إهداء الديوان
شعر الديوان
دراسات أدبية
إهداء الديوان
شعر الديوان
دراسات أدبية
أنداء الفجر
أنداء الفجر
تأليف
أحمد زكي أبو شادي
Page inconnue
إهداء الديوان
إلى زينب
ربع قرن مضى وهيهات تمضي
شعلة الحب عن وثوب وومض
لم أزل ذلك الفتى في جنوني
وفؤادي بنبضه أي نبض
ذكريات الهوى وأشباحه النش
وى أمامي في كل صحو وغمض
أنا منها فكيف أرتد عنها؟!
مرحبا بالخيال لمسي وقبضي!
Page inconnue
نشرت في السطور بعد احتجاب
كنثير الحيا على زهر روض
فإذا بي أعود طفلا صغيرا
باكيا لاهيا بأنسي وركضي
فاقبلي يا سماء وحيي زهورا
من حياك السخي لا جود أرضي
وأعيدي على الصبا في نظيمي
نظرة الحب ينتفض مثل نفضي
كم شقينا تفرقا وحياء
وخضعنا لحكم دهر ممض
Page inconnue
ورجعنا ننوح نوح يتيمي
ن على ذلك الصبا المنقض
علم الحب ليس غيرك مجدي
في وفاء وليس غيرك خفضي!
يولية سنة 1934
أحمد زكي أبو شادي
تصدير
بقلم محمد عبد الغفور
لا أعرف لذة روحية أشهى لدي من كتابة هذا التصدير للطبعة الثانية من ديوان (أنداء الفجر) - أول دواوين أبي شادي - فقد تجاوبت روحي مع عواطف هذا الشاعر العبقري وأخيلته العلوية تجاوبا هو سر سعادتي النفسية كلما اصطحبت روائعه الساحرة وتمثلت شخصيته الآسرة.
لقد مضى ربع قرن على هذا الشعر الفتي، وأعلم أن أبا شادي هو أول ناقد له، فهو دائم التطلع إلى الكمال ولا يرضى عن آثاره الحاضرة فما بالك بآثاره القديمة، ومع ذلك فآثار الصبا لها جمالها ولها ذكرياتها العذبة وإن اقترنت بالألم الدفين، وإن لم تخل من ضعف ... وإذن فقد أحسن شعراء أبولو الذين ألحوا بإعادة طبع هذا الديوان الصغير، فإن فيه ذكريات عزيزة لا يستطيع أبو شادي نفسه أن يتجاهلها؛ فهو ما يزال يقتات منها، وإن فيها لبذرة من بذور الإصلاح التي كونت مدرسة الشعر المصري الحديث، وإن فيها لدلائل كافية على الشمائل الأدبية والمواهب الفنية التي طبع عليها شاعرنا وضمنت له ما نال من تفوق.
Page inconnue
لا أريد أن أسهب في هذا التصدير فآرائي في شعر أبي شادي معروفة،
1
وسأكتفي بالتنبيه إلى المواضع النقدية البارزة: (1)
يلاحظ بسهولة أن أبا شادي الفتى هو أبو شادي الكهل: شاعر الحب والجمال، ومن الطبيعي أن يكون ذلك من روح الصبا ولكنه روح قوي متصل الأسباب والنوازع حتى الآن. وأبو شادي الفتى يتآمر عليه الحياء (وهو يصرح بذلك في أكثر من موضع في شعره)، ولا يزال هكذا أبو شادي الكهل، ولا ترى شذوذه عن ذلك في شعر كهولته إلا نادرا، وربما لم يكن له شخصيا فضل في مصارعة ذلك الحياء الذي أفسد عليه حياته العاطفية، وهو دائم التسامي في حبه، ولو حاول عكس ذلك فسرعان ما يلتجئ بفطرته ثانية إلى ذلك التسامي. وهذا الديوان الصغير لا يمثل نكبته الغرامية فيما بعد، ولكنه يمثل قلقه أصدق تمثيل في تلك الفترة من حياته. (2)
نرى أن الألم الممض يلج بالشاعر منذ حداثته: وآية ذلك أنه نشأ نشأة حزينة قاسية مبعثها الفرقة بين الوالدين، فذاق ألوانا من الحرمان والهموم واقتات بالكآبة والألم منذ طفولته، وزاده اعتلال صحته في صغره. بيد أنه مثال مجسم للشمم وعزة النفس منذ نشأته، معتدا دائما بها ولكن في غير غرور، شأن الفنان الموهوب الكمالي النزعة. وقضى الشاعر صباه في عهد من القلق السياسي الذي ثارت فيه نفوس الشبان، فنرى آلام الوطنية متوثبة متأججة من بيوت شعره، ونسمع صيحته:
قليل على الأحزان ما انهد من جسمي
إذا كان عيش الحر أشبه بالإثم! (3)
