التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
Genres
التَّوْضِيْحُ الرَّشِيْدُ فِي شَرْحِ التَّوْحِيْدِ
المُذَيَّلُ
بِالتَّفْنِيْدِ لِشُبُهَاتِ العَنِيْدِ
مُقَدِّمَةٌ مُقَدِّمَةُ المُؤَلِّفِ إِنِّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْر أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّيْ كُنْتُ مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيْلٍ - وَإِلَى الآنَ - أَتَطَلَّعُ إِلَى خِدْمَةِ دِيْنِ اللهِ تَعَالَى، وَإِلَى أَنْ يَكُوْنَ لِي سَبَبٌ إِلَى رِضَاه تَعَالِى فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَمَاتِي (١)، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ أَكُوْنَ أَحَدَ جُنُوْدِ الإِسْلَامِ المُدَافِعِيْنَ عَنْهُ بِاليَدِ وَاللِّسَانِ. وَلَمْ أَرَ أَنْفَعَ لِدِيْنِ الإِسْلَامِ - عِنْدَ أَزْمِنَةِ انْتِشَارِ الجَهْلِ وَالشِّرْكِ وَالبُعْدِ عَنِ السُّنَّةِ وَفُشُوِّ البِدَعِ - مِنْ جِهَادٍ بِاللِّسَانِ وَفَرْيٍ بِالقَلَمِ (٢)، وَذَلِكَ بِنَشْرِ السُّنَّةِ الصَّحِيْحَةِ وَبَيَانِ أُصُوْلِ أَهْلِ الإِسْلَامِ وَقَوَاعِدِ الدِّيْنِ وَمَنْهَجِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فِي فَهْمِ دِيْنِ الإِسْلَامِ وَالعَمَلِ بِهِ. وَقَدْ رَأَيْتُ الاعْتِنَاءَ بِكِتَابِ (التَّوْحِيْدِ) لِلشَّيْخِ الإِمَامِ المُجَدِّدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ ﵀ لِمَا فِيْهِ مِنْ ذِكْرِ أَصْلِ الدِّيْنِ وَالتَّوْحِيْدِ وَبَيَانِ العَقِيْدَةِ السَّلِيْمَةِ عَلَى وُفْقِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَمَلِ سَلَفِ الأُمَّةِ. وَنَظَرًا لِسَعَةِ وَتَنَوُّعِ أَدِلَّةِ هَذَا الكِتَابِ؛ وَلِمَا وَقَعَتْ فِيْهِ الأُمَّةُ - إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ - مِنَ الغَفْلَةِ عَنْ أَصْلِ بَعْثَةِ الرُّسُلِ، وَتَرْوِيْجِ أَهْلِ الضَّلَالِ وَأَهْلِ الزَّنْدَقَةِ لِبِدَعِهِم فِي عَقَائِدِ المُسْلِمِيْنَ، والبُعْدِ عَنِ التَّوْحِيْدِ - وَالَّذِيْ لَا نَجَاةَ لِلعَبْدِ مُطْلَقًا إِلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ - وَلِمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ وَإِشَارَتِهِم إِلَى أَهَمِّيَّتِهِ وَجُوْدَةِ جَمْعِ هَذَا الكِتَابِ المُبَارَكِ إِنْ شَاءَ اللهُ؛ وَلِكَثْرَةِ مَنِ اعْتَنَى بِشَرْحِهِ، فَقَدْ قُمْتُ - مُسْتَعِيْنًا بِاللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ - وَمُسْتَنِيْرًا بِشُرُوْحِ العُلَمَاءِ؛ بِتَصْنِيْفِ شَرْحٍ عَلَيْهِ، عَلَى أَنْ يَكُوْنَ وَجِيْزًا فِي عِبَارَتِهِ؛ وَاسِعًا فِي فَوَائِدِهِ (٣)، مَعَ الاعْتِنَاءِ الشَّدِيْدِ بِتَحْقِيْقِ الآثَارِ المَرْفُوْعَةِ وَالمَوْقُوْفَةِ - مَوْضِعِ الاسْتِدْلَالِ (٤) -؛ وَالعَزْوِ الصَّحِيْحِ مَا أَمْكَنَ فِي مَوَاطِنِ الاسْتِشْهَادِ وَالاسْتِئْنَاسِ؛ وَذِكْرِ المُفِيْدِ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيْهِ العُلَمَاءُ مِمَّا يَمَسُّ مَادَّةَ هَذَا الكِتَابِ؛ وَبَيَانِ الرَّاجِحِ مِنْهَا قَدْرَ الإِمْكَانِ. وَلَا أَدَّعِي لِنَفْسِي التَّفرُّدَ فِي شَرْحِ الكِتَابِ، وَإِنَّمَا هُوَ الاعْتِمَادُ عَلَى شُرُوْحِ العُلَمَاءِ الأَفَاضِلِ - قَدِيْمًا وَحَدِيْثًا - المَعْرُوْفِيْنَ بِسَلَامَةِ المَنْهَجِ وَرُسُوْخِ العِلْمِ وَبُعْدِ النَّظَرِ. (٥) عَلَى أَنَّنِي أَعْتَقِدُ أَنَّنِي - إِنْ شَاءَ اللهُ - قَدْ وُفِّقْتُ مِنَ اللهِ تَعَالَى فِي اسْتِيْعَابِ فَوَائِدَ وَمَسَائِلَ تَمَسُّ الحَاجَةُ إِلَيْهَا فِي كُلِّ بَابٍ؛ لَعَلَّهَا لَمْ تُجْمَعْ فِي شَرْحٍ وَاحِدٍ مِنْ شُرُوْحِ كِتَابِ التَّوْحِيْدِ. وَقَدْ أَضَفْتُ إِلَى شَرْحِ الكِتَابِ - فِي مَوَاضِعَ مُنَاسِبَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ - بَعْضَ المُلْحَقَاتِ المُفِيْدَةِ؛ التَي يَعِزُّ الوُصُوْلُ إِلَى مِثْلَ فَائِدَتِهَا - بِفَضْلِ اللهِ - تَتْمِيْمًا لِلمَنْفَعَةِ لِمِثْلِ هَذَا الكِتَابِ المُبَارَكِ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَهَذِهِ المُلْحَقَاتُ هِيَ: المُلْحَقُ الأَوَّلُ) مَقَدِّمَةٌ عَلَى كِتَابِ التَّوْحِيْدِ. المُلْحَقُ الثَّانِي) قَوَاعِدُ ومَسَائِلُ فِي التَّبَرُّكُ والبَرَكَةُ. المُلْحَقُ الثَّالِثُ) مُخْتَصَرُ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ فِي عَدَمِ سَمَاعِ الأَمْوَاتِ. المُلْحَقُ الرَّابِعُ) مُخْتَصَرُ تَحْذِيْرِ السَّاجِدِ مِنِ اتِّخَاذِ القُبُوْرِ مَسَاجِد. المُلْحَقُ الخَامِسُ) فَوَائِدُ وَمَسَائِلُ عَلَى بَابِ مَا جَاءَ فِي السِّحْرِ. المُلْحَقُ السَّادِسُ) مَسَائِلُ عِلْمِ الغَيْبِ. المُلْحَقُ السَّابِعُ) مُخْتَصَرُ القَوَاعِدِ المُثْلَى. المُلْحَقُ الثَّامِنُ) مُخْتَصَرُ كِتَابِ (التَّوَسُّلُ؛ أَنْوَاعُهُ؛ أَحْكَامُهُ). المُلْحَقُ التَّاسِعُ) مَسَائِلُ الإِيْمَانِ بِالقَدَرِ. المُلْحَقُ العَاشِرُ) لَمْحَةٌ عَنِ الفِرَقِ الضَّالَّةِ فِي العَقِيْدَةِ. المُلْحَقُ الحَادِي عَشَرَ) مَسَائِلُ فِي أَحْكَامِ الصُّوَرِ وَالتَّصْوِيْرِ. المُلْحَقُ الثَّانِي عَشَرَ) مُخْتَصَرٌ فِي الرَّدِّ عَلَى أَبْيَاتٍ مِنَ البُرْدَةِ لِلبُوْصِيْرِيِّ. المُلْحَقُ الثَّالِثَ عَشَرَ) رَدُّ شُبُهَاتِ المُشْرِكِيْنَ. وَأَخِيْرًا أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى إِجَابَتِي دَعْوَةً كَدَعْوَةِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ ﵊ ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيْمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ يَوْمَ يَقُوْمُ الحِسَابُ﴾ (إِبْرَاهِيْم:٤١). وَكَتَبَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ؛ خُلْدُوْنُ بْنُ مَحْمُوْدِ بْنِ نَغَوِي الحَقَوِيُّ. (٦) _________ (١) كَمَا فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (١٦٣١) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ). وَأَنَا أَرْجُو اللهَ تَعَالَى الكَرِيْمَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْ أَهْلِ العِلْمِ العَامِلِيْنَ المُنْتَفَعِ بِهِم، فَإِنَّ الدَّالَ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ؛ كَمَا ثَبَتَ فِي الحَدِيْثِ. (٢) كَمَا فِي الحَدِيْثِ (جَاهِدُوا المُشْرِكِيْنَ بِأمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ). صَحِيْحٌ. أَبُو دَاوُدَ (٢٥٠٤) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (٣٠٩٠). (٣) وَهَذِهِ المَسَائِلُ هِيَ غَيْرُ مَسَائِلِ المُصَنِّفِ المُخْتَصَرَةِ الَّتِيْ اتْبَعَهَا المُصَنِّفُ لِمُتُوْنِ البَابِ، أَمَّا مَسَائِلِي الخَاصَّةُ فِي هَذَا الكِتَابِ فَقَدْ جَعَلْتُهَا قِسْمَيْنِ: القِسْمُ الأَوَّلُ) المَسَائِلُ الَّتِيْ أَجْعَلُهَا فِي أَوَاخِرِ شُرُوْحِ الأَبْوَابِ. القِسْمُ الثَّانِي) المَلَاحِقُ المُسْتَقِلَّةُ عَنِ الأَبْوَابِ، وَهِيَ تَتَضَمَّنُ مُلَخَّصَاتِ لِبَعْضِ الكُتُبِ، وَمِنْهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ جُزْءًا يَسِيْرًا فِي بَابِهِ، وَسَأَذْكُرُ هَذِهِ المَلَاحِقَ قَرِيْبًا. (٤) مُعْظَمُ تَحْقِيْقِ الحَدِيْثِ فِي هَذَا الشَّرْحِ هُوَ مِنْ مُصَنَّفَاتِ الشَّيْخِ الإِمَامِ الأَلْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. (٥) وَأَخُصُّ بِالذِّكْرِ الشَّيْخَ الفَاضِلَ الإِمَامَ العَلَّامَةَ ابْنَ عُثَيْمِيْن ﵀، فَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِهِ كَثِيْرًا. (٦) العُنْوَانُ الإِلِكتْرُونيّ لِلتَّوَاصُلِ: Naghwi@gmail.com .
مُقَدِّمَةٌ مُقَدِّمَةُ المُؤَلِّفِ إِنِّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْر أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّيْ كُنْتُ مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيْلٍ - وَإِلَى الآنَ - أَتَطَلَّعُ إِلَى خِدْمَةِ دِيْنِ اللهِ تَعَالَى، وَإِلَى أَنْ يَكُوْنَ لِي سَبَبٌ إِلَى رِضَاه تَعَالِى فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَمَاتِي (١)، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ أَكُوْنَ أَحَدَ جُنُوْدِ الإِسْلَامِ المُدَافِعِيْنَ عَنْهُ بِاليَدِ وَاللِّسَانِ. وَلَمْ أَرَ أَنْفَعَ لِدِيْنِ الإِسْلَامِ - عِنْدَ أَزْمِنَةِ انْتِشَارِ الجَهْلِ وَالشِّرْكِ وَالبُعْدِ عَنِ السُّنَّةِ وَفُشُوِّ البِدَعِ - مِنْ جِهَادٍ بِاللِّسَانِ وَفَرْيٍ بِالقَلَمِ (٢)، وَذَلِكَ بِنَشْرِ السُّنَّةِ الصَّحِيْحَةِ وَبَيَانِ أُصُوْلِ أَهْلِ الإِسْلَامِ وَقَوَاعِدِ الدِّيْنِ وَمَنْهَجِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فِي فَهْمِ دِيْنِ الإِسْلَامِ وَالعَمَلِ بِهِ. وَقَدْ رَأَيْتُ الاعْتِنَاءَ بِكِتَابِ (التَّوْحِيْدِ) لِلشَّيْخِ الإِمَامِ المُجَدِّدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ ﵀ لِمَا فِيْهِ مِنْ ذِكْرِ أَصْلِ الدِّيْنِ وَالتَّوْحِيْدِ وَبَيَانِ العَقِيْدَةِ السَّلِيْمَةِ عَلَى وُفْقِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَمَلِ سَلَفِ الأُمَّةِ. وَنَظَرًا لِسَعَةِ وَتَنَوُّعِ أَدِلَّةِ هَذَا الكِتَابِ؛ وَلِمَا وَقَعَتْ فِيْهِ الأُمَّةُ - إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ - مِنَ الغَفْلَةِ عَنْ أَصْلِ بَعْثَةِ الرُّسُلِ، وَتَرْوِيْجِ أَهْلِ الضَّلَالِ وَأَهْلِ الزَّنْدَقَةِ لِبِدَعِهِم فِي عَقَائِدِ المُسْلِمِيْنَ، والبُعْدِ عَنِ التَّوْحِيْدِ - وَالَّذِيْ لَا نَجَاةَ لِلعَبْدِ مُطْلَقًا إِلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ - وَلِمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ وَإِشَارَتِهِم إِلَى أَهَمِّيَّتِهِ وَجُوْدَةِ جَمْعِ هَذَا الكِتَابِ المُبَارَكِ إِنْ شَاءَ اللهُ؛ وَلِكَثْرَةِ مَنِ اعْتَنَى بِشَرْحِهِ، فَقَدْ قُمْتُ - مُسْتَعِيْنًا بِاللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ - وَمُسْتَنِيْرًا بِشُرُوْحِ العُلَمَاءِ؛ بِتَصْنِيْفِ شَرْحٍ عَلَيْهِ، عَلَى أَنْ يَكُوْنَ وَجِيْزًا فِي عِبَارَتِهِ؛ وَاسِعًا فِي فَوَائِدِهِ (٣)، مَعَ الاعْتِنَاءِ الشَّدِيْدِ بِتَحْقِيْقِ الآثَارِ المَرْفُوْعَةِ وَالمَوْقُوْفَةِ - مَوْضِعِ الاسْتِدْلَالِ (٤) -؛ وَالعَزْوِ الصَّحِيْحِ مَا أَمْكَنَ فِي مَوَاطِنِ الاسْتِشْهَادِ وَالاسْتِئْنَاسِ؛ وَذِكْرِ المُفِيْدِ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيْهِ العُلَمَاءُ مِمَّا يَمَسُّ مَادَّةَ هَذَا الكِتَابِ؛ وَبَيَانِ الرَّاجِحِ مِنْهَا قَدْرَ الإِمْكَانِ. وَلَا أَدَّعِي لِنَفْسِي التَّفرُّدَ فِي شَرْحِ الكِتَابِ، وَإِنَّمَا هُوَ الاعْتِمَادُ عَلَى شُرُوْحِ العُلَمَاءِ الأَفَاضِلِ - قَدِيْمًا وَحَدِيْثًا - المَعْرُوْفِيْنَ بِسَلَامَةِ المَنْهَجِ وَرُسُوْخِ العِلْمِ وَبُعْدِ النَّظَرِ. (٥) عَلَى أَنَّنِي أَعْتَقِدُ أَنَّنِي - إِنْ شَاءَ اللهُ - قَدْ وُفِّقْتُ مِنَ اللهِ تَعَالَى فِي اسْتِيْعَابِ فَوَائِدَ وَمَسَائِلَ تَمَسُّ الحَاجَةُ إِلَيْهَا فِي كُلِّ بَابٍ؛ لَعَلَّهَا لَمْ تُجْمَعْ فِي شَرْحٍ وَاحِدٍ مِنْ شُرُوْحِ كِتَابِ التَّوْحِيْدِ. وَقَدْ أَضَفْتُ إِلَى شَرْحِ الكِتَابِ - فِي مَوَاضِعَ مُنَاسِبَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ - بَعْضَ المُلْحَقَاتِ المُفِيْدَةِ؛ التَي يَعِزُّ الوُصُوْلُ إِلَى مِثْلَ فَائِدَتِهَا - بِفَضْلِ اللهِ - تَتْمِيْمًا لِلمَنْفَعَةِ لِمِثْلِ هَذَا الكِتَابِ المُبَارَكِ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَهَذِهِ المُلْحَقَاتُ هِيَ: المُلْحَقُ الأَوَّلُ) مَقَدِّمَةٌ عَلَى كِتَابِ التَّوْحِيْدِ. المُلْحَقُ الثَّانِي) قَوَاعِدُ ومَسَائِلُ فِي التَّبَرُّكُ والبَرَكَةُ. المُلْحَقُ الثَّالِثُ) مُخْتَصَرُ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ فِي عَدَمِ سَمَاعِ الأَمْوَاتِ. المُلْحَقُ الرَّابِعُ) مُخْتَصَرُ تَحْذِيْرِ السَّاجِدِ مِنِ اتِّخَاذِ القُبُوْرِ مَسَاجِد. المُلْحَقُ الخَامِسُ) فَوَائِدُ وَمَسَائِلُ عَلَى بَابِ مَا جَاءَ فِي السِّحْرِ. المُلْحَقُ السَّادِسُ) مَسَائِلُ عِلْمِ الغَيْبِ. المُلْحَقُ السَّابِعُ) مُخْتَصَرُ القَوَاعِدِ المُثْلَى. المُلْحَقُ الثَّامِنُ) مُخْتَصَرُ كِتَابِ (التَّوَسُّلُ؛ أَنْوَاعُهُ؛ أَحْكَامُهُ). المُلْحَقُ التَّاسِعُ) مَسَائِلُ الإِيْمَانِ بِالقَدَرِ. المُلْحَقُ العَاشِرُ) لَمْحَةٌ عَنِ الفِرَقِ الضَّالَّةِ فِي العَقِيْدَةِ. المُلْحَقُ الحَادِي عَشَرَ) مَسَائِلُ فِي أَحْكَامِ الصُّوَرِ وَالتَّصْوِيْرِ. المُلْحَقُ الثَّانِي عَشَرَ) مُخْتَصَرٌ فِي الرَّدِّ عَلَى أَبْيَاتٍ مِنَ البُرْدَةِ لِلبُوْصِيْرِيِّ. المُلْحَقُ الثَّالِثَ عَشَرَ) رَدُّ شُبُهَاتِ المُشْرِكِيْنَ. وَأَخِيْرًا أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى إِجَابَتِي دَعْوَةً كَدَعْوَةِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ ﵊ ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيْمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ يَوْمَ يَقُوْمُ الحِسَابُ﴾ (إِبْرَاهِيْم:٤١). وَكَتَبَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ؛ خُلْدُوْنُ بْنُ مَحْمُوْدِ بْنِ نَغَوِي الحَقَوِيُّ. (٦) _________ (١) كَمَا فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (١٦٣١) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ قَالَ: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ). وَأَنَا أَرْجُو اللهَ تَعَالَى الكَرِيْمَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْ أَهْلِ العِلْمِ العَامِلِيْنَ المُنْتَفَعِ بِهِم، فَإِنَّ الدَّالَ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ؛ كَمَا ثَبَتَ فِي الحَدِيْثِ. (٢) كَمَا فِي الحَدِيْثِ (جَاهِدُوا المُشْرِكِيْنَ بِأمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ). صَحِيْحٌ. أَبُو دَاوُدَ (٢٥٠٤) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (٣٠٩٠). (٣) وَهَذِهِ المَسَائِلُ هِيَ غَيْرُ مَسَائِلِ المُصَنِّفِ المُخْتَصَرَةِ الَّتِيْ اتْبَعَهَا المُصَنِّفُ لِمُتُوْنِ البَابِ، أَمَّا مَسَائِلِي الخَاصَّةُ فِي هَذَا الكِتَابِ فَقَدْ جَعَلْتُهَا قِسْمَيْنِ: القِسْمُ الأَوَّلُ) المَسَائِلُ الَّتِيْ أَجْعَلُهَا فِي أَوَاخِرِ شُرُوْحِ الأَبْوَابِ. القِسْمُ الثَّانِي) المَلَاحِقُ المُسْتَقِلَّةُ عَنِ الأَبْوَابِ، وَهِيَ تَتَضَمَّنُ مُلَخَّصَاتِ لِبَعْضِ الكُتُبِ، وَمِنْهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ جُزْءًا يَسِيْرًا فِي بَابِهِ، وَسَأَذْكُرُ هَذِهِ المَلَاحِقَ قَرِيْبًا. (٤) مُعْظَمُ تَحْقِيْقِ الحَدِيْثِ فِي هَذَا الشَّرْحِ هُوَ مِنْ مُصَنَّفَاتِ الشَّيْخِ الإِمَامِ الأَلْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. (٥) وَأَخُصُّ بِالذِّكْرِ الشَّيْخَ الفَاضِلَ الإِمَامَ العَلَّامَةَ ابْنَ عُثَيْمِيْن ﵀، فَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِهِ كَثِيْرًا. (٦) العُنْوَانُ الإِلِكتْرُونيّ لِلتَّوَاصُلِ: Naghwi@gmail.com .
