الثاني، وهو أنا نقول: لا تخلو كيف من أن تكون اسْمًا، أو فعلًا، أو حرفًا؛ فبطل أن يقال هي حرف؛ لأن الحرف لا يفيد مع كلمة واحدة، و"كيف" تفيد مع كلمة واحدة، ألا ترى أنك تقول: كيف زيد؟ فيكون كلامًا مفيدًا؛ فإن قيل: فقد أفاد الحرف الواحد مع كلمة واحدة في النداء؛ نحو: يا زيد، قيل: إنما حصلت الفائدة في النداء مع كلمة واحدة؛ لأن التقدير في قولك يا زيد: أدعو زيدًا، وأنادي زيدًا؛ فحصلت الفائدة باعتبار الجملة المقدرة، لا باعتبار الحرف مع كلمة واحدة، فبطل أن يكون حرفًا، وبطل -أيضًا- أن يكون فعلًا؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون فعلًا ماضيًا، أو مضارعًا، أو أمرًا؛ فبطل أن يكون فعلًا ماضيًا؛ لأن أَمثلة الفعل الماضي لا تخلو إما أن تكون على مثال فَعَلَ كـ: "ضَرَبَ"، أو على فَعُلَ كـ "مكث" أو على فَعِلَ كـ "سَمِعَ" و"عَلِمَ" وكيف على وزن فَعْلَ؛ فبطل أن يكون فعلًا ماضيًا؛ وبطل أن يكون فعلًا مضارعًا؛ لأن الفعل المضارع ما كانت في أوله إحدى الزوائد الأربع؛ وهي الهمزة، والنون، والتاء، والياء، و"كيف" ليس في أوّله إحدى الزوائد الأربع؛ فبطل أن يكون فعلًا مضارعًا، وبطل أن يكون أمرًا؛ لأنه يفيد الاستفهام؛ وفعل الأمر لا يفيد الاستفهام؛ فبطل أن يكون أمرًا. وإذا بطل أن يكون فعلًا ماضيًا، أو مضارعًا، أو أمرًا؛ بطل أن يكون فعلًا؛ والذي يدل -أيضًا- على أنه ليس بفعل أنه يدخل على الفعل في نحو قولك: كيف تفعل كذا؟ ولو كان فعلًا لما دخل على الفعل؛ لأن الفعل، لا يدخل على الفعل. وإذا بطل أن يكون فعلًا، أو حرفًا؛ وجب أن يكون اسْمًا، فإن قيل: فعلامة الاسم لا تحسن فيه، كما لا يحسن فيه علامة الفعل والحرف، فلم جعلتموه اسْمًا، ولم تجعلوه فعلًا، أو حرفًا؟ قيل: لأنَّ الاسم هو الأصل، والفعل والحرف فرع، فلما وجب حمله على أحد هذه الأقسام الثلاثة؛ كان حمله على الاسم -الذي هو الأصل- أولى من حمله على ما هو فرع.
فإن قيل: فَلِمَ قُدِّم الاسم على الفعل، والفعل على الحرف؟ قيل: إنما قدم الاسم على الفعل؛ لأنّه الأصل، ويستغني بنفسه عن الفعل؛ نحو قولك: زيد قائم، وأُخِّر الفعل عن الاسم؛ لأنه فرع عليه، لا يستغني عنه، فلما كان الاسم، هو الأصل، ويستغني عن الفعل، والفعل فرع عليه، ومفتقر إليه؛ كان
1 / 42