كان دوجلاس طويل القامة، وكان أكثر الناس يحسبونه هزيلا بغض النظر عن بطنه البارز الذي جد عليه حديثا ولا يتناسب مع قوامه، وربما كان مؤقتا وسرعان ما سيتلاشى. أما شعره، فكان رمادي اللون قصيرا، ربما كي يطمئن له أصحاب المذكرات العجز والمتحفظون. وبالنسبة لي، بدا دوجلاس صبياني الهيئة. لا أقصد أن أوحي بذلك بأنه رجل ذو وجه بريء متورد وخجول، بل ما خطر على بالي كان فورة الشباب الحادة والملامح المتجهمة الواثقة في نفسها، التي عادة ما نراها في صور المجندين في الحرب العالمية الثانية. كان دوجلاس واحدا من هؤلاء، وهو غض لم ينضج بعد. يا للتواضع والرضى المرسومين على تلك الوجوه المقفلة على أسرارها! الوقوع في الحب بالنسبة لهؤلاء الرجال سريع وخاص ومدهش، وكذا استعادة أنفسهم بعد حالة حب. شاهدته إذ قص على جولي قصص الذين يتاجرون في الكتب والصحف القديمة، وكيف أنهم ليسوا رجعيي التفكير وكتومين، كما أشيع عنهم في مخيلة العامة، وليسوا عجزا ثرثارين غامضين، بل هم محتالون يتمتعون بالجرأة وصفات المقامرين وثقة الرجال. وفي هذه الحالة، وكذلك في أية حالة أخرى تتجلى فيها احتمالات كسب المال، يكثر الخداع والكذب والتحايل والتنمر.
قالت جولي: «هذه هي فكرة الناس حيال أي شيء يتعلق بالكتب. وهي الفكرة نفسها التي لديهم حيال أمينات المكتبات. فلتفكرا مثلا في عدد المرات التي نسمع فيها الناس يقولون إن فلانة ليست أمينة مكتبة عادية؛ ألم تجدي في نفسك رغبة في وصف نفسك بهذه الصفة؟»
كانت جولي سعيدة وهي تحتسي خمرها، وكنت أحسب أن شعورها هذا يرجع إلى البراعة التي أبدتها في المؤتمر؛ فهي تتمتع بموهبة في المؤتمرات، ولا تمانع من أن تمد يد العون للآخرين. إن لديها القدرة على التحدث على الملأ في الاجتماعات العامة دون أن يجف حلقها أو ترتعش ركبتاها؛ فهي تعرف متى تكون نقطة النظام مطلوبة في الجلسات والاجتماعات. وتفضل نوعا ما الاجتماعات واللجان والرسائل الإخبارية. لقد عملت لدى رابطة الآباء والمعلمين والحزب الديمقراطي الجديد والكنيسة الوحدوية وجمعيات المستأجرين، ونوادي جريت بوكس (أمهات الكتب). كما وهبت جزءا كبيرا من حياتها للمؤسسات؛ فقالت إن حبها للمؤسسات ربما كان إدمانا، لكنها عندما تكون في الاجتماعات، يترسخ لديها أكثر أن الاجتماعات لها تأثيرات رائعة على الناس؛ فهي تجعلهم يشعرون بأن الأمور ليست كلها عويصة وملغزة كما تبدو.
والآن، في هذا اللقاء، تساءلت جولي من هم أمناء المكتبات العاديون؟ أين يمكننا العثور عليهم؟ في الواقع ربما يعتقد أحدنا أننا بذلنا جهدا خرافيا لمنع انتشار هذه الصورة في عقول الناس.
إذ قالت: «لكن الأسلوب الذي اتبعناه لفعل ذلك ليس محكما؛ فهي مهنة يشغلها الباحثون عن ملاذ.» وهذا لا يعني - بحسب كلام جولي - أن كل الذين يشغلون هذه المهنة يشعرون بالذعر وتعوزهم الحيوية والنشاط. على العكس تماما، فهي مهنة حافلة بالغرائب والعجائب، وشغلها الكثير من الأشخاص الاجتماعيين الواثقين في أنفسهم والذين يحبون جذب الانتباه إليهم.
قال دوجلاس: «والعوانس غريبات الأطوار.»
قالت جولي: «ومع ذلك، لا تزال تلك الصورة سائدة. لقد جاء مدير مركز المؤتمرات وتحدث مع رئيسة المؤتمر صباح هذا اليوم، وسألها إن كانت تريد قائمة بالذين غادروا غرفهم ليلا. هل تتخيلين أنهم يظنون أننا نريد أن نعرف ذلك؟»
قلت: «أليس من المفترض أن نعرف ذلك؟» «أعني رسميا. كيف يحصلون على هذه المعلومات عن الناس على أية حال؟»
قال دوجلاس: «عن طريق الجواسيس. حراس الأخلاق العامة الهواة التابعون لمؤسسة إيه جي بي إم. أنا شخصيا عضو فيها. الأمر أشبه بالعمل كمسئول عن إخلاء الأماكن وقت نشوب الحرائق.»
لم تفهم جولي حديثه، بل قالت عابسة: «أعتقد أنهم الشباب الأصغر سنا.»
Page inconnue