1 / 1
التَّعْرِيْفُ بِمُصَنِّفِ كِتَابِ التَّوْحِيْدِ (١):
هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّمِيْمِيُّ؛ النَّجْدِيُّ، زَعِيْمُ النَّهْضَةِ الدِّيْنِيَّةِ الإِصْلَاحِيَّةِ الحَدِيْثَةِ فِي جَزِيْرَةِ العَرَبِ وُلِدَ عَامَ (١١١٥هـ)، وَتُوُفِّيَ عَامَ (١٢٠٦هـ).
وُلِدَ وَنَشَأَ فِي العُيَيْنَةِ (بِنَجْدٍ) وَرَحَلَ مَرَّتَيْنِ إِلَى الحِجَازِ، فَمَكَثَ فِي المَدِيْنَةِ مُدَّةً قَرَأَ بِهَا عَلَى بَعْضِ أَعْلَامِهَا، وَزَارَ الشَّامَ، وَدَخَلَ البَصْرَةَ فَأُوْذِيَ فِيْهَا، وَعَادَ إِلَى نَجْدٍ؛ فَسَكَنَ (حُرَيْمِلَاءَ) وَكَانَ أَبُوْهُ قَاضِيَهَا بَعْدَ العُيَيْنَةِ.
ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى العُيَيْنَةِ؛ نَاهِجًا مَنْهَجَ السَّلَفِ الصَّالِحِ، دَاعِيًا إِلَى التَّوْحِيْدِ الخَالِصِ وَنَبْذِ البِدَعِ وَتَحْطِيْمِ مَا عَلَقَ بِالإِسْلَامِ مِنْ أَوْهَامٍ. (٢)
وَارْتَاحَ أَمِيْرُ العُيَيْنَةِ عُثْمَانُ بْنُ حَمَدِ بْنِ مَعْمَرِ إِلَى دَعْوَتِهِ فَنَاصَرَهُ، ثُمَّ خَذَلَهُ (٣)، فَقَصَدَ الدَّرْعِيَّةَ (بِنَجْدٍ) سَنَةَ (١١٥٧ هـ)، فَتَلَقَّاهُ أَمِيْرُهَا مُحَمَّدُ بْنُ سُعُوْدٍ بِالإِكْرَامِ، وَقَبِلَ دَعْوَتَهُ وَآزَرَهُ، كَمَا آزَرَهُ مِنْ بَعْدِهِ ابْنُهُ عَبْدُ العَزِيْزِ، ثُمَّ سُعُوْدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَقَاتَلُوا مِنْ خَلْفِهِ، وكَانَتْ دَعْوَتُهُ الشُّعْلَةَ الأُوْلَى لِليَقَظَةِ الحَدِيْثَةِ فِي العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ كُلِّهِ، تَأَثَّرَ بِهَا رِجَالُ الإِصْلَاحِ فِي الهِنْدِ وَمِصْرَ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَغَيْرِهَا، وَعُرِفَ مَنْ وَالَاهُ وَشَدَّ أَزْرَهُ فِي قَلْبِ الجَزِيْرَةِ بِـ (أَهْلِ التَّوْحِيْدِ) وَ(إِخْوَانِ مَنْ أَطَاعَ اللهَ) وَسَمَّاهُمْ خُصُوْمُهُم بِالوَهَّابِيِّيْنَ، وَشَاعَتِ التَّسْمِيَةُ الأَخِيْرَةُ عِنْدَ الأَوْرُبِّيِّيْنَ فَدَخَلَتْ مُعْجَمَاتِهِم الحَدِيْثَةَ، وَأَخْطَأَ بَعْضُهُم فَجَعَلَهَا مَذْهَبًا جَدِيْدًا فِي الإِسْلَامِ تَبَعًا لِمَا افْتَرَاهُ خُصُوْمُهُ؛ وَلَا سِيَّمَا دُعَاةُ مَنْ كَانُوا يَتَلَقَّبُوْنَ بِالخُلَفَاءِ مِنَ التُّرْكِ.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي الدَّرْعِيَّةِ، وَحُفَدَاؤُهُ (٤) اليَوْمَ يُعْرَفُوْنَ بِبَيْتِ (الشَّيْخِ)، وَلَهُمْ مَقَامٌ رَفِيْعُ عِنْدَ آلِ سُعُوْدٍ.
وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ أَكْثَرُهَا رَسَائِلُ مَطْبُوْعَةٌ، مِنْهَا (كِتَابُ التَّوْحِيْدِ) (٥) وَرِسَالَةُ (كَشْفُ الشُّبُهَاتِ) وَ(تَفْسِيْرُ الفَاتِحَةِ) وَ(أُصُوْلُ الإِيْمَانِ) وَ(تَفْسِيْرُ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) وَغَيْرُهَا.
_________
(١) مُسْتَفَادٌ مِنْ كِتَابِ (الأَعْلَامُ) لِلزِّرِكْلِيِّ (٢٥٧/ ٦).
(٢) وَفِي (مُعْجَمُ المُؤَلِّفِيْنَ) (٢٦٩/ ١٠) لِعُمَر كَحَّالَة: (وَقَامَ بِالدَّعْوَةِ إِلَى العَقِيْدَةِ السَّلَفِيَّةِ وَالعَمَلِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ).
(٣) أَيْضًا مِمَّنْ خَذَلَهُ أَخُوْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، ثُمَّ تَابَ وَرَجَعَ.
قَالَ الزِّرِكْلِيِّ فِي الأَعْلَامِ (١٣٠/ ٣): (سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّمِيْمِيُّ النَجْدِيُّ: أَخُو الشَّيْخِ زَعِيْمِ النَّهْضَةِ الإِصْلَاحِيَّةِ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، عَارَضَ أَخَاهُ فِي الدَّعْوَةِ، وَكَتَبَ رَسَائِلَ فِي ذَلِكَ مِنْهَا (الرَّدُّ عَلَى مَنْ كَفَّرَ المُسْلِمِيْنَ بِسَبَبِ النَّذْرِ لِغَيْرِ اللهِ) مَخْطُوْطٌ فِي أَوْقَافِ بَغْدَادَ (٦٨٠٥)، ثُمَّ عَادَ وَأَظْهَرَ النَّدَمَ، قَالَ عَلِيّ جَوَاد الطَّاهِر: (وَلَهُ فِي ذَلِكَ رِسَالَةٌ مَطْبُوْعَةٌ).
(٤) الحَفِيْدُ: وَلَدُ الوَلَدِ، وَالجَمْعُ حُفَدَاءُ، اُنْظُرْ كِتَابَ (لِسَانُ العَرَبِ) (١٥٣/ ٣).
(٥) وَمِنْ أَبْرَزِ مَنْ شَرَحَهُ حَفِيْدُهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَنِ بْنِ مَحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ المَجِيْدُ فِي شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيْدِ)، (ت ١٢٨٥ هـ).
1 / 2
المُلْحَقُ الأَوَّلُ عَلَى كِتَابِ التَّوْحِيْدِ) مَقَدِّمَةٌ عَلَى كِتَابِ التَّوْحِيْدِ
- التَّوْحِيْدُ: هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ وَاحِدًا. (١)
- التَّوْحِيْدُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، وَهِيَ مَجْمُوْعَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ (مَرْيَم:٦٥). (٢)
وَهَذِهِ الأَنْوَاعُ هِيَ:
١) تَوْحِيْدُ الرُّبُوْبِيَّةِ: وَمَعْنَاهُ تَوْحِيْدُ اللهِ بِأَفْعَالِهِ، وَأُصُوْلُهَا: الخَلْقُ وَالمُلْكُ وَالتَّدْبِيْرُ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُوْلُوْنَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُوْنَ، فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُوْنَ﴾ (يُوْنُس:٣٢). (٣)
٢) تَوْحِيْدُ الأُلُوْهِيَّةِ (٤) (أَوْ تَوْحِيْدُ العِبَادَةِ) (٥): وَمَعْنَاهُ جَعْلُ العِبَادَةِ للهِ وَحْدَهُ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِهِ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيْرُ﴾ (لُقْمَان:٣٠).
وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوْمًا مَخْذُوْلًا﴾ (الإِسْرَاء:٢٢).
وَإِنَّ تَحْقِيْقَ الإِيْمَانِ بِاللهِ تَعَالَى يَكُوْنُ بِإِفْرَادِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ بِالعِبَادَةِ مِنْ صَلَاةً وَدُعَاءً وَذَبْحٍ وَنَذْرٍ وَتَوَكُّلٍ وَرَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَ....، فَمَنْ صَرَفَ شَيْئًا مِنْهَا لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْرِكٌ بِهِ سُبْحَانَهُ.
وَإِنَّ المُشْرِكِيْنَ الأَوَائِلَ لَمْ يَكُنْ شِرْكُهُم هُوَ بِاعْتِقَادِ خَالِقٍ أَوْ رَازِقٍ أَوْ نَافِعٍ أَوْ ضَارٍّ مَعَ اللهِ تَعَالَى - كَمَا يَظُنُّ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ بِالقُرْآنِ - (٦)، وَإِنَّمَا كَانَ شِرْكُهُم هُوَ بِاتِّخَاذِ الوَسَائِطِ وَالشُّفَعَاءِ بَيْنَهُم وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى (٧)؛ حَيْثُ تَعَلَّقُوا بِهِم فَدَعَوْهُم وَاسْتَغَاثُوا بِهِم.
٣) تَوْحِيْدُ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ: وَمَعْنَاهُ أَنْ يَعْتَقِدَ العَبْدُ أَنَّ اللهَ ﷻ وَاحِدٌ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لَا مُمَاثِلَ لَهُ فِيْهِمَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ﴾ (الشُّوْرَى:١١). (٨)
وَهَذَا النَّوْعُ الأَخِيْرُ يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْن:
أ) الإِثْبَاتُ، وَذَلِكَ بِأَنْ نُثْبِتَ للهِ تَعَالَى جَمَيْعَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِيْ أَثْبتَهَا لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ.
ب) نَفْيُ المُمَاثَلَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا نَجْعَلَ للهِ مَثِيْلًا فِي تِلْكَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
_________
(١) قَالَ الزُّبَيْدِيُّ ﵀ (ت ١٢٠٥ هـ) فِي كِتَابِهِ (تَاجُ العَرُوْسِ) (٢٧٦/ ٩): (التَّوْحِيْدُ تَوْحِيْدَانِ، تَوْحِيْدُ الرُّبُوْبِيَّةِ وَتَوْحِيْدُ الأِلَهِيَّةِ.
فَصَاحِبُ تَوْحِيْدِ الرَّبَّانِيَّةِ يَشْهَدُ قَيُّومِيَّةَ الرَّبِ فَوْقَ عَرْشِهِ، يُدَبِّرُ أَمْرَ عِبَادِهِ وَحْدَهُ، فَلَا خَالِقَ وَلَا رَازِقَ وَلَا مُعْطِيَ وَلَا مَانِعَ وَلَا مُحْيي وَلَا مُمِيْتَ وَلَا مُدَبِّرَ لِأَمْرِ المَمْلَكَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا غَيْرُهُ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ إِلَّا بإِذْنِهِ، وَلَا يَجُوْزُ حَادِثٌ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ، وَلَا تَسْقُطُ وَرَقَةٌ إِلَّا بِعِلْمِهِ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا وَقَدْ أَحْصَاهَا عِلْمُهُ وَأَحَاطَتْ بِهَا قُدْرَتُهُ وَنَفَذَتْ فِيْهَا مَشِيْئَتُهُ وَاقْتَضَتْهَا حِكْمَتُهُ.
وَأَمَّا تَوْحِيْدُ الإِلَهِيَّةِ فَهُوَ أَنٍ يجْمِعَ هِمَّتَهُ وَقَلْبَهُ وَعَزْمَهُ وَإِرَادَتَهُ وَحَرَكاتِهِ عَلَى أَدَاءِ حَقِّهِ وَالقِيَامِ بِعُبُودِيَّتِهِ).
(٢) مُلَاحَظَةٌ: إِذَا كَانَ الاسْتِدْلَالُ بِأَكْثَرَ مِنْ آيَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَإِنِّيْ أَذْكُرُ رَقَمَ آخِرِ آيَةٍ مِنْهَا.
(٣) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٢٦٧/ ٤): (﴿فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُوْنَ﴾ أَيْ: أَفَلَا تَخَافُوْنَ مِنْهُ أَنْ تَعْبُدُوا مَعَهُ غَيْرَهُ بِآرَائِكُم وَجَهْلِكُم؟!
وَقَوْلُهُ ﴿فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُوْنَ﴾ أَيْ: فَهَذَا الَّذِي اعْتَرَفْتُم بِأَنَّهُ فَاعِلُ ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ رَبُّكُم وَإِلَهُكُم الحَقُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُفْرَدَ بِالعِبَادَةِ، ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ﴾ أَيْ: فَكُلُّ مَعْبُوْدٍ سِوَاهُ بَاطِلٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَاحِدٌ لَا شَرِيْكَ لَهُ).
(٤) قَالَ فِي القَامُوْسِ المُحِيْطِ (ص١٢٤٢): (أَلَهَ إِلَاهَةً وَأُلُوْهَةً وَأُلُوْهِيَّةً: عَبَدَ عِبَادَةً، وَمِنْهُ لَفْظُ الجَلَالَةِ).
وَقَالَ فِي لِسَانِ العَرَبِ (٤٦٧/ ١٣): «ألَهَ) الإلَهُ: اللهُ ﷿، وكُلُّ مَا اتُخِذَ مِنْ دُوْنِهِ مَعْبُوْدًا؛ إلَهٌ عِنْدَ مُتَّخِذِهِ، وَالجَمْعُ آلِهَةٌ، وَالآلِهَةُ: الأَصْنَامُ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِم أَنَّ العِبَادَةَ تَحُقُّ لَهَا، وَأَسْمَاؤُهُم تَتْبَعُ اعْتِقَادَاتِهِم لَا مَا عَلَيْهِ الشَّيْءُ فِي نَفْسِهِ).
(٥) هَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّوْحِيْدِ يَكُوْنُ اسْمُهُ بِاعْتِبَارَيْنِ: فَبِاعْتِبَارِ إِضَافَتِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى يُسمَّى تَوْحِيْدَ الأُلُوْهِيَّةِ، فَلَا إلَهَ حَقٌّ إِلَّا هُوَ، وَبِاعْتِبَارِ إِضَافَتِهِ إِلَى العِبَادِ يُسمَّى تَوْحِيْدَ العِبَادَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا تَعْبُدَ غَيْرَهُ.
قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (ص٥٠٣): (فَالأُلُوْهِيَّةُ وَصْفُهُ تَعَالَى، وَالعُبُوْدِيَّةُ وَصْفُ عَبْدِهِ).
(٦) قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَيَقُوْلُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُوْنَ﴾ (العَنْكَبُوْت:٦١).
وقَالَ تَعَالَى أَيْضًا: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُوْلُوْنَ اللهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُوْنَ، فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُوْنَ﴾ (يُوْنُس:٣٢).
(٧) قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُوْلُوْنَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُوْنَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُوْنَ﴾ (يُوْنُس:١٨).