نرى أن ولوع أبي شادي بالمعنويات هو هو منذ حداثته (انظر قصيدته «المعنى الأقدس»)، كما نرى افتتانه منذ نعومة أظفاره بحياة الطبيعة ورموزها - ولا أقول بمشاهدها فقط - متغلبا عليه، ونلمح حبه للاطلاع (انظر قصيدة «موسيقى الوجود»)، وجراءته في التخيل والتعبير (انظر قصيدة «الخالق الفنان»)، وإنسانيته العميقة وتأملاته الفلسفية (انظر «فؤادي» و«مسرح الليل» و«أنداء الفجر» وأمثالها من شعره). وإن كانت نماذج ذلك الشعر بعيدة بطبيعة الحال عن أن تمثل نضوجه الفني الحاضر، ولكنها جميعا لها طابع شخصيته الطليقة القوية. (4)
لا يمكننا أن نحدد شعر أبي شادي فنضعه في قسم معين؛ لأن نفسه طموحة متعددة الجوانب عالمية النظرات، وشواهد ذلك لا تخفى على الناقد حتى في شعر صباه الذي يسبق سنه بمراحل بعيدة.
ولكن لنا أن نقول: إن أبا شادي في شعره لا يخاطب جيله وحده بل يخاطب أجيالا لم توجد بعد ويخاطب الغيب والمجهول، وله شره فكري وروحي فلا يقنع بشيء مما يراه أو مما ينظمه. وهو برغم قوته أمين كل الأمانة للطبيعة، فلا ترى فيه الخيال الفاسد ولا الأوصاف الميكانيكية ولا المغالطات المنطقية ولا المحاكاة التي يلجأ إليها الضعفاء وأهل الصناعة، وإنما تجد روحا جبارة شاملة، عظيمة الشره، قوية الطاقة إحساسا وتفكيرا، طموحة إلى الكمال الفني، تستلهم الوجود بأسره كما تستلهم ملكاتها الذاتية، لا تقنع أبدا بإبداعها وإن عظم ذلك الإبداع، وتشعر دائما بحسرة على ما عجزت عن تبيانه، متناسية ما أنجبته كأنه لا شيء، فتعيش دائما في قلق وظمأ ولهفة. (5)
Page inconnue
نلمح السخط على البيئة في شعر أبي شادي منذ صباه، ونلمح هذا السخط مضاعف الشعلة في دواوين شعره الحديث بعد غيابه الطويل في إنجلترا. ولا عجب في ذلك فقد نشأ شاعرنا من الوجهة الثقافية والنفسية نشأة عالية لم تفسدها المتاعب والهموم العائلية في طفولته وصباه وإن صبغتها بلون قاتم، واتخذ خلقه الإنساني صورا عملية شتى من البر والوطنية والتضحية لازمته منذ نشأته، فكان رجلا ناضجا وهو في سن الشباب. ولبث يعمل ويضحي بينما يقنع كثيرون بالثرثرة والدعابات إلى وقتنا هذا، فيلاقي الوفاء مرة ويلاقي الجحود مرات، وقد صدق عليه قول الأحوص في لاميته المشهورة:
متحمل ثقل الأمور حوى له
سبق المكارم سابق متمهل
وتكون معقلهم إذا لم ينجهم
من شر ما يخشون إلا المعقل
وأراك تفعل ما تقول، وبعضهم
مذق الحديث يقول ما لا يفعل
وما زال على هذا الخلق الفذ النبيل والنشاط العجيب إلى وقتنا الحاضر الذي يحمل فيه على كتفيه من الأعباء العامة ومن خدمة الثقافة العالية ما تنوء دونه الجماعات ... والرجل يبذل دم قلبه وعصارة روحه ونور عينيه ورزقه ورزق أولاده فيما كلف به من مثل عليا، فلا يلاقي في معظم الأحوال غير الإساءات والجحود، بل والمن أيضا من كثيرين ممن غمرتهم ديمقراطيته الأدبية بحبه وإحسانه ومؤازرته الجمة، فلم يعنهم من كل هذا إلا أن يترعرعوا بفضل رعايته، وإلا أن يصعدوا على أكتافه ثم يعضوا اليد الكريمة التي خلقتهم من لا شيء، أو التي أخرجتهم من الظلمات إلى النور ... ولا أتردد في أن أقول غير مدافع: إن أبا شادي الرجل الإنساني والمثالي الشاعر، هو رجل التضحية المنقطع النظير في هذا البلد الذي كثيرا ما اعتز فيه المهرجون وأدباء المقاهي. ولم يحاربه ولن يحاربه إلا المخدوعون وأهل الأراجيف والأدعياء، وحيويته العملية هي حيوية شعره الخالد، وشكواه من البيئة هي شكوى الطعين الغبين الذي مهما شكا فلن يعرف الحقد سبيلا إلى قلبه الطاهر، ولن تنال الأحداث مثقال ذرة من عزمه الفولاذي ولا من نفسه الوديعة القاهرة. •••
هذه هي الصفات النفسية البارزة التي تألف وما يزال يتألف منها شعر أبي شادي، والتي نحييها في شعر صباه كما نحييها في شعر شبابه وكهولته.
