L'impact des Arabes sur la civilisation européenne
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
Genres
واستقر الذوق الاجتماعي في الموسيقى والغناء على نبذ الألحان القديمة؛ لأنها في جمودها وقعوها وغلبة «التثاؤب» عليها لا تلائم حركة الجيل الحديث، ولكنه أعرض عن القديم ولم يخلق له نمطا مطبوعا يستقل به عن المحاكاة والتلفيق؛ فأصبحت الأغاني الفنية الحديثة توقيعا لا يعرف له زي مرسوم.
ومن عجيب ما يلاحظ أن التصوير الشرقي على تأخر ظهوره بين الفنون الجميلة كان أسبقها إلى التقدم والاستقلال، فنبغ في الشرق العربي مصورون من أصحاب الطريقة المدرسية، أو الطريقة الإحساسية يضارعون نظراءهم في الأقطار الأوروبية، أو يحسبون من تلاميذهم المجودين، ولعل هذا الفن قد نشط في طريق التقدم لأنه يستند إلى ثقافة الأفراد، سواء كانوا من المصورين أو من طلاب الصور ومشجعيها، وأذواق الأفراد في جملتها أسبق من أذواق الجماعات.
وحدث ما كان منظورا أن يحدث من تعديل في طرز البناء وزخارف فن العمارة، تبعا لتغير العادات وعوارض العمران، فبعد سفور المرأة لم تعد ثمة حاجة إلى المغالاة في إقصاء زوايا الحريم عن الطرقات العامة والأفنية المكشوفة، وبعد المراوح الكهربائية وأجهزة التكييف الهوائي لم تعد ثمة حاجة إلى الخوخات والأقبية والمشربيات، ولا إلى تعلية السقوف ومداخل التظليل، وبعد غلاء ثمن الأرض وتقسيم الطرق والميادين تعذر اقتناء الفدادين الواسعة لإقامة القصور في قلب المدينة.
وكان سراة القوم يختارون السكن في قلب المدينة ليستأثروا بوسط العمار، فلما انتظمت المواصلات الخاصة والعامة عظم الإقبال على الضواحي النائية، وشاعت نماذج «الفيلات» التي اشتق الغربيون اسمها من اسم الريف والخلاء.
ولا يخفى أننا نلم هنا بالخطوط المجملة والخطوط العريضة الناتئة، ولا نستقصي جميع التفصيلات التي تتشعب هنا وهناك ويقع فيها الاختلاف بين أمة وأمة، وبين إقليم وإقليم في الأمة الواحدة حيثما اختلفت دواعي الحضارة والعمران.
الصحافة
نشر الدعوة السياسية عمل من الأعمال التي حذقتها الأمة العربية في إبان دولتها الأولى، وهي دولة بني أمية، فبلغ الدعاة العباسيون بالدعوة مبلغ الفن المحكم الذي يحاط بجلائله ودقائقه ومبادئه ومراميه، ووضعوا فيه القواعد لاختيار أشخاص الدعاة، وعلاقة بعضهم ببعض في درجات الرئاسة أو درجات الزمالة، ورتبوا الدعاية وموضوعاتها، وما يذاع منها وما يضن به على غير الخاصة والصفوة المختارة.
وجاء الفاطميون فتمموا هذا الفن من جميع نواحيه، وقسموا الدعوة إلى دعوة ثقافية ودعوة دينية أو سياسية، وتذرعوا بالفلسفة لإقناع بعض العقول، وبالتصوف لإقناع بعض العقول الأخرى، وجعلوا لهم حلقات حول الدعوة لا تطلع على سر من أسرارها، ولا تفضي إلى غرض من أغراضها، ولكنها تشايعهم بمودتها فتكون لهم على خصومهم ساعة الفتنة التي يدبرون مواعيدها ومقدماتها.
ولا بد من التفرقة بين هذا الذي سبقت به الأمة العربية سائر الأمم، وبين «المؤامرات» التي كانت تدبر في الخفاء لإقامة دولة وإسقاط أخرى، فإسقاط الدول بالمؤامرات الخفية تدبير قديم عرفه الطامحون إلى الملك منذ فجر التاريخ الإنساني، وقامت به الدول في كل أرض، وبين كل قبيل، ولكنها كانت «مؤامرات» للاستطلاع والتأليب، وتحين الفرص، وتجنيد القوى العسكرية والمالية للعمل المفاجئ في الوقت الملائم الذي يرجى فيه النجاح.
ولم تكن دعوة إقناع أو حملة توجيه منظم للفكر والشعور، فإن التاريخ لم يعرف دولة قامت على مثل هذه الدعوة قبل الدولة العباسية والدولة الفاطمية، ولم تكن في ذلك خارقة ولا داعية للعجب ... لأن العباسيين والفاطميين كانوا يعتمدون في مطالبتهم بالخلافة على الحجة الدينية، والفتاوى الشرعية، فلا بد لهم من كسب الشعور وكسب العقول، ومن التوسل إلى ذلك بالدعوة المقنعة مع الاستعداد للأمر بعدة الأسلحة والجيوش.
Page inconnue