(٨) فَائِدَةٌ: اشْتِرَاكُ اسْمَاءِ بَعْضِ الصِّفَاتِ بَيْنَهُ تَعَالَى وَبَيْنَ بَعْضِ خَلْقِهِ إِنَّمَا هُوَ اشْتِرَاكٌ فِي أَصْلِ الصِّفَةِ، وَلَيْسَ فِي حَقِيْقَتِهَا، فَالكَمَالُ فِيْهَا للهِ وَحْدَهُ دُوْنَ مَنْ سِوَاهُ؛ فَمَثَلًا المَخْلُوْقُ قَدْ يَكُوْنُ عَزِيْزًا؛ وَاللهُ تَعَالَى هُوَ العَزِيْزُ، فَلِلْمَخْلُوْقِ مِنْ صِفَةِ العِزَّةِ مَا يُنَاسِبُ ذَاتَهُ الحَقِيْرَةَ الوَضِيْعَةَ الفَقِيْرَةَ، وَاللهُ جَلَّ وَعَلَا لَهُ مِنْ كَمَالِ هَذِهِ الصِّفَةِ مُنْتَهَى ذَلِكَ، لَيْسَ لَهُ فِيْهَا مَثِيْلٌ، وَلَيْسَ لَهُ فِيْهَا مُشَابِهٌ عَلَى الوَجْهِ التَّامِّ. وَسَيَأْتِي مَزِيْدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ شَرْحِ الكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
1 / 3
- تُطْلَقُ العِبَادَةُ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ (فِعْلٌ - وَصْفٌ):
أ) العِبَادَةُ بِمَعْنَى التَّعَبُّدِ: أَي التَّذَلُّلُ للهِ تَعَالَى وَالخُضُوْعُ لَهُ؛ بِفِعْلِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيْهِ؛ مَحَبَّةً وَتَعْظِيْمًا. (١)
ب) العِبَادَةُ بِمَعْنَى مَا يُتعبَّدُ بِهِ: هِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ (٢)؛ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَسَائِرِ أَفْعَالِ الطَّاعَاتِ، فَيَكُوْنُ بِذَلِكَ دُعَاءُ غَيْرِ اللهِ هُوَ كَالصَّلَاةِ لِغَيْرِ اللهِ؛ وَذَلِكَ لِكَوْنِهِمَا عِبَادَةً يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى.
- إِنَّ نِزَاعَ أَكْثَرِ الطَّوَائِفَ الكَافِرَةِ المُخَالِفَةِ لِلإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ فِي النَّوْعِ الأَوَّلِ مِنَ التَّوْحِيْدِ وَهُوَ تَوْحِيْدُ الرُّبُوْبِيَّةِ، وَلَكِنْ فِي تَوْحِيْدِ الأُلُوْهِيَّةِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَتِ الكُتُبُ، فَأَكْثَرُ الأُمَمِ الكَافِرَةِ كَانَتْ تُقِرُّ للهِ تَعَالَى بِالخَلْقِ وَالمُلْكِ وَالتَّدْبِيْرِ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ تُخْلِصُ للهِ تَعَالَى فِي العِبَادَةِ لَهُ وَحْدَهُ، لِذَلِكَ فَإِنَّ الأَمْرَ القُرْآنِيَّ لِلمُشْرِكِيْنَ بِالعِبَادَةِ يُقْصَدُ بِهِ إِفْرَادُهُ تَعَالَى بِالعِبَادَةِ (٣)، لِأَنَّهُم كَانُوا يَعْبُدُوْنُ اللهَ تَعَالَى وَلَكِنْ يَعْبُدُوْنَ مَعَهُ غَيْرَهُ، فَكَانَ اللهُ تَعَالَى يَحْتَجُّ عَلَى المُشْرِكِيْنَ بِمَا يُقِرُّوْنَهُ مِنْ رُبُوْبِيَّتِهِ وَحْدَهُ عَلَى مَا يُنْكِرُوْنَهُ مِنْ أُلُوْهِيَّتِهِ وَحْدَهُ ﷾، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَيَقُوْلُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُوْنَ﴾ (العَنْكَبُوْت:٦١). (٤)
- أَنْوَاعُ الشِّرْكِ: يُقْسَمُ إِلَى شِرْكٍ أَكْبَرٍ، وَشِرْكٍ أَصْغَرٍ:
١) الشِّرْكُ الأَكْبَرُ: هُوَ أَنْ يَصْرِفَ العَبْدُ نَوْعًا أَوْ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ العِبَادَةِ لِغَيْرِ اللهِ.
فَكُلُّ اعْتِقَادٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ثَبَتَ أَنَّهُ مَأْمُوْرٌ بِهِ مِنَ الشَّارِعِ للهِ؛ فَصَرْفُهُ للهِ وَحْدَهُ تَوْحِيْدٌ وَإِيْمَانٌ وَإِخْلَاصٌ، وَصَرْفُهُ لِغَيْرِهِ شِرْكٌ وَكُفْرٌ.
٢) الشِّرْكُ الأَصْغَرُ: هُوَ كُلُّ وَسِيْلَةٍ وَذَرِيْعَةٍ يُتَوَصَّلُ مِنْهَا إِلَى الشِّرْكِ الأَكْبَرِ مِنَ الإِرَادَاتِ وَالأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ الَّتِيْ لَمْ تَبْلُغْ رُتْبَةَ العِبَادَةِ؛ وَجَاءَ وَصْفُهَا بِكَوْنِهَا شِرْكًا.
_________
(١) قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (ت ٦٧١ هـ) فِي التَّفْسِيْرِ (٢٢٥/ ١): (وَأَصْلُ العِبَادَةِ الخُضُوْعُ وَالتَّذَلُّلُ، يُقَالُ: طَرِيْقٌ مُعَبَّدَةٌ إِذَا كَانَتْ مَوْطُوْءَةً بِالأَقْدَامِ).
وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ القُرْطُبِيُّ ﵀ (ت ٦٥٦ هـ) فِي كِتَابِهِ (المُفْهِمُ عَلَى مُسْلِمٍ) (١٨١/ ١): (سُمِّيَتْ وَظَائِفُ الشَّرْعِ عَلَى المُكَلَّفِيْنَ عِبَادَاتٍ؛ لِأَنَّهُمْ يَلْتَزِمُوْنَهَا وَيَفْعَلُوْنَهَا خَاضِعِيْنَ مُتَذَلِّلِيْنَ للهِ تَعَالَى).
(٢) قَالَهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى (١٤٩/ ١٠).
(٣) قَالَ الطَّبَرِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٣٦٢/ ١): (وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسَ - فِيْمَا رُوِيَ لَنَا عَنْهُ - يَقُوْلُ فِي ذَلِكَ نَظِيْرَ مَا قُلْنَا فِيْهِ، غَيْرَ أنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ فِي مَعْنَى (اعْبُدُوا رَبَّكَم): وَحِّدُوا رَبَّكُم. وَقَدْ دَلَلْنَا فِيْمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى العِبَادَةِ: الخُضُوْعُ للهِ بِالطَّاعَةِ).
(٤) قَالَ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي التَّفْسِيْرِ (٥٨/ ٢٠): (يَقُوْلُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ سَأَلْتَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ المُشْرِكِيْنَ بِاللهِ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَسَوّاهُنَّ؟ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لِعِبَادِهِ؛ يَجْرِيَانِ دَائِبِيْنِ لِمَصَالِحِ خَلْقِ اللهِ؟ لَيَقُوْلُنَّ: الَّذِيْ خَلَقَ ذَلِكَ وَفَعَلَه اللهُ، (فَأنَّى يُؤْفَكُوْنَ) يَقُوْلُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَأَنَّى يُصْرَفُوْنَ عَمَّنَ صَنَعَ ذَلِكَ، فَيَعْدِلُوْنَ عَنْ إِخْلَاصِ العِبَادَةِ لَهُ).
1 / 4
- أَنْوَاعُ النِّفَاقِ:
١) النِّفَاقُ الاعْتِقَادِيُّ: وَهُوَ النِّفَاقُ الأَكْبَرُ الَّذِي يُظْهِرُ فِيْهِ صَاحِبُهُ الإِسْلَامَ وَيُبْطِنُ الكُفْرَ، وَهَذَا النَّوْعُ مُخْرِجٌ مِنَ الدِّيْنِ بِالكُلِّيَّةِ. (١)
٢) النِّفَاقُ العَمَلِيُّ: وَهُوَ عَمَلُ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ المُنَافِقِيْنَ مَعَ بَقَاءِ الإِيْمَانِ فِي القَلْبِ، وَهَذَا لَا يُخْرِجُ مِنَ المِلَّةِ، لَكِنَّهُ وَسِيْلَةٌ إِلَى ذَلِكَ، وَصَاحِبُهُ يَكُوْنُ فِيْهِ إِيْمَانٌ وَنِفَاقٌ، وَإِذَا كَثُرَ صَارَ بِسَبَبِهِ مُنَافِقًا خَالِصًا (٢)، وَالدَّلِيْلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﷺ: (أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيْهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ؛ كَانَتْ فِيْهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا ائْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (٣)
- أَنْوَاعُ الكُفْرِ: قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ ﵀ (٤):
(أَنْوَاعُ الكُفْرِ: كُفْرٌ أَكْبَرٌ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ، وَكُفْرٌ أَصْغَرٌ، وَهُوَ الكُفْرُ العَمَلِيُّ.
وَالكُفْرُ الأَكْبَرُ أَنْوَاعُهُ:
١) كُفْرُ التَّكْذِيْبِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِيْنَ﴾ (العَنْكَبُوْت:٦٨).
٢) كُفْرُ الإبَاءِ وَالاسْتِكْبَارِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيْسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِيْنَ﴾ (البَقَرَة:٣٤).
٣) كُفْرُ الظَّنِّ (الشَّكِّ)، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيْدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِيْ خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ (الكَهْف:٣٨).
٤) كُفْرُ الإِعْرَاضِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِيْنَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُوْنَ﴾ (الأَحْقَاف:٣).
٥) كفرُ النِّفاقِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوْبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُوْنَ﴾ (المُنَافِقُوْن:٣).
وَالكُفْرُ الأَصْغَرُ: هُوَ كُفْرٌ لَا يُخْرِجُ عَنِ المِلَّةِ، وَهُوَ الكُفْرُ العَمَلِيُّ، وَهُوَ فِعْلُ الذُّنُوْبِ الَّتِيْ وَرَدَتْ تَسْمِيَتُهَا فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كُفْرًا وَلَا تَصِلُ إِلَى حَدِّ الكُفْرِ الأَكْبَرِ (٥)، مِثْلُ كُفْرِ النِّعْمَةِ المَذْكُوْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيْهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ﴾ (النَّحْل:١١٢».
_________
(١) قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ ﵀:
(وَهَذَا النِّفَاقُ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ، وَهِيَ:
تَكْذِيْبُ الرَّسُوْلِ ﷺ، أَوْ تَكْذِيْبُ بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُوْلُ ﷺ.
أَوْ بُغْضُ الرَّسُوْلِ ﷺ، أَوْ بُغْضُ بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُوْلُ ﷺ.
أَوِ المَسَرَّةُ بِانْخِفَاضِ دِيْنِ الرَّسُوْلِ ﷺ، أَوِ الكَرَاهِيَةُ لِانْتِصَارِ دِيْنِ الرَّسُوْلِ ﷺ. مَجْمُوْعَةُ التَّوْحِيْدِ النَّجْدِيَّةِ (ص١١).
(٢) قَالَ ابْنُ القَيِّمِ ﵀ فِي كِتَابِهِ (الصَّلَاةُ وَحُكْمُ تَارِكِهَا) (ص٦٠): (وَلَكِنْ إِذَا اسْتَحْكَمَ وكَمُلَ فَقَدْ يَنْسَلِخُ صَاحِبُهُ عَنِ الإِسْلَامِ بِالكُلِّيَّةِ - وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ -، فَإِنَّ الإِيْمَانَ يَنْهَى المُؤْمِنَ عَنْ هَذِهِ الخِلَالِ، فَإِذَا كَمُلَتْ فِي العَبْدِ؛ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَنْهَاهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا؛ فَهَذَا لَا يَكُوْنُ إِلَّا مُنَافِقًا خَالِصًا).
وَقَالَ النَّوَوِيُّ ﵀ فِي شَرْحِهِ عَلَى صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (٤٧/ ٢): (فَالَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ - وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ - أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ خِصَالُ نِفَاقٍ وَصَاحِبُهَا شَبِيهٌ بالمنافقين فِي هَذِهِ الْخِصَالِ وَمُتَخَلِّقٌ بِأَخْلَاقِهِمْ، فَإِنَّ النِّفَاقَ هُوَ إِظْهَارُ مَا يُبْطِنُ خِلَافَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي صَاحِبِ هَذِهِ الْخِصَالِ، وَيَكُونُ نِفَاقُهُ فِي حَقِّ مَنْ حَدَّثَهُ وَوَعَدَهُ وَائْتَمَنَهُ وَخَاصَمَهُ وَعَاهَدَهُ مِنَ النَّاسِ؛ لَا أَنَّهُ مُنَافِقٌ فِي الْإِسْلَامِ فَيُظْهِرُهُ وَهُوَ يُبْطِنُ الْكُفْرَ! وَلَمْ يُرِدِ النَّبِيُّ ﷺ بِهَذَا أَنَّهُ مُنَافِقٌ نِفَاقَ الْكُفَّارِ الْمُخَلَّدِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَقَوْلُهُ ﷺ (كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا) مَعْنَاهُ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِالْمُنَافِقِينَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْخِصَالِ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَهَذَا فِيمَنْ كَانَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ غَالِبَةً عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ يَنْدُرُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ، فَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ﵁ مَعْنَاهُ عَنِ الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا فَقَالَ إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ نِفَاقُ الْعَمَلِ).
قُلْتُ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ القَيِّمِ وَبَيْنَ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جُمْلَةِ العُلَمَاءِ ﵏، وَذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَ القَيِّمِ ﵀ قَيَّدَهُ بِـ (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَنْهَاهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا)، فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ فَهُوَ لَمْ يَنْقَدْ لِلإسلَامِ أَصْلًا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَوْجِيْهِ ابْنِ القَيِّمِ هَذَا وَلَا بُدَّ؛ وَذَلِكَ لِصَرَاحَةِ الحَدِيْثِ فِي قَوْلِهِ «مُنَافِقًا خَالِصًا»، وَإِلَّا فَمَا وَجْهُ ذِكْرِ الخُلُوْصِ هُنَا؟؟
(٣) البُخَارِيُّ (٣٤)، وَمُسْلِمٌ (٥٨) مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَمْرو مَرْفُوْعًا.
(٤) مَجْمُوْعَةُ التَّوْحِيْدِ (ص١٠) بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ.
(٥) كَمَا فِي الحَدِيْثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مَرْفُوْعًا (سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقُ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٨)، وَمُسْلِمٌ (٦٤).
1 / 5
- طَرِيْقَةُ اسْتِدْلَالِ المُصَنِّفِ ﵀ فِي كِتَابِ التَّوْحِيْدِ تَجْرِي وَفْقَ ثَلَاثَةِ أَشْكَالٍ:
١) الاسْتِدْلَالُ بِالنَّصِّ العَامِّ عَلَى مَنْعِ الشِّرْك فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى، ثُمَّ إِيْرَادُ الدَّلِيْلِ الشَّرْعِيِّ الخَاصِّ عَلَى أَنَّ عَمَلًا مَا هُوَ عِبَادَةٌ للهِ تَعَالَى.
كَمِثْلِ بَابِ (مِنَ الشِّرْكِ النَّذْرُ لِغَيْرِ اللهِ)؛ فَقَدْ أَوْرَدَ فِيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿يُوْفُوْنَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُوْنَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيْرًا﴾ (الإِنْسَان:٧)، ثُمَّ قَالَ فِي مَسَائِلِ البَابِ (إِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ عِبَادَةً للَّهِ؛ فَصَرْفُهُ إِلَى غَيْرِهِ شِرْكٌ)، فَالاسْتِدْلَالُ حَصَلَ بِبَيَانِ أَنَّ النَّذْرَ عِبَادَةٌ للهِ تَعَالَى؛ وَقَدْ أَسْلَفَ فِي البَابِ الأَوَّلِ مَجْمُوْعَةً مِنَ الأَدِلَّةِ عَلَى وُجُوْبِ إِفْرَادِ اللهِ تَعَالَى بِالعِبَادَةِ وَمَنْعِ الشِّرْكِ فِيْهَا؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ (النِّسَاء:٣٦). فَيَكُوْنُ الدَّلِيْلُ مُرَكَّبًا مِنْ دَلِيْلَيْنِ.
٢) الاسْتِدْلَالُ بِالنَّصِّ الخَاصِّ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ الفُلَانِيَّ شِرْكٌ أَوْ مِنَ الكَبَائِرِ، كَمَا فِي بَابِ (مِنَ الشِّرْكِ لُبْسُ الحَلْقَةِ وَالخَيْطِ وَنَحْوِهِمَا لِرَفْعِ البَلَاءِ أَوْ دَفْعِهِ)، وَقَدْ أَوْرَدَ فِيْهِ حَدِيْثَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ﵁؛ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيْمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ). (١)
٣) الاسْتِدْلَالُ بِأَنَّ العَمَلَ المَذْكُوْرَ هُوَ مِنْ أَعْمَالِ المُشْرِكِيْنَ، فَصَارَ اجْتِنَابُهُ مِنَ التَّوْحِيْدِ، كَمَا فِي بَابِ (مِنَ الشِّرْكِ الاسْتِعَاذَةُ بِغَيْرِ اللهِ) فَقَدْ أَوْرَدَ فِيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوْذُوْنَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ فَزَادُوْهُمْ رَهَقًا﴾ (الجِنّ:٦)، وَمَوْضِعُ الاسْتِدْلَالِ هُوَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ مِنَ الإِنْسِ كَانُوا يَعُوْذُوْنَ بِالجِنِّ؛ وَأَنَّ الجِنَّ المُسْلِمَ ذَكَرَ مَا كَانَ يَحْصُلُ عِنْدَهُم فِي الجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ أَنَّ يَسْمَعُوا القُرْآنَ.
- قُلْتُ: إِنَّ أَبْوَابَ كِتَابِ التَّوْحِيْدِ لِلشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ ﵀ تَنْقَسِمُ إِلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ - إِجْمَالًا - (٢)، وَذَلِكَ تَسْهِيْلًا لِلتَّعْلِيْمِ. وَهِيَ:
القِسْمُ الأَوَّلُ) مِنَ البَابِ (رَقَم ١) إِلَى البَابِ (رَقَم ٦): مُقَدِمَةٌ فِي التَّوْحِيْدِ عَلَى التَّرْتِيْبِ التَّالِي:
البَابُ (رَقَم ١) فِيْهِ بَيَانُ أَنَّ للهِ تَعَالَى حَقًّا عَلَيْكَ.
البَابُ (رَقَم ٢) فِيْهِ التَّرْغِيْبُ فِي التَّوْحِيْدِ بِكَوْنِ هَذَا الحَقِّ المَذْكُوْرِ فِيْهِ لَيْسَ مُجَرَّدًا، بَلْ فِيْهِ فَضْلٌ يَعُوْدُ عَلَيْكَ.
البَابُ (رَقَم ٣) فِيْهِ تَمَامُ التَّرْغِيْبِ فِي التَّوْحِيْدِ؛ بِأَنَّ مِنْ جَاءَ بِهِ كَامِلًا نَجَا مِنَ الحِسَابِ وَالعَذَابِ.
