Mes papiers... Ma vie (Première partie)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
Genres
شيه ... شيه.»
كان نحيفا مثل حمارته، شعر رأسه منحول مثل شعرها، رمادي اللون مثل لونها ، جلبابه طويل واسع من الجبردين، طاقيته فوق راسه ذات خروم «شباك النبي»، عاد بها من الحجاز.
كل صباح أسمع سعاله من تحت سور الفرندة، أطل عليهما يخرجان من الممر الضيق بين السور والحقول متشابهين توءمين، أنفاسها ترسم في الشتاء دوائر من الشبورة، الريح الباردة تلفح أنفيهما بدرجة واحدة، يسعلان بصوت مشابه، يشتد سعال الحمارة، يصبح نهيقا متقطع الأنفاس، يضربها على مؤخرتها ببوز العصا، تسرع الخطى، تلهث، فتحات أنفها، فمها، أذنبها، يسيل منها لعاب أبيض مثل زبد البحر، تتعثر أقدامها، تسقط فيسقط معها، يلعنها وأمها: «يا بنت القحبة»، تسبقه في الجري فيجري وراءها، يضع ذيل جلبابه بين أسنانه، يلهث، يلعن، يسيل من فمه وأنفه لعاب أبيض. يتحشرج نهيقا في حلقها، تشهق، دموع بيضاء تسيل من عينيها، يربت على عنقها بيده المعروقة، يقرب فمه من أذنها الكبيرة المنتصبة. «معلهش، حقك علي يا عزيزة، معلهش! شي! شي.»
تهز الحمارة رأسها، تشهق بصوت متحشرج يشبه صوته: ش! ش! ش! معلهش!
ابنة الحاج محمود اسمها خديجة، تذهب معي إلى المدرسة الابتدائية، نلعب معا أمام البيت «السيجة»، ننط الحبل، نجري في الحقول وراء الفراشات، أعطيها قطعة من اللبانة في فمي، قطعة من العسلية المصاصة «الكرميلا».
في العيد الكبير مكافأتي مليم، يسمونها «العيدية»، كان «المليم» له قيمة كبيرة، عرفت في المدرسة أن الجنيه يساوي مائة قرش، والقرش يساوي عشرة مليمات.
أطبق بأصابعي الخمس حول هذا المليم العظيم، قرص أحمر اللون يلمع تحت الشمس ... عليه صورة الملك، أتلفت حولي خوفا من اللصوص، أجري إلى المقلة، دكان ألف صنف وصنف، أشتري البالونات، الزمامير، البمب، املأ جيوبي باللب الأبيض والأسمر، الفول السوداني المقشر، الحمص، الخروب.
أول يوم العيد في الفجر، الجزار يأتي، يذبح الخروف الضحية، يحكي لنا أبي الحكاية، أراد الله أن يمتحن «سيدنا إبراهيم»، فأمره أن يذبح ابنه «سيدنا إسماعيل»، وضع الأب السكين على عنق الابن ليذبحه لولا أن هبط الخروف من السماء.
أنام وأحلم أن الله أراد أن يمتحن أبي، الخروف لم ينزل من السماء، قطعت السكين رقبتي ، أهب من النوم مذعورة، أتحسس عنقي، همست لأمي بأحلامي فقالت تطمئنني: ده كان زمان يا نوال، لكن الحمد لله دلوقتي ربنا يعرف كل حاجة في قلوب الناس من غير امتحانات.
كلمة «امتحانات» تفزعني، لا أصدق كل ما تقوله أمي عن الله، لا أراها تقرأ القرآن، لا تعرف الحكايات التي يحكيها أبي عن الأنبياء، لا تؤدي الصلوات الخمس كل يوم، تصوم شهر رمضان فقط.
Page inconnue