ثم اقام ليلته وقد تلاحق أصحابه، واعتبر حال البقرة فوجدها قد عاد لبنها إلى ما كان عليه، فعلم ان ذلك تنبيه من الله تعالى ليحسن سيرته، فانعم على العجوز وجهز ابنتها وانصرف.
وقيل: إن الاسكندر كانت بين يديه كرة مثمنة من الذهب، وضعها له الحكيم أرسطاطاليس على كل جهة منها كلمة سياسية(1)، تتعلق كل واحدة بالأخرى، لتكون بين يديه يقلبها في حركاته ويعمل بما فيها وهي هذه:
العالم بستان سياجه الدولة. الدولة سلطان تحفظها السنة. الشنة شريعة يحوطها الملك. الملك راعي تعضده الجند. الجند اعوان يكفلهم المال. المال رزق تجمعه الرعية. الرعية خدام يتعبدهم العدل. العدل مألوف وبه صلاح العالم.
فحقيق لمن قلده الله أمر عباده وبلاده أن يعطف عليهم ويعدل فيهم، وينصف ضعيفهم من قويهم، ويساوي في الحق بين شريفهم ومشروفهم، ويبتدىء أولا بالانصاف من نفسه وولده واهله وخاصته؛ فالناس على دين الملك كما قيل، بمعنى أنهم يتبعونه في احواله وافعاله.
أخبر الحافظ(2) في تاريخه بدمشق بإسناده إلى العباس بن محمد
Page 71