قالت ببشاشة: «حسنا، انظري إلى نفسك الآن، لقد حققت النجاح بالفعل!» نظرت إلي، وإلى الحديقة الحجرية وأشجار الزينة والنوافذ الواسعة. كان بيتنا يقع في كابيلانو هايتس على أحد جوانب جبل جراوس. فأضافت: «اسمحي لي أن أقول إنه مكان فخم يا عزيزتي.»
استقبلتها وعرفت ريتشارد بها، فقالت له: «إذن أنت زوجها. حسنا، لن أسألك عن أحوال عملك؛ لأنني أستطيع أن أرى أنها ممتازة.»
كان ريتشارد محاميا، وكان الرجال في عائلته يعملون إما محامين أو سماسرة بورصة. ولم يشيروا قط إلى ما يمارسونه في عملهم بأنه نوع من التجارة، بل لم يشيروا إلى ما يفعلونه في عملهم قط. فالحديث عما تفعله في عملك يعتبر تصرفا سوقيا، كما أن الحديث عن أحوالك المادية كان سوقيا بشكل غير مقبول بالمرة. ولو لم أكن حتى الآن سريعة التأثر بنقد ريتشارد فلربما كنت سأستمتع برؤيتها وهي تقابله بهذا الود مباشرة.
قدمت المشروبات فورا، على أمل أن أفصل نفسي عما يحدث قليلا. كنت قد أخرجت زجاجة من الخمر الإسباني، معتقدة أن هذا ما يعرضه المرء على السيدات العجائز اللائي لسن معتادات على الشراب . ولكن أيريس ضحكت وقالت: «أوه، أريد مشروب جين وماء تونيك مثلكما.»
ثم قالت: «أتذكرين تلك المرة التي زرناكم فيها جميعا في داجليش؟ كان الجو حارا للغاية! وكانت أمك لم تزل تتمتع بأخلاق فتيات البلدات الصغيرة، ولم تكن تسمح بدخول المشروبات الكحولية إلى بيتها؛ رغم أنني لطالما اعتقدت أن أباك قد يوافق على شرب الكحوليات، لو أقنعه أحد بتجربتها. ولم تكن فلورا تشرب الكحول اعتقادا منها أنه أمر لا يصح، ولكن وينيفريد كانت مدمنة له. هل تعلمين أنها كانت تحتفظ بزجاجة شراب في حقيبتها؟ كنا نتسلل إلى غرفة نومها ونأخذ رشفة، ثم نتغرغر بماء الكولونيا. كانت تسمي بيتكم بالصحراء الكبرى. وها نحن نعبر الصحراء الكبرى. ليس معنى هذا أنكم لم تقدموا لنا ما يكفي من عصير الليمون والشاي المثلج لإغراق سفينة حربية، أو إغراق أربع سفن حربية، أليس كذلك؟»
ربما تكون قد لاحظت شيئا عندما فتحت لها الباب - بعض المفاجأة أو الفشل في الترحاب. ربما كانت متهيبة، رغم أنها كانت في الوقت نفسه سعيدة كثيرا بالبيت والأثاث، الذي كان أنيقا وكئيبا، ولم يكن كله من اختيار ريتشارد. أيا كان السبب، كانت نبرة صوتها - وهي تتحدث عن داجليش وأبوي - فيها شيء من التعالي. لا أعتقد أنها أرادت أن تذكرني بموطني ومكانتي. أعتقد أنها أرادت أن تثبت نفسها، وأن تبين لي أن هذا مكانها، أكثر من هناك. «أوه، يا لها من متعة أن أجلس هنا وأنظر إلى إطلالتكم الرائعة! هل هذه جزيرة فانكوفر؟»
رد ريتشارد على نحو غير مشجع: «بوينت جراي.» «حسنا، كان يجب أن أعلم. لقد اتجهنا إلى هناك بالحافلة أمس، ورأينا الجامعة؛ فأنا بصحبة فوج سياحي يا عزيزتي، هل أخبرتك؟ تسع عوانس وسبع نساء أرامل وثلاثة رجال أرامل. لا يوجد بيننا زوجان. ولكن كما أقول، لا يمكن للمرء التنبؤ بشيء أبدا، والرحلة لم تنته بعد.»
ابتسمت، بينما قال ريتشارد إن عليه أن ينقل رشاش الماء. «سنتجه إلى جزيرة فانكوفر غدا، ثم سنبحر بالسفينة متوجهين إلى ألاسكا. سألني الجميع في موطني عن سبب ذهابي إلى ألاسكا، وقد قلت لهم: لأنني لم أزرها قط من قبل، أليس هذا بسبب كاف؟ لا يوجد شخص غير متزوج في الفوج، أوتعرفين لماذا؟ لأنهم لا يعيشون حتى يبلغوا هذه السن! هذه حقيقة طبية. أخبري زوجك؛ أخبريه أنه قام بالعمل الصائب. ولكني لا أنوي التحدث عن عملي. كل مرة أذهب فيها في رحلة ويكتشفون أنني ممرضة يظهرون لي عمودهم الفقري ولوزهم وأيما شيء آخر. يريدونني أن أتفحصهم وأجري لهم تشخيصا مجانيا. وأنا أقول لهم: إنني اكتفيت، وإنني متقاعدة الآن، وأريد الاستمتاع بحياتي. هذا أفضل كثيرا من الشاي المثلج، أليس كذلك؟ ولكن المسكينة اعتادت إنهاك نفسها كثيرا. اعتادت تجميل الأكواب ببياض البيض، أتتذكرين؟»
حاولت إقناعها بالحديث عن مرض أمي، وعن طرق علاج جديدة، وعن تجاربها في المستشفى، ليس فقط لأن هذا كان مشوقا بالنسبة إلي، ولكن لأني ارتأيت أن هذا قد يهدئها ويجعلها تبدو أكثر ثقافة. كنت أعلم أن ريتشارد لم يخرج، وأنه كان متواريا في المطبخ.
ولكنها طلبت عدم الحديث عن عملها. «بياض البيض المخفوق، ثم السكر. أوه يا عزيزتي، كان علينا الشرب باستخدام الماصة، ولكنه كان أمرا ممتعا، والمرحاض الموجود في القبو، وكل ذلك؛ لقد استمتعنا بوقتنا حقا.»
Page inconnue