309

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Genres

الشَّرْحُ
- الرِّيَاءُ حَقِيْقَتُهُ مِنَ الرُّؤيَةِ البَصَرِيَّةِ، وَيَكُوْنُ أَيْضًا مِنَ السَّمْعِ؛ فَيُسَمَّى سُمْعَةً، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (مَن سَمَّع سَمَّعَ اللهُ به، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ). (١)
- الرِّيَاءُ هُوَ شِرْكٌ أَصْغَرٌ، وَهُوَ أَيْضًا شِرْكٌ خَفيٌّ،
فَهُوَ أَصْغَرٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْبَرَ، أَيْ: لَيْسَ فَاعِلُهُ كَافِرًا بِاللهِ تَعَالَى خَارِجًا عَنِ المِلَّةِ.
وَهُوَ شِرْكٌ خَفِيٌّ (٢) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّه يُخَالِطُ نِيَّةَ العَبْدِ وَلَيْسَ عَمَلَهُ. (٣)
- أَنْوَاعُ الرِّيَاءِ: (٤)
١) رِيَاءُ المُنَافِقِيْنَ: بِأَنْ يُظْهِرَ الإِسْلَامَ وَيُبْطِنَ الكُفْرَ، فَالرِّيَاءُ هَذَا هُوَ فِي أَصْلِ الدِّينِ.
وَهَذَا مِنَافٍ لِلتَّوْحِيْدِ مِنْ أَصْلِهِ، وكُفْرٌ أَكْبَرٌ بِاللهِ ﷻ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ المُنَافِقِيْنَ بِقَوْلِهِ ﴿يُرَاءُوْنَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُوْنَ اللهَ إِلَّا قَلِيْلًا﴾ (النِّسَاء:١٤٢).
٢) رِيَاءُ المُسْلِمِ (أَي الَّذِيْ قَدْ يَصْدُرُ مِنَ المُسْلِمِ): بِأَنْ يَكُوْنَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا، وَلَكِنَّهُ يُرَائِي بِبَعْضِ عَمَلِهِ، فَهَذَا شِرْكٌ خَفِيٌّ، وَهُوَ مُنافٍ لِكَمَالِ التَّوْحِيْدِ الوَاجِبِ، لِأَنَّه لَيْسَ فِي أَصْلِ تَديُّنِهِ؛ وَعَلَيْهِ حَدِيْثُ البَابِ. وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ (الخَوفِ مِنَ الشِّرْكِ) بَيَانُ أَنَّهُ مِنَ الشِّرْكِ الأَصْغَرِ. (٥)
- سَبَبُ كَوْنِ النَّبِيِّ ﷺ يَخْشَى عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الشِّركِ الخَفِيِّ أَكْثَرَ مِنَ المَسِيْحِ الدَّجَّالِ رُغْمَ عِظَمِ فِتْنَتِهِ؛ هُوَ أَنَّ هَذَا النَّوعَ مِنَ الشِّرْكِ خَفيٌّ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَيَعْرِضُ لِلعُبَّادِ فِي عِبَادَتِهِم، أَمَّا المَسِيْحُ الدَّجَّالُ؛ فَإِنَّ أَمْرَهُ ظَاهِرٌ، وَذَلِكَ لِمَا جَاءَ فِي حَقِّهِ مِنَ النُّصُوْصِ، لِذَلِكَ كَانَ أَكْثَرَ شِيْعَتَهِ هُمْ مِمَّن لَا عِلْمَ عِنْدَهُم.
- إِنَّ اسْتِدْلَالَ المُصَنِّفِ هُنَا هُوَ منِ بَابِ الأَوْلَى، حَيْثُ إِذَا كَانَ ﵊ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الرِّيَاءِ؛ فَغَيْرُهُم - مِمَّنْ هُم أَقَلُّ عِلْمًا وَصَلَاحًا - هُمْ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

(١) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٦٤٩٩)، وَمُسْلِمٌ (٢٩٨٦) مِنْ حَدِيْثِ جُنْدُبٍ مَرْفُوْعًا.
وَفِي رِوَايَةٍ لَأَحْمَدَ (٣٨٣٩) مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوْعًا (مَنْ سَمَّعَ النَّاسَ بِعَمَلِهِ؛ سَمَّعَ اللهُ بِهِ سَامِعَ خَلْقِهِ)، وَالمَعْنَى: أَظْهَرَ اللهُ عَنْهُ مَا يَنطَوي عَلَيْهِ مِنْ قُبْحِ السَّرَائِرِ.
(٢) وَعِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ (٩٣٧) عَنْ مَحْمُوْدِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَشِرْكَ السَّرَائِرِ). قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ مَا شِرْكُ السَّرَائِرِ؟ قَالَ: (يَقُوْمُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي؛ فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ جَاهِدًا لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرَائِرِ). حَسَنٌ. صَحِيْحُ التَّرْغِيْبِ وَالتَّرْهِيْبِ (٣١).
(٣) وَتَأَمَّلِ الحَدِيْثَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ (انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ ﵁ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ، لَلشِّرْكُ فِيْكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيْبِ النَّمْلِ)، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلِ الشِّرْكُ إِلَّا مَنْ جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (وَالَّذِيْ نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيْبِ النَّمْلِ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيْلُهُ وَكَثِيْرُهُ؟) قَالَ: (قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوْذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ». صَحِيْحٌ. الأَدَبُ المُفْرَدُ (٧١٦). صَحِيْحُ الأَدَبِ المُفْرَدِ (٥٥٤).
(٤) مُسْتَفَادٌ مِنَ التَّمْهِيْدِ (ص٥٢) لِلشَّيْخِ صَالِحِ آلِ الشَّيْخ حَفِظَهُ اللهُ.
(٥) وذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الشِّرْكَ الأَصْغَرَ: هُوَ جَمِيْعُ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ الَّتِيْ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى الشِّرْكِ؛ كَالغُلوِّ فِي المَخْلُوْقِ - بِحَيْثُ لَا يَصِلُ هَذَا الغُلُوُّ إِلَى رُتْبَةِ العِبَادَةِ - وَكَالحَلِفِ بِغَيْرِ اللهِ وَكَيَسِيْرِ الرَّيَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

1 / 309