البَابُ (رَقَم ٤) فِيْهِ التَّرْهِيْبُ مِنْ تَرْكِ التَّوْحِيْدِ؛ بِأَنَّ الشِّرْكَ لَا يُغْفَرُ.
البَابُ (رَقَم ٥) أَنَّكَ إِذَا عَلِمْتَ هَذَا الخَيْرَ فَلَا تَقْتَصِرْ فِيْهِ عَلَى نَفْسِكَ؛ بَلِ ادْعُ النَّاسَ إِلَيْهِ.
البَابُ (رَقَم ٦) أَنَّكَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَدْعُوَ إِلَيْهِ فَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ، وَقَالَ المُصَنِّفُ ﵀ فِي آخِرِ هَذَا البَابِ (وَشَرْحُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مَا بَعْدَهَا مِنَ الأَبْوَابِ).
القِسْمُ الثَّانِي) مِنَ البَابِ (رَقَم ٧) إِلَى البَابِ (رَقَم ١٨): أَبْوَابُ الشِّرْكِ الجَلِيِّ.
القِسْمُ الثَّالِثُ) مِنَ البَابِ (رَقَم ١٩) إِلَى (رَقَم ٢٣): أَبْوَابُ شِرْكِ القُبُوْرِ وَذَرَائِعِهَا.
القِسْمُ الرَّابِعُ) مِنَ البَابِ (رَقَم ٢٤) إِلَى بَابِ (رَقَم ٣٠): أَبْوَابُ السَّحْرِ.
القِسْمُ الخَامِسُ) مِنَ البَابِ (رَقَم ٣١) إِلَى (رَقَم ٣٩): أَبْوَابُ أَعْمَالِ القُلُوْبِ.
القِسْمُ السَّادِسُ) البَابِ (رَقَم ٤٠) وَ(رَقَم ٥١) وَ(رَقَم ٦٧): فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
القِسْمُ السَّابِعُ) الأَبْوَابُ البَاقِيَةُ مِنَ البَابِ (رَقَم ٤١) إِلَى بَابِ (رَقَم ٦٦) عَدَا بَابِ (رَقَم ٥١): فِي بَيَانِ مُكَمِّلَاتِ التَّوْحِيْدِ.
_________
(١) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (١٧٤٢٢). الصَّحِيْحَةُ (٤٩٢).
(٢) وُفْقَ مَا ظَهَرَ لِي، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
1 / 6
بَابُ حَقِّ اللهِ عَلَى العَبِيْدِ
كِتَابُ التَّوْحِيْدِ وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوْنِ﴾ (الذَّارِيَات:٥٦).
وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُوْلًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوْتَ﴾ (النَّحْل:٣٦) الآيَة.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (الإِسْرَاء:٢٣) الآيَة.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ (النِّسَاء:٣٦) الآيَات.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (الأَنْعَام:١٥١) الآيَات.
قَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ ﵁: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَصِيَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ الَّتِيْ عَلَيْهَا خَاتَمُهُ؛ فَلْيَقْرَأْ قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيْمًا﴾ (الأَنْعَام:١٥٣) الآيَة. (١)
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ﵁؛ قَالَ: كُنْتُ رَدِيْفَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى حِمَارٍ؛ فَقَالَ لِي: (يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ؟) قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوْهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لَا يُعَذّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا). قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: (لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا). أَخْرَجَاهُ. (٢)
فِيْهِ مَسَائِلُ:
الأُوْلَى: الحِكْمَةُ فِي خَلْقِ الجِنِّ وَالإِنْسِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ العِبَادَةَ هِيَ التَّوْحِيْدُ، لِأَنَّ الخُصُوْمَةَ فِيْهِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ لَمْ يَعْبُدِ اللهَ، فَفِيْهِ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُوْنَ مَا أَعْبُدُ﴾ (الكَافِرُوْن:٣).
الرَّابِعَةُ: الحِكْمَةُ فِي إِرْسَالِ الرُّسُلِ.
الخَامِسَةُ: أَنَّ الرِّسَالَةَ عَمَّتْ كُلَّ أُمَّةٍ.
السَّادِسَةُ: أَنَّ دِيْنَ الأَنْبِيَاءِ وَاحِدٌ.
السَّابِعَةُ: المَسْأَلَةُ الكَبِيْرَةُ؛ أَنَّ عِبَادَةَ اللهِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالكُفْرِ بِالطَّاغُوْتِ، فَفِيْهِ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوْتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ﴾ (البَقَرَة:٢٥٦).
الثَّامِنَةُ: أَنَّ الطَّاغُوْتَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا عُبِدَ مِنْ دُوْنِ اللهِ.
التَّاسِعَةُ: عِظَمُ شَأْنِ الثَّلَاثِ آيَاتٍ المُحْكَمَاتِ فِي سُوْرَةِ الأَنْعَامِ عِنْدَ السَّلَفِ، وَفِيْهَا عَشْرُ مَسَائِلَ أَوَّلُهَا النَّهْيُ عَنْ الشِّرْكِ.
العَاشِرَةُ: الآيَاتُ المُحْكَمَاتُ فِي سُوْرَةِ الإِسْرَاءِ وَفِيْهَا ثَمَانِي عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، بَدَأَهَا اللهُ بِقَوْلِهِ ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوْمًا مَخْذُوْلًا﴾ (الإِسْرَاء:٢٢) وَخَتَمَهَا بِقَوْلِهِ ﴿وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا﴾ (الإِسْرَاء:٣٩)، وَنَبَّهَنَا اللهُ سُبْحَانَهُ عَلَى عِظَمِ شَأْنِ هَذِهِ المَسَائِلِ بِقَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحِكْمَةِ﴾ (الإِسْرَاء:٣٩).
الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: آيَةُ سُوْرَةِ النِّسَاءِ الَّتِيْ تُسَمَّى آيَةَ الحُقُوقِ العَشْرَةِ، بَدَأَهَا اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ (النِّسَاء:٣٦).
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: التَّنْبِيْهُ عَلَى وَصِيَّةِ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ عِنْدَ مَوْتِهِ.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: مَعْرِفَةُ حَقِّ اللهِ عَلَيْنَا.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: مَعْرِفَةُ حَقِّ العِبَادِ عَلَيْهِ إِذَا أَدَّوْا حَقَّهُ.
الخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ هَذِهِ المَسْأَلَةَ لَا يَعْرِفُهَا أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ.
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: جَوَازُ كِتْمَانِ العِلْمِ لِلْمَصْلَحَةِ.
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: اسْتِحْبَابُ بِشَارَةِ المُسْلِمِ بِمَا يَسُرُّهُ.
الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: الخَوْفُ مِنَ الِاتِّكَالِ عَلَى سَعَةِ رَحْمَةِ اللهِ.
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُ المَسْئُولِ عَمَّا لَا يَعْلَمُ (اَللَّهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ).
العِشْرُوْنَ: جَوَازُ تَخْصِيْصِ بَعْضِ النَّاسِ بِالعِلْمِ دُوْنَ بَعْضٍ.
الحَادِيَةُ وَالعِشْرُوْنَ: تَوَاضُعُهُ ﷺ لِرُكُوبِ الحِمَارِ مَعَ الإِرْدَافِ عَلَيْهِ.
الثَّانِيَةُ وَالعِشْرُوْنَ: جَوَازُ الإِرْدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ.
الثَّالِثَةُ وَالعِشْرُوْنَ: عِظَمُ شَأْنِ هَذِهِ المَسْأَلَةِ.
الرَّابِعَةُ وَالعِشْرُوْنَ: فَضِيْلَةُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ.
_________
(١) ضَعِيْفٌ. التِّرْمِذِيُّ (٣٠٧٠). ضَعِيْفُ التِّرْمِذِيِّ (٣٠٧٠).
(٢) البُخَارِيُّ (٢٨٥٦)، وَمُسْلِمٌ (٣٠).
1 / 7
الشَّرْحُ
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوْنِ﴾: اللَّامُ هُنَا لِلتَّعْلِيْلِ، فَفِيْهَا بَيَانُ سَبَبِ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى لِلجِنِّ وَالإِنْسِ.
- مَعْنَى (يَعْبُدُوْنَ) هُنَا أَيْ: يُوَحِّدُوَن (١)، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ المُشْرِكِيْنَ كَانُوا يَعْبُدُوْنَ اللهَ تَعَالَى وَكَانُوا يَعْبُدُوْنَ مَعَهُ غَيْرَهُ، فَلَمَّا أُمِروا بِالعِبَادَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُم لَمْ يَكُوْنُوا عَلَى عِبَادَةٍ مَرْضِيَّةٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى.
فَكُلُّ عِبَادَةٍ فِيْهَا شِرْكٌ لَا تَكُوْنُ مَقْبُوْلَةً عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، كَمَا فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا؛ قَالَ اللهُ ﵎: (أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ؛ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيْهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ). (٢)
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوْنِ﴾: فِيْهِ أُسْلُوْبُ الحَصْرِ، فَإِنَّ الاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ النَّفْي يُفِيْدُ الحَصْرَ، وَالمَعْنَى: خُلِقَتْ الجِنُّ وَالإِنْسُ لِغَايَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ العِبَادَةُ للهِ وَحْدَهُ دُوْنَ مَا سِوَاهُ.
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُوْلًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوْتَ﴾: أَوْرَدَ المُصَنِّفُ ﵀ هَذِهِ الآيَةَ لِبَيَانِ مَعْنَى العِبَادَةِ فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ؛ وَأَنَّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ الرُّسُلُ هُوَ التَّوْحِيْدُ، وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَمَعْنَاهَا نَفْيُ الأُلُوْهِيَّةِ الحَقِّ عَنْ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى؛ وَإِثْبَاتُهَا للهِ وَحْدَهُ، وَالنَّفْيُ فِي هَذِهِ الآيَةِ مُضمَّنٌ فِي الأَمْرِ بِاجْتِنَابِ الطَّاغُوْتِ، وَالإِثْبَاتُ مُضمَّنٌ فِي الأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى.
- الطَّاغُوْتُ مَأْخُوْذٌ مِنَ الطُّغْيَانِ، وَهُوَ كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بِهِ العَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُوْدٍ أَوْ مَتْبُوْعٍ أَوْ مُطَاعٍ. (٣)
- الطَّوَاغِيْتُ كَثِيْرَةٌ وَرُؤُوْسُهَا خَمْسَةٌ: (٤)
١) الشَّيْطَانُ الدَّاعِي إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ﴾ (يَس:٦٠)، وَالشَّيْطَانُ هُوَ الَّذِيْ زَيَّنَ مَعْصِيَةَ اللهِ تَعَالَى، وَزَيَّنَ طَاعَةَ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى. (٥)
٢) الحَاكِمُ الجَائِرُ المُغيِّرُ لِأَحْكَامِ اللهِ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِيْنَ يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوْتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيْدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ (النِّسَاء:٦٠).
٣) الَّذِيْ يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُوْنَ﴾ (المَائِدَة:٤٤). (٦)
٤) الَّذِيْ يَدَّعِي عِلْمَ الغَيْبِ مِنْ دُوْنِ اللهِ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُوْلٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ (الجِنّ:٢٦). (٧)
٥) الَّذِيْ يُعْبَدُ مِنْ دُوْنِ اللهِ وَهُوَ رَاضٍ بِهَذِهِ العِبَادَةِ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُوْنِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِيْنَ﴾ (الأَنْبِيَاء:٢٩).
_________
(١) وَقَدْ سَلَفَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّفْسِيْرِ.
وَفِي البُخَارِيِّ (١٣٩/ ٦) - كِتَابُ التَّفْسِيْرِ - سُوْرَةُ الذَّارِيَاتِ - ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوْنِ﴾: مَا خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الفَرِيْقَيْنِ إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ. وَالفَرِيْقَانِ هُمُ الجِنُّ وَالإِنْسُ.
(٢) مُسْلِمٌ (٢٩٨٥).
(٣) (إِعْلَامُ المُوَقِّعِيْنَ) (٤٠/ ١) لِابْنِ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
(٤) قَالَهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ ﵀، اُنْظُرْ مَجْمُوْعَةَ التَّوْحِيْدِ النَّجْدِيَّةِ (ص١٦٠).
(٥) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (٥٠٩/ ١): (وَلَعَلَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ المُرَادَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى التَّوْحِيْدِ؛ إِنَّمَا أَرَادَ التَّوْحِيْدَ الكَامِلَ الَّذِيْ يُحَرِّمُ صَاحِبَهُ عَلَى النَّارِ، وَهُوَ تَحْقِيقُ مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ الإِلَهَ هُوَ المَعْبُودُ الَّذِيْ يُطَاعُ؛ فَلَا يُعْصَى خَشْيَةً وَإِجْلَالًا وَمَهَابَةً وَمَحَبَّةً وَرَجَاءً وَتَوَكُّلًا وَدُعَاءً، وَالمَعَاصِي كُلُّهَا قَادِحَةٌ فِي هَذَا التَّوْحِيْدِ لِأَنَّهَا إِجَابَةٌ لِدَاعِي الهَوَى وَهُوَ الشَّيْطَانُ، قَالَ اللهُ ﷿ ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ (الجَاثِيَة:٢٣) قَالَ الحَسَنُ وَغَيْرُهُ: هُوَ الَّذِيْ لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا رَكِبَهُ، فَهَذَا يُنَافِي الِاسْتِقَامَةَ عَلَى التَّوْحِيْدِ).
(٦) وَهُوَ بِقَيدِ الاسْتِحْلَالِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: (مَنْ جَحَدَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَحْكُمْ؛ فَهُوَ ظَالِمٌ فَاسِقٌ). تَفْسِيْرُ الطَّبَرِيِّ (٣٥٧/ ١٠).
وَقَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ فِي الصَّحِيْحَةِ (٢٥٥٢): (جَيِّدٌ فِي الشَّوَاهِدِ).
(٧) (قَالَ جَابِرٌ: كَانَتِ الطَّوَاغِيْتُ الَّتِيْ يَتَحَاكَمُوْنَ إِلَيْهَا؛ فِي جُهَيْنَةَ وَاحِدٌ وَفِي أَسْلَمَ وَاحِدٌ وَفِي كُلِّ حَيٍّ وَاحِدٌ؛ كُهَّانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٥/ ٦) تَعْلِيْقًا، وَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيْقِ وَهَبِ بْنِ مُنَبِّه. انْظُرْ كِتَابَ (فَتْحُ البَارِي) (٢٥٢/ ٨) لِلحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ ﵀.
1 / 8
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾: هَذَا مَعْنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) بِالمُطَابَقَةِ؛ يَعْنِي أُحْصُرُوا العِبَادَةَ فِيْهِ وَحْدَهُ دُوْنَ مَا سِوَاهُ.
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾: هَذِهِ أَيْضًا فِيْهَا إِثْبَاتٌ وَنَفْيٌ، فَالأَمْرُ هُوَ أَنْ يُعْبَدَ اللهُ تَعَالَى وَحْدَهُ دُوْنَ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنَّ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي قَوَاعِدِ اللُّغَةِ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْي تُفِيْدُ العُمُوْمَ، أَيْ أَنَّ كَلِمَةَ (شَيْئًا) جَاءَتْ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ النَّفْي (لَا تُشْرِكُوا) فَصَارَ المَعْنَى: النَّهْيُ عَنْ أَيِّ شِرْكٍ مَهْمَا كَانَ صَغِيْرًا أَوْ كَبِيْرًا.
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾: فِيْهِ بَيَانُ أَوَّلِ المُحَرَّمَاتِ وَهُوَ الشِّرْكُ بِاللهِ تَعَالَى، ثُمَّ اخْتَتَمَ الآيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُوْنَ﴾ فَصَارَ فِيْهِ بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ وَصِيَّةُ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الوَصِيَّةَ بِأَمْرٍ مَا تَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّتِهِ.
- فِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ ﵁ (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَصِيَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ إِرْشَادٌ إِلَى أَنَّ آخِرَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ حَيَاةُ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ وَصَّى بِهَذِهِ الأُمُوْرِ، وَأَوَّلُهَا وَأَهَمُّهَا التَّوْحِيْدُ. (١)
وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ البَابِ بَيَانُ أَنَّ أَوَّلَ دَعْوَةِ الرُّسُلِ كَانَ الإِرْشَادُ إِلَى التَّوْحِيْدِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّوْحِيْدَ هُوَ أَصْلُ الشَّرَائِعِ وَأَعْظَمُهَا. (٢)
- فِي حَدِيْثِ مُعَاذٍ بَيَانُ أَنَّ للهِ تَعَالَى حَقًّا عَلَى العِبَادِ وَهُوَ التَّوْحِيْدُ، مِمَّا يَسْتَدْعِي الوَفَاءَ بِهِ للهِ تَعَالَى؛ وَأَنْ يُنْشَرَ بَيْنَ النَّاسِ وَيُرْشَدُوا إِلَيْهِ.
- فِي حَدِيْثِ مُعَاذٍ بَيَانُ أَنَّ لِلعِبَادِ حَقًّا عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَهُم الجَنَّةَ وَلَا يُعَذِّبَهُم إِذَا لَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ مَقْرُوْنٌ بِعَدَمِ الشِّرْكِ لَا الأَكْبَرِ وَلَا الأَصْغَرِ، وَإِنَّ الإِصْرَارَ عَلَى المَعَاصِي قَادِحٌ فِي كَمَالِ التَّوْحِيْدِ وَتَمَامِ النَّجَاةِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّوْبَةِ بَعْدَ كُلِّ صَغِيْرَةٍ وَكَبِيْرَةٍ.
- قَوْلُهُ (فَيَتَّكِلُوا): أَيْ: يَتَّكِلوا عَلَى مُجَرَّدِ التَّوْحِيْدِ؛ فَلَا يَتَنَافَسُوْنَ فِي الأَعْمَالِ؛ فَيَخْسَرُوْنَ بِذَلِكَ الدَّرَجَاتِ الرَّفِيْعَةَ فِي الجَنَّةِ - جَعَلَنَا اللهُ مِنْ أَهْلِهَا -.
_________
(١) وَكَمَا فِي وَصِيَّةِ يَعْقُوْبَ ﵊ ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوْبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُوْنَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيْمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (البَقَرَة:١٣٣).
(٢) وَيَزِيْدُ ذَلِكَ بَيَانًا قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ دَعْوَةِ الرُّسُلِ لِأَقْوَامِهِم:
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (الأَعْرَاف:٥٩)،
﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (الأَعْرَاف:٦٥)،
﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (الأَعْرَاف:٧٣)،
﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (الأَعْرَاف:٨٥).
