والعدل عام مطلق وخاص مقيد؛ فالمطلق هو الاحسان الى المحس وكف الأذى عمن كف أذاه، والمقيد فهو المنضبط بالاوامر الشرعية والنو والتناصف بين اهل الملة وعقوبة اهل الخيانة وقهر اهل الكفر والعناد، وسلبهم وسبيهم، وعدل السلطان خير من خطب الزمان، وعدل شامل خير من مطر وابل (1).
يحكى أن بعض الملوك خرج إلى متصيد له، فأداه الطلب إلى قرية صغيرق، فنزل مستريحا في منزل عجوز بجانب القرية وقد أدركه الكلال والتعب، وانقطع عنه اصحابه سوى غلامين كانا معه ملازمين له، فبعت أحدهما فى طلب اصحابه، ونزل معه الاخر؛ فقالت العجوز لابنتها: يا بنية! قدمى لضيفنا لبن البقيرة مع ما عندك من الخبز؛ فاتت بقصعة فيها بن كثير؛ فقال لها هذا حلب بقرة واحدة؟ قالت: نعم هذا حلب الغداق، وبالعشى تحلب مثله، فاستكثر ذلك وقال: من عنده العشرات والمئين كيف تكون فائدته؟ فاضمر في نفسه أن يوظف على اصحاب البقر خراجا يؤدونه في كل سنة ، ثم أقام إلى العشى، فقامت ابنة العجوز فحلبت، فلم يحصل إلا بعض ما كانت تحلب(2)؛ فجاءت إلى أمها متعجبة من خلاف العادة مع أنه لم يتغير من حال البقرة ولا مرعاها شيء؛ فقالت لها يا بنية لعل نيه الملك تغيرت فانها توثر في الخصب والجدب، فلما سمع مقالتها اصلح نيته وعاهد الله على الإحسان إلى الرعية، وترك التعرض لأموالهم،
Page 70