وشاعرنا واسع الاطلاع والتجاريب، بعيد الجراءة، كاره للتقاليد الجامدة وإن لم يكن هو من المتجردين، وكل هذا ملموح في غاياته الشعرية وفي أساليبه. وإذا استثنينا زفراته وصرخاته المتكررة في وجه البيئة الجاحدة العاقة، فإننا لا نجد أبا شادي من يعبأ بعد ذلك بالناس إلا من ناحيتين: الناحية المثالية التي يتطلع إليها تطلع الأنبياء للتسامي بالإنسانية، والناحية الفنية المحضة من اتخاذهم مادة كبقية مواد الطبيعة لشعره الحي.
Page inconnue
شعر الديوان
(1) أنداء الفجر
من دموع النجوم، من سهر العا
شق صيغت ومن رجاء الحياة
في حنان ورقة وهي لا تم
لك من عمرها سوى لحظات
في ثغور الأزهار، في ألق العش
ب، وفوق الغصون تحيا وتفنى
وهبت حسنها الضحية للشم
س كأن الفناء للشمس أغنى
Page inconnue
ويعود الفجر الوفي بها بع
ثا ولكن تعود تمضي الضحيه
هي ملك لنا حياة وموتا
وهي بالروح صورة الأبديه (2) الحب والأمل (نظمها الشاعر وهو عليل)
وفى الربيع فحي الحب والأملا
وسائل الذكر إن كان الفؤاد سلا
واحفظ حديث الغواني في أزاهره
واحرص على النفس أن يدنى لها الأجلا
من كل هيفاء إن ماست وإن نظرت
لم تترك القلب إلا حائرا وجلا
Page inconnue
رنت إلي بلحظ ناطق لعب
والسحر إن عز لا أبغي له بدلا
يا رائق الشعر هل بلغتنا نبأ
عن حال من كان لولا العهد مرتحلا
1
يخطو إلى الموت والآلام تلفته
إلى العهود فيثنى جازعا خجلا
ليت الوفي الذي تنسى مروءته
ما عاهد البدر أن يرعاه ممتثلا
إن عاش كانت على التسهيد نضرته
Page inconnue
أو مات أزجى المنى من قبره رسلا
لا يستقر له رأي على سبب
ورب صوت ثنى
2
من همه وجلا
سهل لديه التأسي عن مدامعه
يوم اللقاء، فأما في الوداع فلا!
رأى النعيم هموما في صبابته
وقرب الحسن مثواه له فحلا
ما أجزع الصب يبكيه متيمه
Page inconnue
من الجمال، وما أهناه لو وصلا •••
ودعت همي، وهمي كله أمل
يا رب لحظ ولفظ في الهوى قتلا
مرت كحلم يجاريه الدلال فلا
نمت عليه، ولا أخفت له مثلا
وداعبتني بصوت خافت وبكت
وقربتني وقالت حسبنا جدلا!
