرآن جمعا ومفردة فحيث كانت في سياق الرحمة أتت مجموعة وحيث وقعت في سياق العذاب أتت مفردة وسر ذلك أن رياح الرحمة مختلفة الصفات والمهاب والمنافع وإذا هاجت منها ريح أنشأ لها ما يقابلها ما يكسر سورتها ويصدم حدتها فينشأ من بينهما ريح لطيفة تنفع الحيوان والنبات فكل ريح منها في مقابلها ما يعدلها ويرد سورتها فكانت في الرحمة ريحا وأما في العذاب فإنها تأتي من وجه واحد وحمام واحد لا يقوم لها شيء ولا يعارضها غيرها حتى تنتهي إلى حيث أمرت لا يرد سورتها ولا يكسر شرتها فتمتثل ما أمرت به وتصيب ما أرسلت إليه ولهذا وصف سبحانه الريح التي أرسلها على عاد بأنها عقيم فقال: ﴿أرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ وهي التي لا تلقح ولا خير فيها والتي تعقم ما مرت عليه ثم تأمل كيف اطرد هذا إلا في قوله في سورة يونس: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا
1 / 118