166

فقالت في بساطة: وماذا يمنعني؟

فقلت في همسة: هل لي أن أسألك عن نفسك؟ أأنت سعيدة؟ أقصد هل أنت سعيدة بهذه الخطبة؟

فقالت بغير تردد: لم أفكر في هذا.

فقلت في دفعة: في مستقبلك؟ في شركة حياتك؟ أهذا غير جدير بالتفكير؟

فقالت: ثق أني لم أفكر في هذا، كنت في حياة أبي أرى الدنيا كلها من خلال شخصه، وكان وجودي كله منطويا في وجوده، ولما فقدته فجأة ذهلت عن كل شيء حتى عن نفسي، وهذه العاصفة التي تعرفها، متى كنت أجد فراغا للتفكير في أي شيء؟

فقلت في عناد: عندك فكرة عامة على الأقل، أرجو ألا يكون سؤالي تطفلا.

فقالت في حرارة: بل إني أشكرك على اهتمامك، وكنت دائما واثقة في صداقتك.

وشعرت بأن النسيم يحمل إلى صدري إكسير السعادة وقلت في مرح: هذه الحارة تشهد بصداقتي القديمة، أليس كذلك؟

أتذكرين يا منى طفولتك هنا؟ أما تذكرين سوى أن هذه الحارة كانت فسيحة.

فتبسمت قائلة: أذكر أشياء كثيرة. بائعة الفول التي كنت أقلد نداءها، والشحاذ الأسود الذي كنت أفزع منه، وجحش عم إسماعيل الذي كان يأكل الخس من يدي، والرجل الذي كان يصور لنا تماثيل العرائس والخيل من الحلاوة العنبر.

Page inconnue