1 / 9
مَسَائِلُ عَلَى البَابِ
- مَسْأَلَةٌ) كَيْفَ يَكُوْنُ لِلْعِبَادِ حَقٌّ عَلَى اللهِ تَعَالَى؛ وَهُوَ الَّذِيْ أَوْجَدَهُم؟
الجَوَابُ مِنْ جِهَتَيْنِ:
١) أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِيْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ الحَقَّ وَلَمْ يُوْجِبْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ. (١)
٢) أَنَّ هَذَا الحَقَّ هُوَ حَقُّ تَفَضُّلٍ، وَلَيْسَ حَقَّ مُقَابَلَةٍ (٢)، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ جَزَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ ﴿جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا﴾ (النَّبَأ:٣٦)، فَجَزَاهُمُ اللهُ تَعَالَى الأَجْرَ الكَثِيْرَ عَلَى العَمَلِ القَلِيْلِ. (٣)
_________
(١) وَفِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ (٧٤٠٤) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ قَالَ: (لَمَّا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ - وَهُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى العَرْشِ - إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي).
وَمِثْلُهُ حَدِيْثُ أَبِي ذَرٍّ المَرْفُوْعُ القُدُسِيُّ فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي). مُسْلِمٌ (٢٥٧٧).
وكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيْهِ الَّذِيْنَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُوْنَ) (الأَنْعَام:١٢).
(٢) وَاسْتِحْقَاقُ المُقَابَلَةِ هُوَ كَإِعْطَاءِ أُجْرَةِ الأَجِيْرِ المُسَاوِيَةِ لِقِيْمَةِ عَمَلِهِ، أَمَّا لَوْ جُعِلَ لِلأَجِيْرِ أَلْفُ ضِعْفٍ - مَثَلًا - مِنْ أُجْرَةِ يَوْمٍ وَاحِدٍ لِقَاءَ عَمَلِ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَهُوَ اسْتِحْقَاقُ تَفَضُّلٍ.
(٣) وَفِي البُخَارِيِّ (٦٤٦٣)، وَمُسْلِمٍ (٢٨١٦) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا «لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ)، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: (وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ بِرَحْمَةٍ».
1 / 10
بَابُ فَضْلِ التَّوْحِيْدِ وَمَا يُكَفَّرُ مِنَ الذُّنُوْبِ
وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى ﴿الَّذِيْنَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيْمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُوْنَ﴾ (الأَنْعَام:٨٢).
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ﵁؛ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ: (مَنْ شِهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَأَنَّ عِيْسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُوْلُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوْحٌ مِنْهُ؛ وَالجَنَّةَ حَقٌّ؛ وَالنَّارَ حَقٌّ؛ أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ) أَخْرَجَاهُ. (١)
وَلَهُمَا فِي حَدِيْثِ عِتْبَان: (فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ -). (٢)
وَعَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ ﵁؛ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ؛ قَالَ: (قَالَ مُوْسَى: يَا رَبِّ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرُكَ وَأَدْعُوْكَ بِهِ. قَالَ: (قُلْ يَا مُوْسَى: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)، قَالَ: كُلُّ عِبَادِكَ يَقُوْلُوْنَ هَذَا؟ قَالَ: (يَا مُوْسَى! لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي؛ وَالأَرَضِيْنَ السَّبْعَ فِي كِفَّةٍ؛ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ؛ مَالَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ). رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَه. (٣)
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَنَسٍ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ يَقُوْلُ: (قالَ اللهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا؛ ثُمَّ لَقِيْتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا؛ لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً). (٤)
فِيْهِ مَسَائِلُ:
الأُوْلَى: سَعَةُ فَضْلِ اللهِ.
الثَّانِيَةُ: كَثْرَةُ ثَوَابِ التَّوْحِيْدِ عِنْدَ اللهِ.
الثَّالِثَةُ: تَكْفِيْرُهُ مَعَ ذَلِكَ لِلذُّنُوبِ.
الرَّابِعَةُ: تَفْسِيْرُ الآيَةِ الَّتِيْ فِي سُوْرَةِ الأَنْعَامِ.
الخَامِسَةُ: تَأَمَّلِ الخَمْسَ اللَّوَاتِي فِي حَدِيْثِ عُبَادَةَ.
السَّادِسَةُ: أَنَّكَ إِذَا جَمَعْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيْثِ عِتْبَانَ وَمَا بَعْدَهُ تَبَيَّنَ لَكَ مَعْنَى قَوْلِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)، وَتَبَيَّنَ لَكَ خَطَأَ المَغْرُوْرِيْنَ.
السَّابِعَةُ: التَّنْبِيْهُ لِلشَّرْطِ الَّذِيْ فِي حَدِيْثِ عِتْبَانَ.
الثَّامِنَةُ: كَوْنُ الأَنْبِيَاءِ يَحْتَاجُوْنَ لِلتَّنْبِيْهِ عَلَى فَضْلِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ).
التَّاسِعَةُ: التَّنْبِيْهُ لِرُجْحَانِهَا بِجَمِيعِ المَخْلُوْقَاتِ؛ مَعَ أَنَّ كَثِيْرًا مِمَّنْ يَقُوْلُهَا يَخِفُّ مِيْزَانُهُ.
العَاشِرَةُ: النَّصُّ عَلَى أَنَّ الأَرَضِيْنَ سَبْعٌ كَالسَّمَوَاتِ.
الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ لَهُنَّ عُمَّارًا.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: إِثْبَاتُ الصَّفَاتِ - خِلَافًا لِلْأَشْعَرِيَّةِ -.
الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ: أَنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ حَدِيْثَ أَنَسٍ، عَرَفْتَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيْثِ عِتْبَانَ (فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ -) أَنَّ تَرْكَ الشِّرْكِ، لَيْسَ قَوْلًا بِاللِّسَانِ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: تَأَمَّلِ الجَمْعَ بَيْنَ كَوْنِ عِيْسَى وَمُحَمَّدٍ عَبْدَيِ اللِه وَرَسُوْلَيْهِ.
الخَامِسَةَ عَشْرَةَ: مَعْرِفَةُ اخْتِصَاصِ عِيْسَى بِكَوْنِهِ كَلِمَةَ اللهِ.
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: مَعْرِفَةُ كَوْنِهِ رُوْحًا مِنْهُ.
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: مَعْرِفَةُ فَضْلِ الإِيْمَانِ بِالجَنَّةِ وَالنَّارِ.
الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: مَعْرِفَةُ قَوْلِهِ (عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ).
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: مَعْرِفَةُ أَنَّ المِيْزَانَ لَهُ كِفَّتَانِ.
العِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ ذِكْرِ الوَجْهِ.
_________
(١) البُخَارِيُّ (٣٤٣٥)، وَمُسْلِمٌ (٢٨).
(٢) البُخَارِيُّ (٤٢٥)، وَمُسْلِمٌ (٣٣).
(٣) ضَعِيْفٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ مُتَكَلَّمٌ فِيْهَا. ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيْحِهِ (٦٢١٨)، وَالحَاكِمُ (١٩٣٦). ضَعِيْفُ التَّرْغِيْبِ وَالتَّرْهِيْبِ (٩٢٣).
(٤) صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٣٥٤٠). الصَّحِيْحَةُ (١٢٧).
1 / 11
الشَّرْحُ
- عَقَدَ المُصَنِّفُ ﵀ هَذَا البَابَ لِبَيَانِ أَنَّ الحَقَّ الوَارِدَ فِي البَابِ السَّابِقِ لَيْسَ حَقًّا مُجَرَّدًا بَلْ فِيْهِ فَضْلٌ يَعُوْدُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَهُوَ أَعْظَمُ الحَسَنَاتِ وَأَعْظَمُ الوَاجِبَاتِ، لِذَلِكَ فَهُوَ أَعْظَمُ الأَعْمَالِ تَكْفِيْرًا لِلذُّنُوْبِ، وَهُوَ رَأْسُ الأَعْمَالِ وَأَهَمُّهَا وَأَوْجَبُهَا.
وَفِي الحَدِيْثِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَوْصِنِي؟ قَالَ: (إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً؛ فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا)، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَمِنَ الحَسَنَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟ قَالَ: (هِيَ أَفْضَلُ الحَسَنَاتِ). (١)
- إِنَّ مِنْ فَضْلِ التَّوْحِيْدِ عَلَى العَبْدِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَحْفَظُهُ بِهِ مِنْ سُوْءِ العَمَلِ وَيُوَفِّقُهُ بِسَبَبِهِ لِتَرْكِ المَعَاصِي، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوْءَ وَالفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِيْنَ﴾ (يُوْسُف:٢٤)، وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ إِبْلِيْسُ الرَّجِيْمُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِيْنَ﴾ (ص:٨٣). (٢)
وَهَذَا الحِفْظُ أَيْضًا مَشْمُوْلٌ بِعُمُوْمِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوْعَظُوْنَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيْتًا﴾ (النِّسَاء:٦٦).
- وَإِنَّ مِنْ فَضْلِ التَّوْحِيْدِ أَيْضًا أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ التَّهْلِيْلَ وَالتَّكْبِيْرَ سِلَاحًا لِلنَّصْرِ، كَمَا فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ؛ قَالَ: (سَمِعْتُمْ بِمَدِيْنَةٍ؛ جَانِبٌ مِنْهَا فِي البَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي البَحْرِ؟) قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُوْلَ اللهِ، قَالَ: (لَا تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُوْنَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ، فَإِذَا جَاءُوْهَا نَزَلُوا، فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا - قَالَ ثَوْرٌ (بْنُ يَزِيْدَ؛ الرَّاوِي): لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ - الَّذِيْ فِي البَحْرِ، ثُمَّ يَقُوْلُوا الثَّانِيَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الآخَرُ، ثُمَّ يَقُوْلُوا الثَّالِثَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيُفَرَّجُ لَهُمْ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا (٣)، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُوْنَ المَغَانِمَ؛ إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيْخُ، فَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ، فَيَتْرُكُوْنَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُوْنَ). (٤)
- قَوْلُهُ (وَمَا يُكفِّرُ مِنَ الذُّنُوْبِ): أَيْ: وَتَكْفِيْرُهُ الذُّنُوْبَ.
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿الَّذِيْنَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيْمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُوْنَ﴾ (٥): الظُّلْمُ هُنَا هُوَ الشِّرْكُ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيْحَيْنِ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ ﵁؛ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿الَّذِيْنَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيْمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟! فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ: (لَيْسَ كَمَا تَظُنُّوْنَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيْمٌ﴾ (لُقْمَان:١٣». (٦)
وَالظُّلْمُ هُنَا فِي الحَدِيْثِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْي فَتَعُمُّ كُلَّ ظُلْمٍ، وَلَكِنَّ الحَدِيْثَ قَيَّدَهَا بِالشِّرْكِ، فَيَكُوْنُ العُمُوْمُ مَقْصُوْدًا بِهِ هُنَا عُمُوْمُ الشِّرْكُ.
وَفِي الحَدِيْثِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا (الظُّلْمُ ثَلَاثَةٌ: فَظُلْمٌ لَا يَتْرُكُهُ اللهُ، وَظُلْمٌ يُغْفَرُ، وَظُلْمٌ لَا يُغْفَرُ، فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِيْ لَا يُغْفَرُ فَالشِّرْكُ؛ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِيْ يُغْفَرُ؛ فَظُلْمُ العَبْدِ فِيْمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَأَمَّا الَّذِيْ لَا يُتْرَكُ؛ فَقَصُّ اللهِ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ). (٧)
- قَوْلُهُ ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُوْنَ﴾: أَيْ: أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ فِي الآخِرَةِ، وَهُمْ مُهْتَدُوْنَ فِي الدُّنْيَا. (٨)
- قَوْلُ (أَشْهَدُ): أَيْ: أُقِرُّ نَاطِقًا بِلِسَانِي. (٩)
- قَوْلُهُ (عَبْدُ اللهِ): رَدٌ عَلَى النَّصَارَى؛ حَيْثُ عَبَدُوا عِيْسَى ﵊.
وَقَوْلُهُ (وَرَسُوْلُهُ): رَدٌ عَلَى اليَهُوْدِ، حَيْثُ كَذَّبُوا بِنُبُوَّةِ عِيْسَى ﵊.
- قَوْلُهُ (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا): أَيْ: خُلِقَ بِكَلِمَةِ (كُنْ)، وَالإِضَافَةُ هُنَا لِلتَّشْرِيْفِ.
_________
(١) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (٢١٤٨٧). الصَّحِيْحَةُ (١٣٧٣).
(٢) وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُوْلَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيْلِ المُؤْمِنِيْنَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيْرًا﴾ (النِّسَاء:١١٥) بَيَانُ ذَلِكَ أَيْضًا.
قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (ص٢٠٢): (وَيَدُلُّ مَفْهُوْمُهَا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُشَاقِقِ الرَّسُوْلَ وَيَتَّبِعْ سَبِيْلَ المُؤْمِنِيْنَ؛ بِأَنْ كَانَ قَصْدُهُ وَجْهَ اللهِ وَاتِّبَاعَ رَسُوْلِهِ وَلُزُوْمَ جَمَاعَةِ المُسْلِمِيْنَ، ثُمَّ صَدَرَ مِنْهُ مِنَ الذُّنُوْبِ أَوِ الهَمِّ بِهَا مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ النُّفُوْسِ وَغَلَبَاتِ الطِّبَاعِ؛ فَإِنَّ اللهَ لَا يُوَلِّيْهِ نَفْسَهُ وَشَيْطَانَهُ، بَلْ يَتَدَارَكُهُ بِلُطْفِهِ، وَيَمُنُّ عَلَيْهِ بِحِفْظِهِ، وَيَعْصِمُهُ مِنَ السُّوْءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ يُوْسُفَ ﵇: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوْءَ وَالفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِيْنَ﴾ أَيْ: بِسَبَبِ إِخْلَاصِهِ صَرَفْنَا عَنْهُ السُّوْءَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مُخْلِصٍ؛ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عُمُوْمُ التَّعْلِيْلِ).
(٣) وَرَجَّحَ كَثِيْرٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّهَا القُسْطَنْطِيْنِيَةَ؛ وَأَنَّ فَتْحَهَا هَذَا لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعَ قِيَامِ السَّاعَةِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
(٤) مُسْلِمٌ (٢٩٢٠).
(٥) قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا﴾: أَيْ: لَمْ يَخْلِطُوا.
(٦) البُخَارِيُّ (٦٩٣٧)، وَمُسْلِمٌ (١٢٤).
(٧) حَسَنٌ. البَزَّارُ (١١٥/ ١٣)، وَالطَّيَالِسِيُّ (٢٢٢٣). الصَّحِيْحَةُ (١٩٢٧).
(٨) وَأَيْضًا هُمْ مُهْتَدُوْنَ إِلَى الجَنَّةِ فِي الآخِرَةِ.
(٩) قَالَ ابْنُ أَبِي العِزِّ الحَنَفِيُّ ﵀ فِي شَرْحِ العَقِيْدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ (ص٩٠):
(وَعِبَارَاتُ السَّلَفِ فِي (شَهِدَ) - تَدُوْرُ عَلَى الحُكْمِ وَالقَضَاءِ وَالإِعْلَامِ وَالبَيَانِ وَالإِخْبَارِ، وَهَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا حَقٌّ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهَا؛ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَتَضَمَّنُ كَلَامَ الشَّاهِدِ وَخَبَرَهُ، وَتَتَضَمَّنُ إِعْلَامَهُ وَإِخْبَارَهُ وَبَيَانَهُ.
فَلَهَا أَرْبَعُ مَرَاتِبَ:
فَأَوَّلُ مَرَاتِبِهَا: عِلْمٌ وَمَعْرِفَةٌ وَاعْتِقَادٌ لِصِحَّةِ المَشْهُودِ بِهِ وَثُبُوْتِهِ.
وَثَانِيْهَا: تَكَلُّمُهُ بِذَلِكَ - وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْ بِهِ غَيْرَهُ - بَلْ يَتَكَلَّمُ بِهَا مَعَ نَفْسِهِ وَيَتَذَكَّرُهَا وَيَنْطِقُ بِهَا أَوْ يَكْتُبُهَا.
وَثَالِثُهَا: أَنْ يُعْلِمَ غَيْرَهُ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ، وَيُخْبِرَهُ بِهِ، وَيُبَيِّنَهُ لَهُ.
وَرَابِعُهَا: أَنْ يُلْزِمَهُ بِمَضْمُونِهَا وَيَأْمُرَهُ بِهَا).
1 / 12
- قَوْلُهُ (وَرُوْحٌ مِنْهُ): أَيْ أنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ عِيْسَى ﵊ كَغَيْرِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ جَسَدٍ وَرُوْحٍ، لَكِنَّهُ أَضَافَ رُوْحَهُ إِلَيْهِ تَشْرِيْفًا لَهُ وَتَكْرِيْمًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي آدَمَ ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيْهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِيْنَ﴾ (الحِجْر:٢٩)، فَـ (مِنْ) هُنَا هِيَ لِلابْتِدَاءِ وَلَيْسَتْ لِلتَّبْعِيْضِ.
وَمَفَادُ الإِضَافَةِ هُنَا التَّشْرِيْفُ وَالتَّكْرِيْمُ وَرَدُّ عَلَى اليَهُوْدِ الَّذِيْنَ زَعَمُوا أَنَّهُ ابْنُ زِنَى، فَالتَّشْرِيْفُ فِي هَذَا المَقَامِ هُوَ تَطْهِيْرٌ لَهُ مِنْ زَعْمِهِم ذَلِكَ (١)، فَلَيْسَ فِيْهَا مُتَمَسَّكٌ لِلنَّصَارَى - الضَّالِّيْنَ - فِي زَعْمِهِم أَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى - وَالعِيَاذُ بِاللهِ -، بَلْ نَزِيْدُهُم إِفْحَامًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيْسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُوْنُ﴾ (آل عِمْرَان:٥٩). (٢)
- قَوْلُهُ (أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ): يَعْنِي عَلَى الَّذِيْ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ العَمَلِ - وَلَوْ كَانَ مقصِّرًا فِيْهِ وَعِنْدَهُ ذُنُوْبٌ وَعِصْيَانٌ -.
وَقَرِيْبٌ مِنْهُ حَدِيْثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا (لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ كانَ آخِرَ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - عِنْدَ المَوْتِ - دَخَلَ الجَنَّة يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ؛ وَإِنْ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ). (٣)
- قَوْلُهُ (حَرَّمَ عَلَى النَّارِ): إِنَّ التَحْرِيْمَ عَلَى النَّارِ فِي نُصُوْصِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَأْتِي عَلَى دَرَجَتَيْنِ:
١) تَحْرِيْمٌ مُؤَبَّدٌ (مُطْلَقٌ): فَهُوَ لَا يَدْخُلُهَا أَبَدًا لِأَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ.
