لكن أدهم ابتعد عن كوخه دون أن يتجه نحو كوخ الآخر، وهو يلعنه في سره في غيظ مكتوم، فتبعه إدريس وهو يقول: ستكون أبا قبل طلوع الصبح. إنه تغير خطير، من فوائده أن تشعر بالرابطة التي يمزقها أبوك في يسر وبلادة.
فنفس أدهم عن ضيقه بقوله: هذا الكلام يضايقني. - ربما، لكن لا هم لنا غيره.
فسكت أدهم مترددا، ثم قال بشيء من الإشفاق: إدريس، لماذا تتبعني وأنت تعلم أن لا مودة بيننا؟!
فقهقه إدريس عاليا وقال: يا لك من طفل قليل الحياء! لقد أيقظني صراخ زوجك من أحلى نومة فلم أسمح لنفسي بالغضب، وعلى العكس جئت لأقدم لك المعونة إن كنت في حاجة إليها، وإن أباك ليسمع الصراخ كما سمعته ولكنه عاود النوم كمن لا قلب له.
فقال أدهم في ضجر: حسبنا ما كتب لنا من مصير، ألا تستطيع أن تتجاهلني كما أتجاهلك؟ - إنك تكرهني يا أدهم، لا لأنني كنت السبب في طردك، ولكن لأنني أذكرك بضعفك. إنك تكره في نفسك الآثمة، أما أنا فلم يعد لي من مبرر لكراهيتك؛ بل أنت اليوم عزائي وتسليتي، ولا تنس أننا جيران، وأول من سكن هذا الخلاء من الأحياء، وسيدب عليه أولادنا جنبا إلى جنب. - إنك تتلذذ بتعذيبي.
فصمت إدريس مليا حتى منى أدهم نفسه بالخلاص، ولكنه عاد يسأل بلهجة جدية: لماذا لا نتفق؟
فقال أدهم هو يتنهد: لأنني بياع على قد حالي وأنت رجل هوايتك الضرب والاعتداء.
وعاد صراخ أميمة يعلو ويشتد فرفع أدهم رأسه متوسلا، فأدرك من توه أن كثافة الظلام قد خفت، وأن الفجر تسلق الجبل. وهتف أدهم: ما ألعن الألم!
فقال إدريس ضاحكا: ما أجمل الرقة! خلقت لإدارة الوقف والنفخ في الناي. - اسخر ما شئت، إني متألم. - لماذا؟ حسبت امرأتك هي المتألمة!
فصاح أدهم من فرط جزعه: دعني وشأني.
Page inconnue