أسواق العرب في الجاهلية والإسلام
أسواق العرب في الجاهلية والإسلام
Maison d'édition
-
Numéro d'édition
-
Genres
ومن القريب المألوف أن يحمل الرحّالون من البلاد التي ينزلونها شيئا من طرائقها في العادات والدين والأخلاق والعروض والأزياء يتحدثون عنه إذا ردتهم أسفارهم إلى بلادهم، فيعجبون منه ذويهم وجيرتهم ممن لم يكن له بتلك البلاد عهد، وما أكثر ما يحاول الإنسان تقليد من يملأ عينه.
أفادت قريش من هذه الرحلات وهذا الاختلاط بالأمم التي سبقتهم، كثيرا من اللباقة والكياسة إلى ما عرفت به من الفصاحة المشهود لهم بها، حتى إن العرب كانت تعرض شعرها على قريش. وعرض علقمة الفحل عليهم شعره فوصفوه بسِمْط الدهر١، وثقفت ألوانا من الدهاء والاحتيال، لا يحسنها إلا من رسخت قدمه في التجارة وأسبابها وضروب تعاطيها، حتى إذا دار الزمان وقضي للعرب أن تكون لهم دولة ذات سياسة داخلية وخارجية، كان أقطاب هذه الدولة وأركانها أولئك التجار الذين يعرفون كيف يتأتون للأمور، ويتلطفون لمواجهة الصعاب وتذليل العقبات وحل المشكلات من أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وأبي سفيان ومعاوية وعمرو بن العاص وزياد والمغيرة، وتلك الطبقة الممتازة من أكابر التجار٢ في الجاهلية
_________
١ الأغاني ٢١/ ١١٢.
٢ من المهم أن نلاحظ هنا أن أكثر تجار قريش أمويون، وقد طال تردادهم ولبثهم في الشام، فاطلعوا على أصول السياسة والحكم، وكان نجاحهم فيما بعد من ثمة.
1 / 116