٢) تَحْرِيْمٌ بَعْدَ أَمَدٍ: أَيْ رُبَّمَا يَدْخُلُهَا ثُمَّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ البَقَاءُ فِيْهَا.
وَالحَدِيْثُ هُنَا يَحْتَمِلُ الدَّرَجَتِيْنِ وَلَكِنْ بِتَوْجِيْهِ كَلِمَةِ التَّوْحِيْدِ مِنْ جِهَةِ كَمَالِهَا، وَمِنْ جِهَةِ آخَرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ شَأْنِهَا.
فَمَنْ مَاتَ عَلَيْهَا مُخْلِصًا بِهَا مِنْ قَلْبِهِ؛ مُنَزِّهًا قَلْبَهُ عَنِ الإِصْرَارِ عَلَى المَعَاصِي فَهُوَ الَّذِيْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ مُطْلَقًا، خِلَافًا لِمَنْ مَاتَ عَلَيْهَا وَلَكِنْ لَمْ يَكْمُلْ تَوْحِيْدُ قَلْبِهِ، وَلَمْ يُنَزِّهْهُ عَنْ مَحَبَّةِ المَعَاصِي، وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا.
- حَدِيْثُ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ هُنَا ضَعِيْفُ الإِسْنَادِ (٤)، وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيْثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو مَرْفُوْعًا أَنَّ نُوْحًا أَوْصَى ابْنَهُ؛ فَقَالَ: (آمُرُكَ بلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالأَرَضِيْنَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَنَ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ أُخْرَى لَرَجَحَتْ بِهِنَّ). (٥)
_________
(١) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٤٧٩/ ٢): (فَقَوْلُهُ فِي الآيَةِ وَالحَدِيْثِ ﴿وَرُوْحٌ مِنْهُ﴾ كَقَوْلِهِ ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيْعًا مِنْهُ﴾ (الجَاثِيَة:١٣) أَيْ: مِنْ خَلْقِهِ وَمِنْ عِنْدِهِ، وَلَيْسَتْ (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ - كَمَا تَقُوْلُهُ النَّصَارَى؛ عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللهِ المُتَتَابِعَةُ - بَلْ هِيَ لِابْتِدَاءِ الغَايَةِ، كَمَا فِي الآيَةِ الأُخْرَى.
وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ ﴿وَرُوْحٌ مِنْهُ﴾ أَيْ: وَرَسُوْلٌ مِنْهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَمَحَبَّةٌ مِنْهُ.
وَالأَظْهَرُ الأَوَّلُ؛ أنَّه مَخْلُوْقٌ مِنْ رُوحٍ مَخْلُوْقَةٍ، وَأُضِيفَتِ الرُّوْحُ إِلَى اللهِ عَلَى وَجْهِ التَّشْرِيْفِ، كَمَا أُضِيفَتِ النَّاقَةُ وَالبَيْتُ إِلَى اللهِ فِي قَوْلِهِ ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ﴾ (هُود:٦٤)، وَفِي قَوْلِهِ ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ (الحَجِّ:٢٦».
(٢) وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُوْرَة مَرْيَمَ عَنْ جِبْرِيْلَ ﵇ ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُوْنِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا، قَالَتْ إِنِّي أَعُوْذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا، قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُوْلُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ (مَرْيَم:١٩)، فَانْظُرْ كَيْفَ وَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ ﴿رُوَحَنَا﴾ - مُضَافًا إِلَى جَنَابِهِ تَعَالَى- ثُمَّ انْظُرْ كَيْفَ قَالَ جِبْرِيْلُ ﵇ ﴿إِنَّمَا أَنَا رَسُوْلُ رَبِّكِ﴾.
(٣) صَحِيْحُ مُسْلِمِ (٩١٦)، وَاللَّفْظُ بِتَمَامِهِ لِابْنِ حِبَّانَ (٣٠٠٤).
وَبِنَحْوِهَا أَحَادِيْثُ الشَّفَاعَةِ الَّتِيْ فِيْهَا خُرُوْجُ كَثِيْرٍ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيْدِ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أَنْ دَخَلُوْهَا بِذُنُوْبِهِم.
(٤) سَبَقَ ذِكْرُ ضَعْفِهِ.
(٥) صَحِيْحٌ. الأَدَبُ المُفْرَدُ (٥٤٨). صَحِيْحُ الأَدَبِ المُفْرَدِ (٤٢٦).
1 / 13
- إِنَّ هَذَا الفَضْلَ العَظِيْمَ لِكَلِمَةِ التَّوْحِيْدِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ قَوِيَتْ فِي قَلْبِهِ وَأَتَى بِكَمَالِهَا (١)، وَهَذِهِ القُوَّةُ هِيَ الَّتِيْ تَحْرِقُ مَا يُقَابِلُهَا مِنَ الذُّنُوْبِ (٢)، كَمَا فِي الحَدِيْثِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ؛ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوْسِ الخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِيْنَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُوْلُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُوْنَ؟ فَيَقُوْلُ: لاَ يَا رَبِّ، فَيَقُوْلُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُوْلُ: لاَ يَا رَبِّ، فَيَقُوْلُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، فَيَقُوْلُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُوْلُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاَّتِ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ لاَ تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلاَ يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللهِ شَيْءٌ). (٣)
- قَوْلُهُ (مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ): تَشْمَلُ أَنْوَاعَ التَّوْحِيْدِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ: تَوْحِيْدُ الرُّبُوْبِيَّةِ، وَتَوْحِيْدُ الأُلُوْهِيَّةِ وَتَوْحِيْدُ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
- شَهَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوْلُ اللهِ تَسْتَلْزِمُ أُمُوْرًا؛ مِنْهَا:
١) تَصْدِيْقُهُ فِيْمَا أَخْبَرَ - إِذَا ثَبَتَتْ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ -.
٢) امْتِثَالُ أَمْرِهِ دُوْنَ تَرَدُّدٍ.
وَمِنَ التَّرَدُّدِ المَذْمُوْمِ التَّوَقُّفُ عَنِ الامْتِثَالِ وَالتَّطْبِيْقِ إِلَى أَنْ يُعْلَمَ هَلِ الأَمْرُ لِلوُجُوْبِ أَمْ لِلاسْتِحْبَابِ! وَأَيْضًا التَّوَقُّفُ عَنِ الامْتِثَالِ حَتَّى يُعْلَمَ مَا مَوْقِفُ المَذْهَبِ الفُلَانِيِّ مِنْهُ!
٣) اجْتِنَابُ نَهْيِهِ دُوْنَ تَرَدُّدٍ، وَالحَذَرُ مِنْ قَوْلِ (هَذَا لَيْسَ فِي القُرْآنِ)! لِقَوْلِهِ ﵊ (لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيْكَتِهِ؛ يَأْتِيْهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي - مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ وَنَهَيْتُ عَنْهُ - فَيَقُوْلُ: لَا نَدْرِي، وَمَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللهِ اتَّبَعْنَاهُ). (٤)
٤) أَنْ لَا يُقدِّمَ قَوْلَ أَحَدٍ مِنَ البَشَرِ عَلَى قَوْلِهِ ﷺ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵁: (مِنْ هَهُنَا تَرِدُوْنَ، نَجِيئُكُمْ بِرَسُوْلِ اللهِ ﷺ وَتَجِيئُوْنَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ). (٥)
٥) أَنْ لَا يَبْتَدِعَ فِي شَرْعِهِ ﷺ، وَقَدْ نَقَلَ الشَّاطِبِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (الاعْتِصَامُ) عَنْ مَالِكٍ قَوْلَهُ: (مَنِ ابْتَدَعَ فِي الإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً؛ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا خَانَ الرِّسَالَةَ؛ لِأَنَّ اللهَ يَقُوْلُ: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ﴾ (المَائِدَة:٣)، فَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِيْنًا، فَلَا يَكُوْنُ اليَوْمَ دِيْنًا). (٦)
٦) أَنْ لَا يَغْلَوَ فِيْهِ ﷺ فَيُعْطِيَهُ مِنْ صِفَاتِ الرُّبُوْبِيَّة شَيْءٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُ: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ﴾ (الأَعْرَاف:١٨٨). (٧)
- قَوْلُهُ (لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا): (شَيْئًا) نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْي تُفِيْدُ العُمُوْمَ؛ أَيْ: لَا شِرْكًا أَصْغَرًا وَلَا أَكْبَرًا.
_________
(١) قُلْتُ: وَهُوَ الكَمَالُ الوَاجِبُ.
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (٤١٧/ ٢) - عِنْدَ شَرْحِ الحَدِيْثِ الثَّانِي وَالأَرْبَعِيْنَ -: (مَنْ جَاءَ مَعَ التَّوْحِيْدِ بِقُرَابِ الأَرْضِ - وَهُوَ مِلْؤُهَا أَوْ مَا يُقَارِبُ مِلْأَهَا - خَطَايَا، لَقِيَهُ اللهُ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً، لَكِنْ هَذَا مَعَ مَشِيْئَةِ اللهِ ﷿، فَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِذُنُوْبِهِ، ثُمَّ كَانَ عَاقِبَتُهُ أَنْ لَا يُخَلَّدَ فِي النَّارِ، بَلْ يَخْرُجُ مِنْهَا، ثُمَّ يَدْخُلُ الجَنَّةَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: المُوَحِّدُ لَا يُلْقَى فِي النَّارِ كَمَا يُلْقَى الكُفَّارُ، وَلَا يَلْقَى فِيْهَا مَا يَلْقَى الكُفَّارُ، وَلَا يَبْقَى فِيْهَا كَمَا يَبْقَى الكُفَّارُ، فَإِنْ كَمُلَ تَوْحِيْدُ العَبْدِ وَإِخْلَاصُهُ لِلَّهِ فِيْهِ، وَقَامَ بِشُرُوْطِهِ كُلِّهَا بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ، أَوْ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ عِنْدَ المَوْتِ؛ أَوْجَبَ ذَلِكَ مَغْفِرَةَ مَا سَلَفَ مِنَ الذُّنُوْبِ كُلِّهَا، وَمَنَعَهُ مِنْ دُخُوْلِ النَّارِ بِالكُلِّيَّةِ، فَمَنْ تَحَقَّقَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيْدِ قَلْبُهُ؛ أَخْرَجَتْ مِنْهُ كُلَّ مَا سِوَى اللهِ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا وَإِجْلَالًا وَمَهَابَةً وَخَشْيَةً وَرَجَاءً وَتَوَكُّلًا، وَحِيْنَئِذٍ تُحْرَقُ ذُنُوْبُهُ وَخَطَايَاهُ كُلُّهَا - وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ -، وَرُبَّمَا قَلَبَتْهَا حَسَنَاتٍ - كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي تَبْدِيلِ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ -، فَإِنَّ هَذَا التَّوْحِيْدَ هُوَ الإِكْسِيْرُ الأَعْظَمُ، فَلَوْ وُضِعَتْ مِنْهُ ذَرَّةٌ عَلَى جِبَالِ الذُّنُوْبِ وَالخَطَايَا، لَقَلَبَهَا حَسَنَاتٍ).
(٣) صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٢٦٣٩). الصَّحِيْحَةُ (١٣٥).
(٤) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (٢٣٨٧٦) عَنِ أَبِي رَافِعٍ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (٧١٧٢).
(٥) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (٣١٢١)، وَلَفْظُهُ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: تَمَتَّعَ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ المُتْعَةِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقُوْلُ عُرَيَّةُ؟ قَالَ: يَقُوْلُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ المُتْعَةِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُوْنَ؛ أَقُوْلُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ؛ وَيَقُوْلُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ). قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ آلِ الشَّيْخِ حَفِظَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (التَّمْهِيْدُ) (ص٤١٧): (بِإِسْنَادٍ صَحَيْحٍ).
وَأَوْرَدَهُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ العَسْقَلَانِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (المَطَالِبُ العَالِيَةُ) (٩٦/ ٧) وَقَالَ: «قَالَ إِسْحَاقُ: نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوْبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: (وَيحَكَ أَضَلَلْتَ! تَأْمُرُنَا بِالعُمْرَةِ فِي العَشْرِ وَلَيْسَ فِيْهِنَّ عُمْرَةٌ!) فَقَالَ: (يَا عُرَيُّ فَسَلْ أُمَّكَ). قَالَ: (إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ يَقُوْلَا ذَلِكَ؛ وَكَانَا أَعْلَمَ بِرَسُوْلِ اللهِ ﷺ وَأَتْبَعَ لَهُ مِنْكَ). فَقَالَ: (مِنْ هَهُنَا تَرِدُوْنَ؛ نَجِيْئُكُمْ بِرَسُوْلِ اللهِ ﷺ وَتَجِيْئُوْنَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ). سَنَدُهُ صَحِيْحٌ، وَبَعْضُهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالعُمْرَةِ فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ).
قُلْتُ: وَإِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ رَاهَوِيْه فِي مُسْنَدِهِ.
(٦) الاعْتِصَامُ (٦٤/ ١).
(٧) لَمْ نَتَعَرَّضْ لِمَا تَسْتَلْزِمُهُ (شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) بِخُصُوْصِهَا؛ لِأَنَّ كِتَابَ التَّوْحِيْدِ هَذَا - إِجْمَالًا - قَائِمٌ عَلَى بَيَانِهَا وَتَوْضِيْحِهَا.
1 / 14
- فَائِدَة ١) إنَّ الحَدِيْثَ فِيْهِ بَيَانُ مَغْفِرَةِ اللهِ تَعَالَى لِلذُّنُوْبِ وَلَوْ كَانَتْ بِمِقْدَارِ الأَرْضِ، ولَكِنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِأُمُوْرٍ:
١) أَنْ لَا يُشْرِكَ بِاللهِ تَعَالَى شَيْئًا. (١)
٢) أَنْ يَمُوْتَ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ (لَقِيْتَنِيْ).
٣) أَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِالمَشِيْئَةِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ (النِّسَاء:٤٨).
- فَائِدَة ٢) اعْلَمْ أَنَّ مَا أَضَافَهُ اللهُ تَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: (٢)
١) مَا كَانَ عَيْنًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ؛ فَهُوَ مَخْلُوْقٌ، وَالإِضَافَةُ فِيْهَا لَهَا حَالَتَانِ:
أ) عَامَّةٌ: مِنْ بَابِ إِضَافَةِ المَخْلُوْقِ إِلَى خَالِقِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيْعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُوْنَ﴾ (الجَاثِيَة:١٣)،
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِيْنَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُوْنِ﴾ (العَنْكَبُوْت:٥٦).
ب) خَاصَّةٌ: لِلتَّشْرِيْفِ - رُغْمَ كَوْنِهِ مَشْمُوْلًا بِعُمُوْمِ الإِضَافَةِ السَّابِقَةِ ذِكْرُهَا -؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيْمَ مَكَانَ البَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالقَائِمِيْنَ وَالرُّكَّعِ السُّجُوْدِ﴾ (الحَجّ:٢٦)،
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ عِيْسَى ﵇ ﴿وَرُوْحٌ مِنْهُ﴾ (النِّسَاء:١٧١)، فَهَذِهِ الإِضَافَةُ أَيْضًا لِلتَّشْرِيْفِ وَالتَّزْكِيَةِ.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَقَالَ لَهُمْ رَسُوْلُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا﴾ (الشَّمْس:١٣).
٢) مَا كَانَ وَصْفًا (أَوْ مَعْنَىً) لِعَيْنٍ مَخْلُوْقَةٍ يَقُوْمُ بِهَا ذَلِكَ المَعْنَى، وَهَذَا القِسْمُ مَخْلُوْقٌ أَيْضًا. (٣)
٣) مَا كَانَ وَصْفًا (أَوْ مَعْنَىً) لَا يَقُوْمُ بِغَيْرِهِ تَعَالَى، كَالمَحَبَّةِ وَالكَلَامِ وَالرِّضَى وَالغَضَبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قَالَ يَا مُوْسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِيْنَ﴾ (الأَعْرَاف:١٤٤)، فَالرِّسَالَةُ وَالكَلَامُ أُضِيْفَتَا إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى المَوْصُوْفِ، فَهِيَ لَيْسَتْ عَيْنًا، وَلَا صِفَةً قَائِمَةً بِمَخْلُوْقٍ، فَتَكُوْنُ هَذِهِ الصِّفَةُ غَيْرَ مَخْلُوْقَةٍ، لِأَنَّهَا صِفَةُ الخَالِقِ تَعَالَى. (٤)
_________
(١) وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّوْحِيْدَ هُوَ سَبَبُ الشَّفَاعَاتِ، فَكُلَّمَا قَوِيَ التَّوْحِيْدُ كُلَّمَا زَادَتِ الشَّفَاعَةُ فِي حَقَّهِ بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا فِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ (٩٩) مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ).
(٢) بِتَصَرُّفٍ مِنْ كِتَابِ (الجَوَابُ الصَّحِيْحُ لِمَنْ بَدَّلَ دِيْنَ المَسِيْحِ) (٧١/ ٤) لِشَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَسَبَبُ الاشْتِبَاهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ المَسَائِلِ هُوَ أَنَّهُ يُمْكِنُ التَّعْبِيْرُ لُغَةً عَنِ المَفْعُوْلِ بِالصِّفَةِ. فَالمَطَرُ مَفْعُوْلٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى يَرْحَمُ بِهِ عِبَادَهُ، وَيَصِحُّ بِذَلِكَ وَصْفُ المَطَرِ بِأَنَّهُ رَحْمَةُ اللهِ، فَهُوَ مَخْلُوْقٌ وَلَيْسَ بِصِفَةٍ لَهُ سُبْحَانَهُ، وكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُوْنِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِيْنَ مِنْ دُوْنِهِ بَلِ الظَّالِمُوْنَ فِي ضَلَالٍ مُبِيْنٍ﴾ (لُقْمَان:١١).
وَقَدْ أَشَارَ البُخَارِيُّ ﵀ إِلَى ذَلِكَ في صَحِيْحِهِ (١٣٤/ ٩) فَقَالَ: (بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخْلِيْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنَ الخَلَائِقِ، وَهُوَ فِعْلُ الرَّبِّ ﵎ وَأَمْرُهُ، فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَكَلَامِهِ؛ وَهُوَ الخَالِقُ المُكَوِّنُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيْقِهِ وَتَكْوِيْنِهِ فَهُوَ مَفْعُوْلٌ مَخْلُوْقٌ مُكَوَّنٌ).
