انعطفتا يسارا مرة أخرى أعلى الممر المنحدر. والآن، ظهرت غرفة السيدة كروس في الأفق. كان يفصلهما عنها ثلاثة أبواب.
قالت السيدة كيد على مهل ومشددة على كلماتها كي تخفي انقطاع أنفاسها: «جل ما سأفعله الآن أن أعطيك دفعة. أستطيع أن أعطيك دفعة تساعدك على الوصول إلى باب غرفتك بالضبط.»
فسألتها السيدة كروس بريبة: «أحقا تستطيعين؟» «بلا شك. وعندئذ يمكنك الاسترخاء والاستلقاء على سريرك. خذي وقتك كما تشائين إلى أن تشعري أنك بخير. وبعدها استدعي الفتاة العاملة ، واطلبي إليها إعادة الكرسي إلي.» «ألن تصدميني بأي شيء؟» «شاهدي بنفسك.»
بعدها دفعت السيدة كيد الكرسي المتحرك دفعة محسوبة بدقة وبراعة، فتدحرج إلى الأمام بسلاسة وتوقف حيث قالت بالضبط، في المكان المناسب تماما أمام باب الغرفة. وأسرعت السيدة كروس برفع قدميها ويديها خلال هذه المرحلة الأخيرة الوجيزة من الرحلة، ثم أرختها جميعا. وأومأت برأسها إيماءة رضى واستسلام، والتفتت ودلفت إلى غرفتها دون أية مشكلة.
وفور أن توارت السيدة كروس عن الأنظار، تهاوت السيدة كيد على الأرض وجلست متكئة على الجدار، ومددت ساقيها أمامها على مشمع الأرضية البارد. ودعت ربها ألا يمر أي شخص فضولي حتى تستعيد قوتها، لتبدأ رحلة العودة إلى مهجعها.
قصص الحظ العاثر
كانت جولي ترتدي فستانا مقلما بخطوط وردية وبيضاء وتعتمر قبعة من القش بلون الصوف الطبيعي، تحت حافتها زهرة وردية. كانت القبعة أول شيء لاحظته في مظهرها بينما كانت تمشي بخطى واسعة في الشارع. لوهلة لم أدرك أنها جولي. فعلى مدار العامين السابقين، عشت لحظات من الذهول كلما التقيت أصدقائي في الأماكن العامة. فكانوا يبدون أكبر مما ينبغي. ولكن لم تبد جولي أكبر سنا، بيد أنها لفتت انتباهي بطريقة لم يسبق لها مثيل. كانت القبعة هي ما لفت انتباهي لها؛ إذ جال في خاطري أنها تعطي انطباعا أنيقا، رغم أنه لا يناسبها، وهي تغطي رأس تلك المرأة طويلة القامة صبيانية الطباع. بعدها أدركت أنها جولي، فأسرعت لتحيتها، وجلسنا حول مائدة في ظل شمسية بمطعم على الرصيف حيث تناولنا الغداء.
لم نكن قد تقابلنا منذ شهرين، وتحديدا منذ المؤتمر الذي عقد في شهر مايو. واليوم أنا في زيارة إلى تورونتو، حيث تعيش جولي.
سرعان ما أخبرتني بمجريات الأمور. بدت جميلة وهي جالسة، بملامح وجهها الرقيقة المستظلة بالقبعة، وعينيها الداكنتين اللامعتين.
قالت جولي: «هذا الأمر يجعلني أسترجع أحداث قصة ما؛ أليس ما حدث يشبه إحدى تلك القصص الساخرة التي تنطوي على تحول مفاجئ في الأحداث في نهايتها؟ تلك القصص المشهورة جدا؟ لقد اعتقدت حقا أنني جيء بي لحمايتك . لا ، لا لحمايتك تحديدا، فهذه كلمة سفيهة جدا، لكنني حسبت أن شعورا ما كان يخالجك، ولكنك توخيت الحذر، وهذا ما استدعى وجودي. ألن تصنع هذه الحبكة قصة رائعة؟ لماذا أمست هذه القصص عتيقة؟»
Page inconnue