L'impact des Arabes sur la civilisation européenne
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
Genres
فالدعوة السياسية - أو فن النشر - قد كانت معروفة قبل ظهور هذا الفن في أحدث صوره العصرية وأروجها وأقواها، وهي الصحافة الدورية.
ولكن الصحافة مع هذا «توليد» عصري لم يكن من المستطاع أن يوجد قبل أوانه الذي وجد فيه، وإن كثرت الحاجة قديما إلى الدعوة والدعاة.
فليس من المستطاع أن توجد الصحافة قبل عصر المطبعة السريعة التي تطبع الألوف من النسخ كل يوم، وقبل عصر الأنباء البرقية التي تجعل الاهتمام بقراءة الصحيفة منتشرا في نطاق واسع بين جمهور كبير يتشوق إلى مطالعة تلك الأنباء، وقبل وسائل المواصلات التي تتكفل بتداولها في أوانها، وقبل اختراع الصور الشمسية التي تثبت الوقائع وتمثلها، وتعرض للقراء فنونا من الملامح والأشياء للتسلية أو للتوضيح.
وإذا توافرت الأدوات جميعها، فلا بد معها من الأداة الكبرى التي هي أكبر وألزم لرواج الصحافة من كل أداة، ونريد بها أداة الجمهور الذي يعرف القراءة ويدخل في حساب الصحفيين والساسة والكتاب.
فقبل وجود هذا الجمهور لا توجد الصحافة بحال، ولا تدوم إذا وجدت بمحض الاتفاق، وقد أصبحت الصحافة مخترعا لازما يوم أصبح الجمهور قواما للدولة، أو أصبح كما يسمونه في العصر الحديث «رأيا عاما»، وأصبح «الرأي العام» مصدر السلطات والقوانين.
وانتقلت الصحافة من أوروبا إلى الشرق العربي بعد أن تمهدت لها جميع هذه المقدمات.
انتقلت إليه بخيرها وشرها، فاستفاد من خيرها كثيرا، وابتلي من شرها بكثير، ولا يزال يبتلى بها ويستفيد.
فمن خيرها - ولا شك - أنها كانت وسيلة فعالة سريعة الفعل في نشر المعرفة العامة، وبث الدعوات القومية، واستنهاض العزائم لمكافحة السيطرة الأجنبية، وترقية اللغة، ودوام التقريب بين لغة العلم والأدب، ولغة البيت والسوق.
ومن شرها - ولا ريب - أنها شغلت الناس بسفساف الأمور، وطلبت الرواج والانتشار بإثارة الفضول وتزويد القراء بما يرضيهم دون ما ينفعهم من الآراء والأنباء، وأنها سلمت زمام الجماهير لمن يستطيع أن يشتري أقلامها أو يسخرها، وأن الإقبال عليها يصرف القراء عما هو أفضل منها وأولى بالانصراف إليه من أنواع المطالعة والتحصيل المفيد.
ومهما يكن من مآخذ الصحافة عندنا وعند غيرنا فهي مآخذ لا تخلقها الصحافة، ولا ترجع اللائمة فيه على الصحافة وحدها؛ لأنها بضاعة لا تنفق ما لم تطلب ويكثر الإقبال عليها، وإن كانت الصحافة تزيد الإقبال بالترغيب والترديد.
Page inconnue