(٣) قُلْتُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوْسَى ﵇ ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ (طَه:٣٩)، فَهَذِهِ المَحَبَّةُ الَّتِيْ جَعَلَهَا اللهُ تَعَالَى فِي قُلُوْبِ النَّاسِ لِمُوْسَى ﷺ أَضَافَهَا اللهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ فَهِي لِلتَّشْرِيْفِ وَالتَّزْكِيَةِ، وَهِيَ مَعْنىً قَائِمٌ فِي قُلُوْبِ النَّاسِ.
(٤) وَانْظُرْ كِتَابَ (القَوْلُ المُفِيْدُ) (٧٥/ ١) للشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِيْن رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَفِيْهِ أَيْضًا: (فَالأَعْيَانُ القَائِمَةُ بِنَفْسِهَا وَالمتَّصِلُ بِهَا (مِنَ الصِّفَاتِ) مَخْلُوْقَةٌ، وَالوَصْفُ الَّذِيْ لَمْ يُذْكَرْ لَهُ عَيْنٌ تَقُوْمُ بِهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؛ لِأَنَّهُ يَكُوْنُ مِنْ صِفَاتِ اللهِ، وَصِفَاتُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقَةٍ).
1 / 15
مَسَائِلُ عَلَى البَابِ
- مَسْأَلَةٌ) تَوَاتَرَتِ الأَحَادِيْثُ بِأَنَّ كَثِيْرًا مِمَّنْ يَقُوْلُ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) يَدْخُلُ النَّارَ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا، فكَيْفَ الجَمْعُ مَعَ حَدِيْثِ عِتْبَانَ الَّذِيْ فِيْهِ بأَنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)؟
وَالجَوَابُ: بِأَنَّ الَّذِيْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ هُوَ مَنْ قَالَهَا بِإِخْلَاصٍ وَيَقِيْنٍ تَامٍّ، فَهُوَ فِي هَذِهِ الحَالِ لَيْسَ مُصِرًّا عَلَى ذَنْبٍ أَصْلًا.
(فِإِنَّهُ إِذَا قَالَهَا بِإِخْلَاصٍ وَيَقِيْنٍ تَامٍّ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الحَالِ مُصِرًّا عَلَى ذَنْبٍ أَصْلًا، فَإِنَّ كَمَالَ إِخْلَاصِهِ وَيَقِيْنِهِ يُوْجِبُ أَنْ يَكُوْنَ اللهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذًا لَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ إِرَادَةٌ لِمَا حَرَّمَ اللهُ، وَلَا كَرَاهَةٌ لِمَا أَمَرَ اللهُ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِيْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ - وَإِنْ كَانَتْ لَهُ ذُنُوْبٌ قَبْلَ ذَلِكَ -، فَإِنَّ هَذَا الإِيْمَانَ وَهَذَا الإِخْلَاصَ وَهَذِهِ التَّوْبَةَ وَهَذِهِ المَحَبَّةَ وَهَذَا اليَقِيْنَ؛ لَا تَتْرُكُ لَهُ ذَنْبًا إِلَّا مُحِيَ عَنْهُ كَمَا يَمْحُو اللَّيْلُ النَّهَارَ، فَإِذَا قَالَهَا عَلَى وَجْهِ الكَمَالِ المَانِعِ مِنَ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ وَالأَصْغَرِ؛ فَهَذَا غَيْرُ مُصِرٍّ عَلَى ذَنْبٍ أَصْلًا، فَيُغْفَرُ لَهُ وَيَحْرُمُ عَلَى النَّارِ). (١) (٢)
_________
(١) نَقَلَهُ مُلَخَّصًا صَاحِبُ فَتْحِ المَجِيْدِ (ص٤٧) ﵀ مِنْ مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى.
(٢) وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (٥٢٤/ ١) - عِنْدَ شَرْحِ الحَدِيْثِ الخَامِسِ وَالعِشْرِيْنَ -: (فَإِنَّ تَحَقُّقَ القَلْبِ بِمَعْنَى - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - وَصِدْقَهُ فِيْهَا، وَإِخْلَاصَهُ بِهَا يَقْتَضِي أَنْ يَرْسَخَ فِيْهِ تَأَلُّهَ اللهِ وَحْدَهُ إِجْلَالًا؛ وَهَيْبَةً؛ وَمَخَافَةً؛ وَمَحَبَّةً؛ وَرَجَاءً؛ وَتَعْظِيْمًا؛ وَتَوَكُّلًا؛ وَيَمْتَلِئَ بِذَلِكَ، وَيَنْتَفِيَ عَنْهُ تَأْلُّهُ مَا سِوَاهُ مِنَ المَخْلُوْقِيْنَ، وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ؛ لَمْ يَبْقَ فِيْهِ مَحَبَّةٌ وَلَا إِرَادَةٌ وَلَا طَلَبٌ لِغَيْرِ مَا يُرِيْدُ اللهُ وَيُحِبُّهُ وَيَطْلُبُهُ، وَيَنْتَفِي بِذَلِكَ مِنَ القَلْبِ جَمِيْعُ أَهْوَاءِ النُّفُوْسِ وَإِرَادَاتِهَا، وَوَسَاوِسُ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا وَأَطَاعَهُ، وَأَحَبَّ عَلَيْهِ وَأَبْغَضَ عَلَيْهِ؛ فَهُوَ إِلَهُهُ، فَمَنْ كَانَ لَا يُحِبُّ وَلَا يُبْغِضُ إِلَّا لِلَّهِ، وَلَا يُوَالِي وَلَا يُعَادِي إِلَّا لَهُ؛ فَاللَّهُ إِلَهُهُ حَقًّا، وَمَنْ أَحَبَّ لِهَوَاهُ، وَأَبْغَضَ لَهُ، وَوَالَى عَلَيْهِ، وَعَادَى عَلَيْهِ، فَإِلَهُهُ هَوَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ (الجَاثِيَة:٢٣) قَالَ الحَسَنُ: هُوَ الَّذِيْ لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا رَكِبَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الَّذِيْ كُلَّمَا هَوَى شَيْئًا رَكِبَهُ، وَكُلَّمَا اشْتَهَى شَيْئًا أَتَاهُ، لَا يَحْجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ وَرَعٌ وَلَا تَقْوَىً.
وَيُرْوَى مِنْ حَدِيْثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوْعًا (مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ إِلَهٌ يُعْبَدُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ)، وَكَذَلِكَ مَنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ؛ فَقَدْ عَبَدَهُ، كَمَا قَالَ ﷿: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ﴾ (يَس:٦٠).
فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَحْقِيْقُ مَعْنَى قَوْلِ - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ إِصْرَارٌ عَلَى مَحَبَّةِ مَا يَكْرَهُهُ اللهُ، وَلَا عَلَى إِرَادَةِ مَا لَا يُرِيْدُهُ اللهُ، وَمَتَى كَانَ فِي القَلْبِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ كَانَ ذَلِكَ نَقْصًا فِي التَّوْحِيْدِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الشِّرْكِ الخَفِيِّ، وَلِهَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ (الأَنْعَامِ:١٥١) قَالَ: لَا تُحِبُّوا غَيْرِي.
وَفِي صَحِيْحِ الحَاكِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ قَالَ: (الشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيْبِ الذَّرِّ عَلَى الصَّفَا فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، وَأَدْنَاهُ أَنْ تُحِبَّ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الجَوْرِ، وَتُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ العَدْلِ، وَهَلِ الدِّينُ إِلَّا الحُبُّ وَالبُغْضُ؟ قَالَ اللهُ ﷿ ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ اللهَ فَاتَّبِعُوْنِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ (آلِ عِمْرَانَ:٣١) وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ مَحَبَّةَ مَا يَكْرَهُهُ اللهُ وَبُغْضَ مَا يُحِبُّهُ؛ مُتَابَعَةٌ لِلْهَوَى، وَالمُوَالَاةُ عَلَى ذَلِكَ وَالمُعَادَاةُ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ الخَفِيِّ.
وَخَرَّجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا (لَا تَزَالُ - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - تَمْنَعُ العِبَادَ مِنْ سُخْطِ اللهِ؛ مَا لَمْ يُؤْثِرُوا دُنْيَاهُمْ عَلَى صَفْقَةِ دِيْنِهِمْ، فَإِذَا آثَرُوا صَفْقَةَ دُنْيَاهُمْ عَلَى دِيْنِهِمْ؛ ثُمَّ قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ اللهُ: كَذَبْتُمْ).
فَتَبَيَّنَ بِهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ (مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ؛ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ)، وَأَنَّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الكَلِمَةِ، فَلِقِلَّةِ صِدْقِهِ فِي قَوْلِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ إِذَا صَدَقَتْ طَهَّرَتْ مِنَ القَلْبِ كُلَّ مَا سِوَى اللهِ، فَمَنْ صَدَقَ فِي قَوْلِهِ - لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - لَمْ يُحِبَّ سِوَاهُ، وَلَمْ يَرْجُ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَمْ يَخْشَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ، وَلَمْ يَتَوَكَّلْ إِلَّا عَلَى اللهِ، وَلَمْ تَبْقَ لَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ إِيثَارِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ، وَمَتَى بَقِيَ فِي القَلْبِ أَثَرٌ لِسِوَى اللهِ، فَمِنْ قِلَّةِ الصِّدْقِ فِي قَوْلِهَا).
قُلْتُ: وحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ السَّابِقِ مَوْضُوْعٌ، رَوَاهُ الطَّبَرَاِنُّي فِي الكَبِيْرِ (١٠٣/ ٨). ضَعِيْفُ التَّرْغِيْبِ وَالتَّرْهِيْبِ (٣٩).
وَحَدِيْثُ (الشِّرْكُ أَخْفَى ...) صَحِيْحٌ مِنْهُ الشَّطْرُ الأَوَّلُ فَقَط. الحَاكِمُ (٣١٤٨) عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوْعًا. انْظُرْ التَّعْلِيْقَ عَلَى حَدِيْثِ الضَّعِيْفَةِ (٣٧٥٥).
وَأَمَّا حَدِيْثُ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا السَّابِقِ فَإِسْنَادُهُ ضَعِيْفٌ جِدًّا. مُسْنَدُ أَبِي يَعْلَى (٤٠٣٤) بِتَحْقِيْقُ الشَّيْخِ حُسَيْنِ أَسَد حَفِظَهُ اللهُ.
1 / 16
بَابُ مَنْ حَقَّقَ التَّوْحِيْدَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ
وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيْمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيْفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِيْنَ﴾ (النَّحْل:١٢٠).
وَقَوْلُهُ ﴿وَالَّذِيْنَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُوْنَ﴾ (المُؤْمِنُوْن:٥٩).
وَعَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ؛ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ ﵁؛ فَقَالَ: أَيُّكُمْ رَأَى الكَوْكَبَ الَّذِيْ انْقَضَّ البَارِحَةَ؟ قُلْتُ: أَنَا. ثُمَّ قُلْتُ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلَاةٍ؛ وَلَكِنِّي لُدِغْتُ. قَالَ: فَمَاذَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: اَرْتقَيْتُ. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: حَدِيْثٌ حَدَّثَنَاهُ الشَّعْبِيُّ. قَالَ: وَمَا حَدَّثَكُمُ الشَّعْبِيُّ؟ قُلْتُ: حَدَّثَنَا عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الحُصَيْبِ؛ أَنَّهُ قَالَ: لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ. قَالَ: قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ. وَلَكِنْ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّه قَالَ: (عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيْمٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي، فَقِيْلَ لِي: هَذَا مُوْسَىَ وَقَوْمُهُ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ؛ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيْمٌ، فَقِيْلَ لِي: هَذِهِ أُمَّتُكَ؛ وَمَعَهُمْ سَبْعُوْنَ أَلْفًا يَدْخُلُوْنَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ). فنَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِيْنَ صَحِبُوا رَسُوْلَ اللهِ ﷺ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِيْنَ وُلِدُوا فِي الإِسْلَامِ؛ فَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللهِ، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ.
فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ فَأَخْبَرُوْهُ. فَقَالَ: (هُمُ الَّذِيْنَ لَا يَسْتَرْقُوْنَ وَلَا يَكْتَوُوْنَ وَلَا يَتَطَيَّرُوْنَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُوْنَ)، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: (أَنْتَ مِنْهُمْ)، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: (سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ). (١)
فِيْهِ مَسَائِلُ:
الأُوْلَى: مَعْرِفَةُ مَرَاتِبِ النَّاسِ فِي التَّوْحِيْدِ.
الثَّانِيَةُ: مَا مَعْنَى تَحْقِيْقِهِ.
الثَّالِثَةُ: ثَنَاؤُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ بِكَوْنِهِ لَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِيْنَ.
الرَّابِعَةُ: ثَنَاؤُهُ عَلَى سَادَاتِ الأَوْلِيَاءِ بِسَلَامَتِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ.
الخَامِسَةُ: كَوْنُ تَرْكِ الرُّقْيَةِ وَالكَيِّ مِنْ تَحْقِيقِ التَّوْحِيْدِ.
السَّادِسَةُ: كَوْنُ الجَامِعِ لِتِلْكَ الخِصَالِ هُوَ التَّوَكُّلَ.
السَّابِعَةُ: عُمْقُ عِلْمِ الصَّحَابَةِ بِمَعْرِفَتِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَنَالُوا ذَلِكَ إِلَّا بِعَمَلٍ.
الثَّامِنَةُ: حِرْصُهُمْ عَلَى الخَيْرِ.
التَّاسِعَةُ: فَضِيْلَةُ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالكَمِّيَّةِ وَالكَيْفِيَّةِ.
العَاشِرَةُ: فَضِيْلَةُ أَصْحَابِ مُوْسَى.
الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: عَرْضُ الأُمَمُ عَلَيْهِ؛ ﵊.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ تُحْشَرُ وَحْدَهَا مَعَ نَبِيِّهَا.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قِلَّةُ مَنِ اسْتَجَابَ لِلْأَنْبِيَاءِ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ مَنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ يَأْتِي وَحْدَهُ.
الخَامِسَةَ عَشْرَةَ: ثَمَرَةُ هَذَا العِلْمِ، وَهُوَ عَدَمُ الِاغْتِرَارِ بِالكَثْرَةِ، وَعَدَمُ الزُّهْدِ فِي القِلَّةِ.
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: الرُّخْصَةُ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ العَيْنِ وَالحُمَةِ.
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: عُمْقُ عِلْمِ السَّلَفِ; لِقَوْلِهِ (قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ، وَلَكِنْ كَذَا وَكَذَا)؛ فَعُلِمَ أَنَّ الحَدِيْثَ الأَوَّلَ لَا يُخَالِفُ الثَّانِي.
الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: بُعْدُ السَّلَفِ عَنْ مَدْحِ الإِنْسَانِ بِمَا لَيْسَ فِيْهِ.
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ: (أَنْتَ مِنْهُمْ) عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ.
العِشْرُوْنَ: فَضِيْلَةُ عُكَّاشَةَ.
الحَادِيَةُ وَالعِشْرُوْنَ: اسْتِعْمَالُ المَعَارِيْضِ.
الثَّانِيَةُ وَالعِشْرُوْنَ: حُسْنُ خُلُقِهِ ﷺ.
_________
(١) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٥٧٠٥)، وَمُسْلِمٌ (٢٢٠).
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي التَّفْسِيْرِ (٥١٩/ ٧): (ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ سَبْعِيْنَ أَلْفًا يَدْخُلُوْنَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
1 / 17
الشَّرْحُ
- هَذَا البَابُ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنَ البَابِ السَّابِقِ، فَإِنَّ فِيْهِ (مَنْ حَقَّقَ التَّوْحِيْدَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِلَا حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ)، وَتَحْقِيْقُ التَّوْحِيْدِ هُوَ تَصْفِيَةُ التَّوْحِيْدِ وَالشَّهَادَتَيْنِ مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ وَالبِدَعِ وَالمَعَاصِيْ.
فَلَا يُكْتَفَى فِيْهِ بِتَرْكِ شِرْكِ العُبُوْدِيَّةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ لَا يُشْرِكَ هَوَاهُ فِي الطَّاعَةِ، وَإِذَا أَشْرَكَ المَرْءُ هَوَاهُ أَتَى بِالبِدَعِ وَأَتَى بِالمَعْصِيَةِ، فَصَارَ نَفْيُ الشِّرْكِ هُنَا نَفْيًا لِلشِّرْكِ بِأَنْوَاعِهِ، وَنَفْيًا لِلبِدْعَةِ، وَنَفْيًا لِلمَعْصِيَةِ، وَهَذَا هُوَ تَحْقِيْقُ التَّوْحِيْد للهِ تَعَالَى. (١)
- قَوْلُهُ (لَا يَسْتَرْقُوْنَ): أَيْ: لَا يَطْلُبُوْنَ الرُّقْيَةَ، وَالطَّالِبُ لِلرُّقْيَةِ فِي قَلْبِهِ مَيْلٌ وَتَعَلُّقٌ بِالرَّاقِي حَتَّى يُرْفَعَ مَا بِهِ - أَيْ: مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ -، وَهَذَا يُنَافِي كَمَالَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ ﷻ. (٢)
وِإِنَّ مَنْ تَرَكَ طَلَبَ الرُّقْيَةِ - الَّتِيْ هِيَ فِي أَصْلِهَا جَائِزَةٌ - مِنْ رَجُلٍ حَيٍّ حَاضِرٍ قَادِرٍ عَلَيْهَا؛ أَفَلَا يَكُوْنُ أَبْعَدَ عَنْ أَنْ يَطْلُبَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ مِنْ غَيْرِ اللهِ مِنْ مَقْبُوْرٍ أَوْ غَائِبٍ؟! فَظَهَرَ بِذَلِكَ سِرُّ اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الرُّقْيَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا مِنْ كَمَالِ التَّوْحِيْدِ المُسْتَحَبِّ.
- ذَكَرَ المُؤَلِّفُ فِي هَذَا البَابِ آيَتِيْنِ، وَمُنَاسَبَتُهُمَا لِلبَابِ الإِشَارَةُ إِلَى تَحْقِيْقِ التَّوْحِيْدِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُوْنُ إِلَّا بِانْتِفَاءِ الشِّرْكِ كُلِّهِ.
- فِي ذِكْرِ إِبْرَاهِيْمَ ﵇ بَيَانُ أَرْبَعِ صِفَاتٍ لَهُ، وَهِيَ:
١ - أَنَّهُ كَانَ إِمَامًا، فَهُوَ قُدْوَةٌ لِغَيْرِهِ فِي التَّوْحِيْدِ، فَقَدْ أَتَى بِكَمَالِ التَّوْحِيْدِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيْمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ (البَقَرَة:١٢٤)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيْمَ وَالَّذِيْنَ مَعَهُ﴾ (المُمْتَحَنَة:٤).
