فقال جبل في حياء: ما هي إلا مساعدة تافهة لا تستحق شكرا.
في أثناء ذلك حملت الفتاتان الصفيحتين وغادرتا المكان صامتتين. ود جبل بأن يملأ من المليحة عينيه ولكنه لم يجرؤ على نزعهما من عيني البلقيطي الحادتين. خيل إليه أن هذا الرجل يستطيع أن يرى الأعماق فخشي أن يقرأ رغائبه، ولكن المعلم قال: دفعت عنهما الأشرار، أمثالك يستحقون الحب، وهؤلاء الشبان كيف تجرءوا على التحرش بابنتي البلقيطي؟ إنها البوظة! ألم تلحظ أنهم سكارى؟!
فهز جبل رأسه نفيا، فقال الآخر: إني أشم كالجن الأحمر، ما علينا، ألا تعرفني؟ - كلا يا معلم، لم يحصل لي هذا الشرف.
فقال بثقة: إذن فأنت لست من هذه الناحية؟ - نعم. - أنا البلقيطي الحاوي.
وأضاء وجه جبل بنور التذكر المباغت، فقال: حصل لنا الشرف، كثيرون يعرفونك في حارتنا. - وما حارتكم؟ - حارة الجبلاوي.
فرفع البلقيطي حاجبيه الخفيفين الأبيضين وقال بصوت منغوم: أنعم وأكرم، من ذا الذي يجهل الجبلاوي صاحب الوقف؟ أو فتوتكم زقلط! وهل جئت للمولد يا معلم ...؟ - جبل.
ثم قال بمكر: جئت أبحث عن مقام جديد. - هجرت حارتك؟ - نعم.
فاشتد تفحص البلقيطي له، ثم قال: ما دام يوجد فتوات فلا بد أن يوجد مهاجرون! ولكن خبرني أقتلت رجلا أم امرأة؟
فانقبض قلب جبل وقال بثبات: مزاحك ليس لطيفا مثلك!
فضحك البلقيطي عن فم خرب وقال: لست من الرعاع الذين يعبث بهم الفتوات، ولا أنت من أهل السرقة، فمثلك لا يهاجر من حارته إلا بسبب القتل!
Page inconnue