ولست أدري ما دار في رأسها، فما كنت أرى لها رأسا، وقد حجبه الحمل، كل ما حدث أنها انتظرت قليلا لتتأكد من قبضتها، ثم مضت وهي تغمغم بكلام كثير لم تلتقط أذني منه إلا كلمة «ستي».
ولم أحول عيني عنها، وهي تخترق الشارع العريض المزدحم بالسيارات، ولا عن ثوبها القديم الواسع المهلهل الذي يشبه قطعة القماش التي ينظف بها الفرن، أو حتى عن رجليها اللتين كانتا تطلان من ذيله الممزق كمسمارين رفيعين.
وراقبتها في عجب وهي تنشب قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت في الأرض، وتهتز وهي تتحرك، ثم تنظر هنا وهناك بالفتحات الصغيرة الداكنة السوداء في وجهها، وتخطو خطوات ثابتة قليلة، وقد تتمايل بعض الشيء، ولكنها سرعان ما تستأنف المضي.
راقبتها طويلا، حتى امتصتني كل دقيقة من حركاتها، فقد كنت أتوقع في كل ثانية أن تحدث الكارثة.
وأخيرا استطاعت الخادمة الطفلة أن تخترق الشارع المزدحم في بطء كحكمة الكبار.
واستأنفت سيرها على الجانب الآخر، وقبل أن تختفي شاهدتها تتوقف ولا تتحرك.
وكادت عربة تدهمني وأنا أسرع لإنقاذها، وحين وصلت كان كل شيء على ما يرام، والحوض والصينية في أتم اعتدال، أما هي فكانت واقفة في ثبات تتفرج، ووجهها المنكمش الأسمر يتابع كرة من المطاط يتقاذفها أطفال في مثل حجمها، وأكبر منها، وهم يهللون ويصرخون ويضحكون.
ولم تلحظني، ولم تتوقف كثيرا، فمن جديد راحت مخالبها الدقيقة تمضي بها، وقبل أن تنحرف، استدارت على مهل، واستدار الحمل معها، وألقت على الكرة والأطفال نظرة طويلة.
ثم ابتلعتها الحارة.
الشهادة
Page inconnue