وهي سكرى ترشف الشهد المداما!
وبودي لو يتم القارئ تلاوتها في الديوان، ليتبين ما فيها من رائع المعاني، وبودي أيضا لو يرجع القارئ إلى قصيدة «الخالق الفنان» فإن فيها معاني تتطلب التفكير، وفيها شعور بالإيمان الصوفي، وبودي أيضا لو يرجع القارئ إلى قصيدة «مسرح الليل» فإنه سوف يجد فيها أفكارا عميقة وخيالات قوية جريئة.
وليس من شك في أن بث الفكر الأصيل في الشعر من سمات كبار الشعراء البارزين، وذلك لأن أصالة الشعر لا تأتي إلا بالفكر الواسع، وأصالة التأمل لا تكون إلا بالذكاء لا بالحواس. يقول جيبو «المفكر الحقيقي هو الفنان الحقيقي»، فالشعر عند إمرسون كان أفكارا، والشعر عند بروننج كان أفكارا عميقة غامضة تحتاج إلى التروي وتقليب الرأي، والشعر عند كولريدج ينزع إلى التفكير.
استمع مثلا إلى قصيدته «ذكريات الحب» التي تطفر بجمال الفكرة وهو يصرخ إلى حبيبته صرخات العاطفة فيصفها بأنها فكرة وأنها حلم يذكر في حلم! يقول:
You stood before me like a thought,
A dream remembered in a dream.
But When these meek eyes first did seem
To tell me, love within you wrought,
O Greta, dear domestic stream.
ولقد خلع أبو شادي على الروح الشعرية رداء منسجما مع هذه الروح وملونا بلونها دون أن يهتم بتجميل القافية ولا بتفخيمها، وجمع في هذا الديوان على الخصوص إلى صفاء الفكرة لطف الديباجة، وإلى براعة الخيال قوة الأداء، وهذا مما يرضي نزعات المحافظين والمجددين على السواء، وأبرز مثال على هذا الشعر الرصين قصيدته «عيش الحر» وهو خطاب حار ناري موجه إلى مساوئ الاستعمار، وقد استهلها بقوله:
Page inconnue