الدهر فرقنا، والدهر ألفنا
فانس الذنوب، ولا تعتب لما فعلا
الكون زاه قشيب، والظلام سنا
Page inconnue
والنور كنز معان تبهج المقلا
فاجل القريض وحدث طائرا غردا
وادع النسيم ولحن بعده زجلا
فسرت في الروض من فرط الهوى ثملا
مثلي النسيم بدا من رقة ثملا
والطير دان فلما جئته خطرت
فيه الظنون فخلى إلفه وعلا
والله لست الذي يرضى السهاد له
حتى يخاف، ولكن لست من عذلا
يا طير آلمت نفسي - كلنا دنف
Page inconnue
ما كنت باعدتني لو كنت من عدلا
ويا زهورا كساها من مدامعه
هذا الغمام عقودا نضرة وحلى
ويا شعاعا سحرنا من تألقه
يبكي ويلعب بساما ومقتتلا
ويا نجوما توافينا وما برحت
تفشي حديث الدجى، لا تعرف الخجلا!
ويا أديما جلسنا في بدائعه
يأبى علينا الهوى أن نترك الغزلا
ويا ملاكا يحيينا وما فتئت
Page inconnue
منه اللحاظ سهاما ... ليته غفلا
ويا زمانا نعمنا من نضارته
والأنس وقف عليه دام أم أفلا
ويا ربوعا وقفنا في معابدها
أسرى الجمال، نزف الحب والأملا
لا قلت معنى يروق الشعر جوهره
لو أن بعض نعيمي من هواك خلا! (3) حياتان
أمي (الطبيعة)! في نجواك إسعادي
وفي ابتعادي أعاني دهري العادي
وفي حمى إخوتي من كل طائرة
Page inconnue
وكل نبت نبيل وحيك الهادي
ما بالها هي صفوي وحدها فإذا
رجعت للناس لم أظفر بإسعاد
كأنما الناس أعداء: فبعضهمو
حرب لبعض وحساد لحساد! (4) حظ الناقمين
فؤادي برغم الحادثات كبير
وطرفي وإن عز العفاف كسير
تلين لي الأيام في كل شدة
ولو أن جل الفاتحين أسير
سلخت من الأعوام بضعا وعشرة
Page inconnue
أقيم على دين العلى وأسير
وفي النفس حاجات وفي القلب لوعة
على أن كلي همة ومرير
3
وما انقطعت أسباب أنس ونعمة
ولكن حظ الناقمين عسير! (5) التبرم
يا رب! كيف خلقتني متبرما
بالناس حين وددت هذا الناس
أتراك أنت معلمي، وكأنما
قد عشت في ندم وعشت تواسى! (6) الألوهية
Page inconnue
ملكت قلبا عليلا
جنى الغرام عليه
فراقب الله فيمن
فؤاده في يديه
4
وسائل اللحظ عمن
يذوب شوقا إليه
وسامح العبد يوما
فأنت رب لديه (7) الشاعر المصور (أصلح الشاعر ببراعته صورة حبيبته التي لم يحسن المصور إخراجها)
كذب الضياء على المصور مرة
Page inconnue
أخفى بها المشهود من آياتها
فوضعت في كفي يراعة عاشق
كان البيان يجول في لفتاتها
ونقشت تأثير العيون لأنني
أدرى بوقع السحر من نظراتها (8) قوس قزح
ملهى السماء يرشنا بنثيره
والماء ذوب أشعة وأغاني
والسحب تلعب فيه لعبة صاعد
أو هابط درجا من الألوان! (9) على صفحة الماء
يشق القارب المزهو مثلي
Page inconnue
طريقا في المياه مع ابتهاجي
فيكسر صفحة للماء راقت
ونسمع صوت تكسير الزجاج! (10) إلى سجين القلم (محمد فريد بك)
من كان يدرك في الوجود هواكا
أسفا عليه إذا بكى ولحاكا
لست الذي يجد الحياة بغفلة
ويعاف في بث اليقين حراكا
نفس لديها المجد خدمة قومها
تستعذب الآلام والإنهاكا
تشقى وتضرع أن تموت على هدى
Page inconnue
لا ترهب الأغلال والأشراكا
حجبوا سناك عن العيون وما دروا
أن القلوب خلالهن سناكا
أكرمت نفسك هاديا ومفاديا
شعبا يقيم على الدوام فداكا
والحر أولى أن يجود بنفسه
من أن يروم عن الصواب فكاكا
سيان كنت بنعمة أو نقمة
ما دمت ترضي بالجهاد حجاكا
سيان كنت مقربا أو مبعدا
Page inconnue