Les secrets des palais
أسرار القصور: سياسية، تاريخية، غرامية، أدبية
Genres
فتقدم الخصيان فوجدوا فارسا مرتديا حلة ياوران واقفا ينظر إلى الفتاتين المتعانقتين، وكان هذا الفارس صلاح الدين، فلما أبصرته مهرى ورأت السلطان يباغتهما أيضا أفلتت يدها من صديقتها، واحتجبت وراء غيضة ترتجف خوفا، وما إن لمحت عائشة صلاح الدين حتى تقدمت إليه ومدت له يدها فقبلها مرارا، ثم اتكأت على حصانه، وكشفت نقابها عن محياها الجميل تبسم له، وقد رقص فؤادها طربا.
فوقف السلطان خمس دقائق ينظر إلى ذلك المشهد الحبي الذي لم يكن قد شاهده من قبل، ولربما أخذته الغيرة من صاحبه، وحسده على حبه وشغف قلبه بحبيبته، وقد لمحت مهرى ذلك فكادت تذوب غيرة وحسدا.
ثم أقفل السلطان الباب بعنف قائلا: أهكذا تثقف بناتنا المسلمات وأولئك الشبان الذين نرسلهم إلى أوروبا، هم الذين يحملون إلينا هذه العادات المذمومة، ويسمونها التقدم والمدنية فيدوسون شريعتنا المقدسة. قال هذا وسار في طريقه.
فتقدم خصي السلطان الخاص إلى مهرى، وكان قد شاهدها وانتهرها قائلا: أتعرفين «إقبال» هذه؟
فانتفضت مهرى عند سماعها هذا الاسم (إقبال) وأجابت: لا أعرف ماذا تعني بقولك هذا؟ - منذ كم من الزمان هذه الفتاة مقيمة في بيكلربك؟ - لا أعلم بالتمام. - أخطيبة صلاح الدين بك هي؟ - لا أظن. - كيف لا تظنين، أنت صديقتها وخليلتها وموضع سرها، وتجهلين هذه الأمور كلها؟
فصمتت مهرى ولم تجب بحرف. فقهقه الخصي وقال: من الحمق سؤالك؛ لأني عالم بكل شيء، ثم تركها وانصرف.
فوقفت مهرى مبهوتة تنظر إلى ما حولها مفكرة بما شاهدت وما سمعت، وظنت أنها في منام وقد تجاذب قلبها عاملان؛ الصداقة والغيرة؛ إذ إن كلمة واحدة منها كانت كافية لهلاك صديقتها أو لنجاتها، لكن غلبت الصداقة الغيرة، فاستدعت إحدى جواريها المخلصات لها ، وقالت لها: أتحبينني يا زعفران ؟ - لم هذا السؤال مولاتي؟ - أريد منك القيام بخدمة هامة. - مري بما تريدين. - يجب أن تعديني بكتمان السر. - ثقي واطمئني. - يجب أن تكوني حريصة. ارتدي ملاءتك بالعجل، وخذي غرشا بيدك، فإذا سألك أحد إلى أين تخرجين أجيبي أنك ذاهبة لمشترى حلوى. - وبعد ذلك. - فإذا وصلت إلى طريق بيكلر بك المؤدية إلى تشماليجة تيممين بستان فاطمة العجوز. - والدة صديقتك عائشة. - هي بعينها فتدخلين عليها، وتهمسين في أذنها قائلة: أرسلتني مهرى إليك لأخبرك بأن الخصي عليا عالم بكل شيء، وبوجودك في بيكلربك. - أهذا كل ما تريدين؟ - نعم، أتذكرين ما قلت؟ - نعم أذكره جيدا. - العجل العجل يا عزيزتي، وإذا صرت يوما ما سلطانة ...
فوقفت الجارية وقالت: ماذا تعملين لي ...؟ - أتحفك بالهدايا والعطايا ... العجل العجل. •••
وبقي السلطان ذلك النهار بطوله مقطب الوجه، لا شيء يسره ولا المملكة تشغله، فلما غابت الشمس وطلع القمر يرسل أنواره اللجينية على مياه البوسفور، وقد سكن الهواء، وساد السكون قام السلطان إلى شرفة قصره، واتكأ على الحاجز الحديدي مسرحا طرفه في ذلك الفضاء، فانتعش فؤاده وارتاحت نفسه، وإذا به يسمع صوتا حنونا رخيما ساعده سكون الهواء على سماع إيقاعه وألحانه وكلامه جميعا، فرقص له فؤاده طربا واهتزت جوارحه، وكانت الأنشودة غرامية صادرة عن قلب قرحه الحب وبرحه الشوق، فانتصب السلطان وكاد يقطع أنفاسه كي لا تفوته نغمة من أنغامه، ثم نادى خصيه وقال له: تعال واستمع. ما هذا الغناء في البستان؟ - لا بد أنه صوت جارية من جواري حرم والدة جلالتك، فقد دعت السلطانات هذا المساء للعشاء في البستان. - اذهب وجئني بها فقد أعجبني غناؤها.
وانقطع الصوت، فقام الخصي مهرولا إلى أعلى البستان امتثالا لأمر مولاه، فوجد السراري جميعا قد أحطن بمهرى إحاطة الهالة بالقمر، وقد ظللنها بالأزهار والرياحين لحسن غنائها، فلما أطل الخصي صحن به جميعا تعال واستمع غناء مهرى، فأجاب: صوتها أرخم من بعيد. - لا لا هو أرخم بكثير من قريب. - تعالي مهرى لنذهب إلى ما وراء هذه الغيضة فيتحققن قولي، فصحن جميعهن لا بأس اذهبي يا مهرى ، وسنبقى نحن هنا لنرى من المصيب.
Page inconnue