ما يغير اللفظ دون المعنى، فهو أن تقول: "إن زيدًا قائم" فـ (إنّ) قد غيرت اللفظ؛ لأنها نصبت الاسم، ورفعت الخبر، ولم تغير المعنى؛ لأن معناها التأكيد والتحقيق؛ وتأكيد الشيء لا يغير معناه. وأما ما يغير المعنى دون اللفظ؛ فنحو: "هل زيد قائم"؟ فـ "هل" قد غيرت المعنى؛ لأنها نقلت الكلام من الخبر الذي يحتمل الصدق والكذب، إلى الاستخبار الذي لا يحتمل صدقًا، ولا كذبًا، ولم يغير اللفظ؛ لأن الاسم بعد دخولها مرفوع بالابتداء، كما كان يرتفع به قبل دخولها. وأما ما يغير اللفظ والمعنى، ولا يغير الحكم؛ فنحو ١: اللام في قولهم: "لا يدي لزيد" فاللام -ههنا- غيرت اللفظ؛ لجرها الاسم، وغيرت المعنى؛ لإدخال معنى الاختصاص، ولم تُغيَّر الحكم؛ لأن الحكم حذف النون للإضافة، وقد بقي الحذف بعد دخولها -كما كان قبل دخولها- فلم تغير الحكم، وأما ما يغير الحكم، ولا يغير (لا) ٢ لفظًا، ولا معنى؛ فنحو اللام في قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ ٣. فاللام -هنا- ما غيَّرت لا لفظًا، ولا معنى، ولكن غيرت الحكم؛ لأنها علقت الفعل عن العمل؛ وأما ما لا يغيِّر لا لفظًا، ولا معنى، ولا حكمًا؛ فنحو "ما" في قوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُم﴾ ٤. فـ "ما" ههنا ما غيَّرت لا لفظًا، ولا معنى، ولا حكمًا؛ لأن التقدير: فبرحمة من الله لنت لهم.
[اختلافهم في اسميّة كيف]
فإن قيل: "كيف" اسم أو فعل أو حرف؟ قيل: اسم؛ والدليل على ذلك من وجهين؛ أحدهما: أنه قد جاء عن بعض العرب أنه قال: "على كيف تبيع الأحمرين"٥؟ ودخول حرف الجر إنما جاء شاذًّا؛ والوجه الصحيح هو الوجه
_________
١ في "ط" نحو، والصواب ما ذكرنا من "س".
٢ سقطت من "س".
٣ س: ٦٣ "المنافقون: ١، مد".
موطن الشاهد: "لرسوله". وجه الاستشهاد: مجيء اللام في الآية الكريمة مغيرة للحكم، ولكنها لم تغير اللفظ، أو المعنى.
٤ س: ٣ "آل عمران، ن: ١٥٩، مد".
موطن الشاهد: "فبما" وجه الاستشهاد: مجيء ما زائدة، لم تغير شيئًا يذكر كما جاء في المتن.
٥ موطن الشاهد: "على كيف" وجه الاستشهاد: مجيء كيف اسْمًا؛ لدخول حرف الجرّ عليها؛ غير أنّ هذا دليل ضعيف؛ لأن دخول "على" على كيف شاذّ، يحفظ، ولا يقاس عليه. والأحمران: اللحم والخمر.
1 / 41