فقالت بصوت الظافر: إذا جاز لك أن تخالفه فيما قد يضرك فكيف لا تخالفه فيما يفيدك ويفيد أخاك ولا يضر أحدا؟!
بوسعه أن يقطع الحديث لو شاء، ولكن المنحدر كان شديد الانحدار. والحق أنه لم يتركها تسترسل في حديثها إلا لأن جزءا من نفسه كان بحاجة إلى تأييدها. وتساءل فيما يشبه الغضب: ماذا تعنين؟ - أعني أن تسهر حتى الفجر، أو حتى يخلو المكان لنا ...
فقال بامتعاض: ظننت الحمل قد أفقدك عاطفتك وحدها، ولكن ها هو ذا يفقدك عقلك أيضا! - أنت مقتنع بما أقول وحق من خلق الروح في بطني، ولكنك خائف، والخوف لا يليق بك!
فاكفهر وجهه اكفهرارا منقطع الأسباب بالتراخي الساري في داخله وقال: سنذكر بهذه الليلة أول زعل فرق بيننا.
فقالت برقة عجيبة: أدهم، دعنا نفكر جادين في الأمر. - لن نجني خيرا! - هذا قولك ولكنك سترى.
شعر بوهج النار وهو يقترب منها. قال لنفسه: «إذا احترقت فلن تجدي دموعي في إخمادها.» وحول رأسه إلى النافذة فخيل إليه أن سكان ذلك النجم اللامع سعداء لبعدهم عن هذا البيت. وتمتم بصوت ضعيف: لم يحب أحد أباه كما أحبه. - ما أبعدك عما يسيئه! - أميمة، ما أحوجك إلى النوم! - أنت الذي طيرت النوم عن عيني. - أملت أن أسمع عندك صوت العقل. - ما أسمعتك غيره.
وساءل نفسه بصوت منخفض كالهمس: ترى هل أندفع نحو الخراب؟!
فربتت يده الملقاة على مسند الكنبة وقالت بعتاب: مصيرنا واحد يا ناكر الحب!
فقال في استسلام دل على أنه اتخذ قراره: ولا هذا النجم يدري ما مصيري!
فقالت بانطلاق: ستقرأ مصيرك في الحجة!
Page inconnue