Les nuits les moins chères

Youssef Idriss d. 1412 AH
56

Les nuits les moins chères

أرخص ليالي

Genres

وحين واريناه تحت الغطاء كان الشك في موته لا زال يملأ منا النفوس.

الأمنية

كان «البرعي» يتساءل في غبطة وحيرة عن الوجه المليح الذي طالعه في ذلك الصباح، فما كان يعتقد أبدا أن اللحظة التي داخ، وهو ينتظرها قد تأتي هكذا فجأة، وبمثل السهولة التي جاءت بها.

ومع أن «أوضة» التليفون كانت خالية تماما، ودوار العمدة ليس به إنس، والخفير ذهب يفطر وأوصاه بالحجرة خيرا، مع هذا كله، خاف أن يراه أحد، فأطل برأسه من الباب، ونظر هنا وهناك، فلم يجد إلا قوافل الأوز والبط، وهي تروح وتنقنق وتجيء في الشارع الضيق، وديكين نافرين يتعاركان، وكلب ابن عمه الأجرب راقد يتصيد الذباب على مهل مطمئن.

ووارب البرعي الباب، ولف حول المائدة الكبيرة الوحيدة بالحجرة، وقد تشقق سطحها وامتلأ بدوائر الحبر السوداء، ولم يتردد وهو يجلس على الكرسي المتهالك الذي سقط معظم خيزران قاعه، وضايقته الجلسة حتى اضطرته أن يعقص ظهره إلى الوراء كثيرا، وأن يمد رجليه الحافيتين تحت المائدة.

وذكرته جلسته التي لم تخل من عظمة بالشيخ عبد المعطي عامل «التلافون» وهو قاعد على الكرسي، وقد وضع رجلا فوق الأخرى، وخلع العمامة عن صلعته التي لها نعومة الخيار، وأسندها إلى دفتر الأحوال القديم الذي صنع له جلدا من ورق اللحمة الأصفر.

ولم يسترسل البرعي في سرحانه، فالأمنية كانت تلهبه، وصندوق «التلافون» المثبت في الحائط أمامه كان يجذبه بمغناطيس لا يستطيع مقاومته. وهز البرعي رأسه في غبطة فلا شيء الآن يحول بينه وبين رغبته، ولا أحد موجود في الدنيا كلها إلا هو و«التلافون».

وتمطى في دلال وهو يقف، واقترب من الصندوق، وتملى فيه برهة، ودقق في سلكه الفيراني الطويل، وهو ينتهي في الزجاجتين المملوءتين بشيء غريب.

ومد البرعي يده في قليل من الوجل، ونقر على الصندوق. وكاد يضحك وهو يتوقع أن يرد واحد من داخله، ويقول: مين؟ وابتسم وهو يرجع إلى أيام بلاهته وصغره حين كان يسميه «اللفلفون»، ويعتقد أن داخله بني آدم صغير وضعته الحكومة ليكلم الناس.

ولم يضيع وقتا أكثر من هذا في السخرية بنفسه، وإنما مضى يملس على الصندوق الناعم، ويتحسس البوق الذي يبرز من مقدمته كما تبرز شفاتير حسن العبد، وتصل أصابعه إلى الأجراس الموضوعة كأجراس العجلات، فينقر عليها بأظافره، وتنحدر يده إلى السماعة المعلقة بجانب الصندوق، فيلف قبضته حولها، ويمر بيده فوق الحبل الذي يتدلى منها، ويمل هذا، فيرتد إلى الناحية الأخرى، ويلعب بيد التلافون الحريرية السوداء، ويكاد يديرها.

Page inconnue