كان هناك أربع طاولات صغيرة في غرفة الطعام، ورجل واحد جالس هناك، يتجرع عصير الطماطم، لم يلتفت إليها. وخرج رجل من المطبخ، ربما يكون زوج المرأة التي قابلتها سابقا. كانت لحيته شقراء رمادية، ونظرته حزينة. سأل ليديا عن اسمها واصطحبها إلى الطاولة التي يجلس عليها الرجل. نهض الرجل، على نحو رسمي، وتعرف بليديا. كان اسم الرجل السيد ستانلي، وخمنت ليديا أن يكون في الستين من عمره. ودعاها هذا الرجل بأدب للجلوس.
دخل ثلاثة رجال بثياب العمل وجلسوا حول طاولة أخرى. لم تصدر عنهم ضوضاء بشكل لافت أو مزعج، ولكنهم فقط دخلوا ونظموا أنفسهم حول الطاولة، محدثين اضطرابا مسليا؛ بمعنى أنه كان ممتعا لهم، وبدوا كأنهم يتوقعون من الآخرين أن يشاركوهم نفس الإحساس. انحنى السيد ستانلي تجاههم انحناءة احترام. كانت بالفعل انحناءة صغيرة، وليست مجرد إيماءة برأسه. ألقى عليهم تحية المساء، ثم سألوه عن المتاح للعشاء، فقال إنه يعتقد أنه الأسقلوب، وفطيرة القرع للتحلية.
قال لليديا: «يعمل هؤلاء الرجال في شركة تليفونات نيو برانزويك. فهم يوصلون كبلات التليفون إلى إحدى الجزر الصغرى، وسيبقون هنا طوال هذا الأسبوع.»
كان أكبر سنا مما خمنت في البداية. لم يظهر هذا في نبرة صوته التي كانت واضحة وأمريكية اللكنة، ولا في حركة يديه، وإنما ظهر في أسنانه البنية المتباعدة الصغيرة، وفي عينيه اللتين اتسمتا بطبقة لبنية رقيقة تعلو قزحيتيه ذواتي اللون البني الفاتح.
جاء الزوج بطعامهم، ثم تحدث إلى العمال. كان نادلا كفؤا، ولكنه كان يتعامل برسمية وبطريقة غير ودية، أشبه بشخص يسير في أثناء نومه، بل في واقع الأمر، كأنه لا يمارس هذا العمل في حياته الواقعية. قدمت الخضراوات في أطباق ضخمة، فبدءوا يخدمون أنفسهم. كانت ليديا سعيدة برؤية كل هذا الكم من الطعام: بروكلي، ولفت مهروس، وبطاطس، وذرة. أخذ الأمريكي قدرا صغيرا من كل صنف وبدأ يأكل بتأن، موحيا بأن الترتيب الذي يرفع به الشوكة المليئة بالطعام إلى فمه لم يكن عشوائيا، وأنه كان يقصد أن يتناول اللفت بعد البطاطس، وأن يقطع الأسقلوب المقلي جيدا - والذي لم يكن كبيرا - إلى نصفين متساويين. رفع رأسه بضع مرات كما لو كان يفكر في قول شيء، ولكنه لم ينطق به. سيطر الهدوء على العمال أيضا الآن، وهم منشغلون بتناول الطعام.
تحدث السيد ستانلي أخيرا وقال: «هل تعرفين الكاتبة ويلا كاثر؟» «أجل.» اندهشت ليديا، لأنها لم تر أي شخص يقرأ كتابا طيلة الأسبوعين الماضيين، ولم تلحظ حتى أي رف للكتب ذات الغلاف الورقي. «هل تعرفين إذن أنها كانت تمضي كل صيف هنا؟» «هنا؟» «على هذه الجزيرة. كان منزلها الصيفي هنا. لا يبعد أكثر من ميل عن المكان الذي نجلس فيه الآن. ظلت تأتي إلى هنا على مدار ثمانية عشر عاما، وألفت العديد من كتبها هنا أيضا. كانت تكتب في غرفة تطل على البحر، ولكن الأشجار نمت الآن وحجبت هذه الإطلالة. كانت بصحبة صديقتها المقربة، إديث لويس. هل قرأت «سيدة ضائعة»؟»
فأجابت ليديا بأنها قرأته. «إنه المفضل لدي من بين جميع كتبها. لقد ألفته هنا. أو على الأقل، كتبت جزءا كبيرا منه هنا.»
كانت ليديا تدرك أن العمال ينصتون لهما، رغم أنهم لم يرفعوا أعينهم عن الطعام. شعرت أنهم حتى دون أن ينظروا إلى السيد ستانلي أو بعضهم إلى بعض ربما يجمعهم الشعور بالازدراء الذي يمكنهم التغاضي عنه. فكرت في أنها لا تهتم ما إن كانت أو لم تكن محط هذا الازدراء، ولكن ربما لهذا السبب لم تجد الكثير لتقوله عن ويلا كاثر، أو تخبر السيد ستانلي أنها تعمل لصالح أحد الناشرين، ناهيك عن كونها هي أصلا كاتبة. أو ربما يكون الأمر فقط في أن السيد ستانلي لم يعطها فرصة كافية لذلك.
قال لها: «لقد كنت معجبا بها لأكثر من ستين عاما.» ثم توقف عن الكلام، ممسكا سكينه وشوكته فوق طبقه. «لقد قرأت لها مرارا، وفي كل مرة يزداد إعجابي بها. ليس بيدي حيلة. ثمة أشخاص هنا يتذكرونها. والليلة سأقابل امرأة، امرأة كانت تعرف ويلا وتحدثت معها. إنها في الثامنة والثمانين من عمرها، ولكنهم يقولون إن ذاكرتها لم تزل سليمة. لقد بدأ الناس هنا يعرفون اهتماماتي؛ ومن ثم عندما يتذكرون شخصا يعرفها يبلغونني ويرتبون لقائي به.»
ثم أردف في نبرة جادة: «سيسعدني هذا كثيرا.»
Page inconnue