٢ - أَنَّهُ كَانَ قَانِتًا للهِ، أَيْ: دَائِمَ الطَّاعَةِ للهِ.
٣ - أَنَّهُ كَانَ حَنِيْفًا (٣)؛ أَيْ: مَائِلًا عَنْ سَبِيْلِ المُشْرِكِيْنَ؛ وَالَّذِيْ هُوَ الابْتِدَاعُ وَالقَوْلُ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ.
٤ - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ المُشْرِكِيْنَ، فَهُوَ لَمْ يَجْعَلْ مَعَ اللهِ مَعْبُوْدًا آخَرَ. (٤)
- لَا بُدَّ مِنَ العِلْمِ أَنَّ ثَنَاءَ اللهِ تَعَالَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ لَا يُقْصَدُ مِنْهُ مُجَرَّدُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُقْصَدُ بِهِ أَيْضًا مَحَبَّتُهُ، وَالاقْتِدَاءُ بِهِ.
- الحُمَةُ: بِضَمِّ الحَاءِ المُهْمَلَةِ وَتَخْفِيْفِ المِيْمِ: هِيَ سُمُّ العَقْرَبِ وَشَبَهُهَا.
- فِي عَرْضِ الأُمَمِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَيَانُ فَضِيْلَتِهِ ﷺ وَكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ، وَأَيْضًا تَسْلِيَتُهُ فِي أَنَّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَنْ لَمْ يَأْتِ مَعَهُ أَحَدٌ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَيْضًا نَاصِرُهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ وَخَذَلَهُ.
- حَدِيْثُ البَابَ جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِلَفْظِ (فَاسْتَزَدْتُ رَبِّي عَزَّوَجَلَّ فَزادَنِي مَعَ كلِّ واحِدٍ سَبْعِيْنَ ألْفًا). (٥)
_________
(١) بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ مِنْ كِتَابِ (التَّمْهِيْدُ) (ص٣٨) لِلشَّيْخِ صَالِحِ آلِ الشَّيْخِ حَفِظَهُ اللهُ.
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (٣٩٧/ ٢) - شَرْحُ حَدِيْثِ رَقَم (٤١) -: (فَجَمِيْعُ المَعَاصِي تَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيْمِ هَوَى النُّفُوْسِ عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ المُشْرِكِيْنَ بِاتِّبَاعِ الهَوَى فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيْبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُوْنَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ﴾ (القَصَص:٦٤). وَكَذَلِكَ البِدَعُ؛ إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيْمِ الهَوَى عَلَى الشَّرْعِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى أَهْلُهَا أَهْلَ الأَهْوَاءِ، وَكَذَلِكَ المَعَاصِي؛ إِنَّمَا تَقَعُ مِنْ تَقْدِيْمِ الهَوَى عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ وَمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ اللهُ).
(٢) أَيْ: الكَمَالَ المُسْتَحَبَّ، وَهَذَا لَا يَأْثَمُ بِهِ صَاحِبُهُ؛ لَكِنَّهُ خِلَافُ الأَكْمَلِ.
(٣) قَالَ فِي لِسَانِ العَرَبِ (٥٧/ ٩): (مَعْنَى الحَنِيْفِيَّةِ فِي اللُّغَةِ: المَيْلُ، وَالمَعْنَى: أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ حَنَفَ إِلَى دِيْنِ اللَّهِ وَدِيْنِ الإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا أُخِذَ الحَنَفُ مِنْ قَوْلِهِمْ رَجُلٌ أَحْنَفُ وَرِجْلٌ حَنْفاءُ، وَهُوَ الَّذِيْ تَمِيْلُ قَدَمَاهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى أُخْتِهَا بِأَصَابِعِهَا).
(٤) فَفِي الآيَةِ التَّنْبِيْهُ عَلَى إِمَامَتِهِ، وَذَلِكَ لِكَوْنِهِ دَائِمَ الطَّاعَةِ للهِ تَعَالَى؛ مُوَافِقًا لِشِرْعَةِ رَبِّهِ؛ غَيْرَ مُشْرِكٍ بِهِ، وَإِنَّ التَّنْبِيْهَ عَلَى إِمَامَتِهِ هُوَ إِرْشَادٌ إِلَى تَمَامِ الدِّيْنِ بِذَلِكَ.
(٥) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (٢٠٣/ ١). الصَّحِيْحَةُ (١٤٨٤)، وَأَيْضًا عِنْدَ أَحْمَدَ (٢٢٣٠٣) وَغَيْرِهِ بِلَفْظٍ صَحِيْحٍ (مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُوْنَ أَلْفًا وَثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِن حَثَيَاتِ رَبِّي). الصَّحِيْحَةُ (١٩٠٩).
1 / 18
- مَرَاتِبُ النَّاسِ عِنْدَ الرُّقْيَةِ:
١) مَنْ يَطْلُبُهَا، وَهَذَا قَدْ فَاتَهُ الكَمَالُ.
٢) أَنْ لَا يَمْنَعْ مَنْ يَرْقِيْهِ، وَهَذَا لَمْ يَفُتْهُ الكَمَالُ.
٣) أَنْ يَمْنَعْ مَنْ يَرْقِيْهِ، وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَمْنَعْ عَائِشَةَ ﵂ أَنْ تَرْقِيَهُ. (١)
- فِي الحَدِيْثِ جَوَازُ اسْتِعْمَالُ المَعَارِيْضِ (٢)، وَذَلِكَ لِقَوْل الرَّسُوْلِ ﷺ (سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ)؛ فَإِنَّ هَذَا فِي الحَقِيْقَةِ لَيْسَ هُوَ المَانِعَ الحَقِيْقِيَّ، بَلِ المَانِعُ هُوَ: إِمَّا أَنْ يَكُوْنَ هَذَا الرَّجُلُ مُنَافِقًا فَلَمْ يُرِدِ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَجْعَلَهُ مَعَ الَّذِيْنَ يَدْخُلُوْنَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ، وَإِمَّا خَوْفًا مِنِ فَتْحِ هَذَا البَابِ؛ فَيَسْتَرْسِلُ النَّاسُ بِذَلِكَ؛ فَيَسْأَلُ هَذِهِ المَرْتَبَةَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.
- (الأُمَّةُ): تُطْلَقُ عَلَى كُلِّ جَمَاعَةٍ يَجْمَعُهُم أَمْرٌ مِنَ الأُمُوْرِ؛ إِمَّا دِيْنٌ، أَوْ زَمَانٌ، أَوْ مَكَانٌ، وَأَيْضًا يُطْلَقُ عَلَى الإِمَامِ القُدْوَةِ، وَأَدِلَّتُهَا كَمَا يَلِي:
١) الجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ فِي المَكَانِ الوَاحِدِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ (القَصَص:٢٣).
٢) المِلَّةُ وَالدِّيْنُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ (الزُّخْرُف:٢٣).
٣) الفَتْرَةُ مِنَ الزَّمَنِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِيْ نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيْلِهِ فَأَرْسِلُوْنِ﴾ (يُوْسُف:٤٥).
٤) الإِمَامُ القُدْوَةُ المُتَّبَعُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيْمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيْفًا﴾ (النَّحْل:١٢٠). (٣)
- قَوْلُهُ (عُكَّاشَةُ): بِالتَّشْدِيْدِ وَالتَّخْفِيْفِ؛ لُغَتَانِ.
_________
(١) فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (٢١٩٢) - بَابُ رُقيَةِ المَرِيْضِ بِالمُعَوِّذَاتِ وَالنَّفْثِ - عَنْ عَائِشَةَ ﵂؛ قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالمُعوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَه الَّذِيْ مَاتَ فِيْهِ جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أعَظْمَ بَرَكةً مِنْ يَدِي.
(٢) كَمَا فِي الأَثَرِ (إِنَّ فِي المَعَارِيْضِ لَمَنْدُوْحَةً عَنِ الكَذِبِ). صَحِيْحٌ. البَيْهَقِيُّ فِي الكُبْرَى (٢٠٨٤٢) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَوْقُوْفًا. اُنْظُرِ التَّعْلِيْقَ عَلَى حَدِيْثِ الضَّعِيْفَةِ (١٠٩٤).
(٣) مُسْتَفَادٌ مِنْ شَرْحِ الشَّيْخِ الغُنَيْمَانِ حَفِظَهُ اللهُ عَلَى كِتَابِ (فَتْحُ المَجِيْدِ)، شَرِيْطُ رَقَم (١٦)، شَرْحُ البَابِ.
1 / 19
فَوَائِدُ عَلَى الحَدِيْثِ:
- فَائِدَة ١) فِي البُخَارِيِّ مِنْ حَدِيْثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ لَفْظُ (مُتَمَاسِكِيْنَ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمُ الجَنَّةَ، وَوُجُوْهُهُمْ عَلَى ضَوْءِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ). (١)
- فَائِدَة ٢) فِي لَفْظِ مُسْلِمٍ سِيَاقٌ آخَرُ وَهُوَ (رَخَّصَ مِنَ النَّمْلَةِ) (٢) (٣)، وَفِي هَذَا دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالسُّمِّ كُلُّ مَا عَرَضَ لِلبَدَنِ مِنْ قَرْحِ وَنَحْوِهِ مِنَ المَوَادِ السُّمِّيَّةِ. (٤)
- فَائِدَة ٣) إِنَّ طَلَبَ عُكَّاشَةَ الدُّعَاءَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ لَا يَنْفِي عَنْهُ كَوْنَهُ مِنَ السَّبْعِيْنَ أَلْفًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ دُعَاءَ الرَّسُوْلِ ﷺ لَيْسَ كَدُعَاءِ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ يُدْرَجُ تَحْتَ قَاعِدَةِ مَا مُنِعَ سَدًّا لِلذَّرِيْعَةِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِلمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ. (٥) (٦)
وَنَقَلَ الشَّاطِبِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (الاعْتِصَامُ) مِنْ كِتَابِ (التَّهْذِيْب) لِلطَّبَرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى كَثِيْرًا مِنَ الآثَارِ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِيْنَ - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم - كَانُوا يَكْرَهُوْنَ تَقَصُّدَ النَّاسِ لَهُم لِلدُّعَاءِ، وَيَقُوْلُوْنَ لَهُم: (لَسْنَا بِأَنْبِيَاءٍ، أَنَحْنُ أَنْبِيَاءُ؟!). (٧)
- فَائِدَة ٤) فِي مَسْأَلَةِ التَّدَاوِي: قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ﵀ فِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى (٨): (فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ تَنَازَعُوا فِي التَّدَاوِي هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَوْ وَاجِبٌ؟
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مَكْرُوْهٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُبَاحٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَقَدْ يَكُوْنُ مِنْهُ مَا هُوَ وَاجِبٌ وَهُوَ: مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ بَقَاءُ النَّفْسِ لَا بِغَيْرِهِ؛ كَمَا يَجِبُ أَكْلُ المَيْتَةِ عِنْدَ الضَّرُوْرَةِ؛ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْد الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَجُمْهُوْرِ العُلَمَاءِ، وَقَدْ قَالَ مَسْرُوقٌ: مَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ المَيْتَةِ فَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فقَدْ يَحْصُلُ أَحْيَانًا لِلْإِنْسَانِ إذَا اسْتَحَرَّ المَرَضُ مَا إنْ لَمْ يَتَعَالَجْ مَعَهُ مَاتَ، وَالعِلَاجُ المُعْتَادُ تَحْصُلُ مَعَهُ الحَيَاةُ كَالتَّغْذِيَةِ لِلضَّعِيْفِ وَكَاسْتِخْرَاجِ الدَّمِ أَحْيَانًا). (٩)
- فَائِدَة ٥) حَدِيْثُ دُخُوْلِ السَّبْعِيْنَ أَلْفًا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَرْتَبَتَهُم أَعْلَى مِنْ مَرْتَبَةِ غَيْرِهِم مُطْلَقًا، وَذَلِكَ لِمَا فِي الحَدِيْثِ عَنْ رِفَاعَةَ الجُهَنِيِّ قَالَ: صَدَرْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: (وَالَّذِيْ نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ عَبْدٍ يُؤْمِنُ ثُمَّ يُسَدِّدُ إِلَّا سُلِكَ بِهِ فِي الجَنَّةِ، وَأَرْجُو أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ حَتَّى تَبَوَّؤُوا أَنْتُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ذُرِّيَاتِكُمْ مَسَاكِنَ فِي الجَنَّةِ، وَلَقَدْ وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِيْنَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ) (١٠)، وَالشَّاهِدُ مِنْهُ هُوَ فِي قَوْلِهِ (أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ حَتَّى تَبَوَّؤُوا أَنْتُمْ)، فَفِيْهِ بَيَانُ أَنَّ مَنْزِلَةَ الصَّحَابَةِ فَوْقَ مَنْزِلَةِ أُوْلَئِكَ مُطْلَقًا.
- فَائِدَة ٦) مَعْنَى (لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ): أَيْ: لَا رُقْيَةَ أَشْفَى وَأَوْلَى مِنْ رُقْيَةِ العَيْنِ وَالحُمَةِ، نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنِ الخَطَّابِيِّ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى، وَكَذَا قَالَ البَغَوِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (شَرْحُ السُّنَّةِ). (١١)
- فَائِدَة ٧) قَوْلِ المُصَنِّفِ ﵀ فِي المَسْأَلَةِ العَاشِرَةِ فِي قَوْلِهِ (فَضِيْلَةُ أَصْحَابِ مُوْسَى) صَوَابُهُ (كَثْرَةُ) كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِيْن ﵀ فِي كِتَابِهِ (القَوْلُ المُفِيْدُ). (١٢)
_________
(١) البُخَارِيُّ (٦٥٤٣).
(٢) مُسْلِمٌ (٢١٩٦).
(٣) وَالنَّمْلَةُ: هِيَ قُرُوْحٌ تَخْرُجُ فِي الجَنْبِ.
(٤) مُسْتَفَادٌ مِنْ رِسَالَةِ (التَّبَرُّكُ) (ص٢٢٣) لِلشَّيْخِ نَاصِرِ الجديْع.
(٥) وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ القَاعِدَةَ ابْنُ القيَّمِ ﵀ فِي كِتَابِهِ (إِعْلَامُ المُوَقِّعِيْنَ) (١٠٨/ ٢).
(٦) وَذَلِكَ لِأَنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ ﷺ لَيْسَ كَدُعَاءِ غَيْرِهِ.
وَمِثْلُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (٢٥٤٢) عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ﵁؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ يَقُوْلُ: (إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِيْنَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ - وَلَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ - لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبرَّهُ وَ- كَانَ بِهِ بَيَاضٌ - فُمُرُوْهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ)، فَلَمَّا لَقِيَهُ عُمَرُ قَالَ الحَدِيْثَ، ثُمَّ قَالَ (فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ).
وَعِنْدِيْ أَيْضًا وَجْهٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ: وَهُوَ أَنَّ المَنْعَ هُوَ بِاعْتِبَارِ الدَّيْدَنِ وَكَثْرَةِ الطَّلَبِ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا كَانَ عَارِضًا كَمَصْلَحَةٍ أَوْ نَادِرًا، وَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ فِي جَعْلِهِ دَيْدَنًا مَا اشْتُهِرَ عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنَ النَّاسِ بِقَوْلِهِم: (اُدْعُ لَنَا) كُلَّمَا رَآكَ أَوْ فَارَقَكَ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(٧) الاعْتِصَامُ (٥٠١/ ١)، وَقَالَ أَيْضًا ﵀: (وَيَدُلُّكَ عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي فَقَالَ: غَفَرَ لَكَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي فَقَالَ: لَا غَفَرَ اللهُ لَكَ وَلَا لِذَاكَ أَنَبِيٌّ أَنَا؟
فَهَذَا أَوْضَحَ فِي أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ أَمْرًا زَائِدًا؛ وَهُوَ أَنْ يُعْتَقَدَ فِيْهِ أَنَّهُ مِثْلُ النَّبِيِّ، أَوْ أَنَّهُ وَسِيْلَةٌ إِلَى أَنْ يُعْتَقَدَ ذَلِكَ، أَوْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ تَلْزَمُ، أَوْ يَجْرِي فِي النَّاسِ مَجْرَى السُّنَنِ المُلْتَزَمَةِ، وَذَلِكَ يُخْرِجُ المَشْرُوْعَ عَنْ كَوْنِهِ مَشْرُوْعًا، وَيُؤَدِّي إِلَى التَّشيُّعِ وَاعْتِقَادِ أَكْثَرَ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ.
وَقَدْ تَبيَّنَ هَذَا المَعْنَى بِحَدِيْثٍ رَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ؛ فَقَالَ: يَا أَبَا عِمْرَانَ! اُدْعُ اللهَ أَنْ يَشْفِيَنِي، فَكَرِهَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيْمُ وَقَطَبَ وَقَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى حُذَيْفَةَ فَقَالَ: اُدْعُ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَقَالَ: لَا غَفَرَ اللهُ لَكَ. فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَلَسَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: فَأَدْخَلَكَ اللهُ مُدْخَلَ حُذَيْفَةَ، أَقَدْ رَضِيْتَ؟! .... وَهَذِهِ الآثَارُ مِنْ تَخْرِيْجِ الطَّبَرِيِّ فِي تَهْذِيْبِهِ).
(٨) مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى (١٢/ ١٨).
(٩) وَ(التَّدَاوِي عَلَى أَقْسَامٍ:
فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ نَفْعُ الدَّوَاءِ - مَعَ احْتِمَالِ الهَلَاكِ بِتَرْكِهِ - فَالتَّدَاوِي وَاجِبٌ.
وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ نَفْعُ الدَّوَاءِ - وَلكِنْ لَيْسَ هُنَاكَ احْتِمَالٌ لِلْهَلَاكِ بِتَرْكِ الدَّوَاءِ - فَالتَّدَاوِي أَفْضَلُ.
وَإِنْ تَسَاوَى الأَمْرَانِ؛ فَتَرْكُ التَّدَاوِي أَفْضَلُ). اُنْظُرْ مَجْمُوْعَ فَتَاوَى الشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِيْن ﵀ (١٧/ ١٣).
(١٠) صَحِيْحٌ. ابْنُ مَاجَه (٤٢٨٥). الصَّحِيْحَةُ (٢٤٠٥).
وَقَوْلُهُ (صَدَرْنَا)؛ أَيْ: رَجَعْنَا مِنْ غَزْوٍ أَوْ سَفَرٍ.
(١١) شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ (٩٣/ ٣)، شَرْحُ السُّنَّةِ لِلبَغَوِيِّ (١٦٢/ ١٢).
(١٢) القَوْلُ المُفِيْدُ (١٠٨/ ١).
1 / 20