ودرُّ كبيريَّ اللَّذيْن كلاهما ... عليَّ شفيقٌ ناصحٌ لو نهانيا
ودرُّ الرِّجالِ الشَّاهدينَ تفتُّكي ... بأمريَ ألاَّ يقصروا من وثاقيا
ودرُّ الهوى من حيثُ يدعو صحابهُ ... ودرٌّ لحاجاتي ودرُّ انتهائيا
تذكرتُ من يبكي عليَّ فلم أجدْ ... سوى السيفِ والرُّمحِ الرُّدينيِّ باكيا
وأشقرَ محذوفٍ يجرُّ عنانهُ ... إلى الماءِ لم يتركْ لهُ الدَّهرَ ساقيا
يقوِّدهُ قومٌ وقد ماتَ ربُّهُ ... يباعُ بوكسٍ بعدَ ما كان غاليا
ولكن بأكنافِ السُّمينةِ نسوةٌ ... عزيزٌ عليهنَّ العشيَّةَ ما بيا
عجوزي وبنتايَ اللَّتانِ هما ليا ... وبنتٌ لأيوبٍ تبكِّي البواكيا
صريعٌ على أيدي الرِّجالِ بقفرةٍ ... يسوُّونَ خدِّي حيثُ حمَّ قضائيا
ولمَّا تراءتْ عندَ مروَ منيَّتي ... وخلَّ بها جسمي وحانتْ وفاتيا
أقولُ لأصحابي ارقبوني فإنَّني ... يقرُّ بعيني أنْ سهيلٌ بدا ليا
فيا صاحبيْ رحلي دنا الموتُ وانزلا ... برابيةٍ إنِّي مقيمٌ لياليا
أقيما عليَّ اليومَ أو بعضَ ليلةٍ ... ولا تُعجلاني قد تبيَّنَ شانيا
وقوما إذا ما استلَّ روحي وهيِّئا ... ليَ السِّدرَ والأكفانَ عند فنائيا
وخُطَّا بأطرافِ الرّماحِ مضجعي ... وردَّا على عينيَّ فضلَ ردائيا
ولا تحسداني باركَ اللهُ فيكُما ... من الأرضِ ذاتِ العرضِ أنْ توسعا ليا
خُذاني فجرَّاني ببُردي إليكما ... فقد كنتُ قبلَ اليومِ صعبًا قياديا
وقد كنتُ عطَّافًا إذا الخيلُ أدبرتْ ... سريعًا لدى الهيجا إلى ما دعانيا
وقد كنتُ محمودًا لذي الزَّادِ والقرى ... ثقيلًا على الأعداءِ عضبٌ لسانيا
وقد كنتُ صبَّارًا على القرنِ في الوغى ... وعن شتمي ابنَ الغمِّ والجارِ وانيا
فطوْرًا تراني في ظلالٍ ونعمةٍ ... ويومًا تراني والعتاقُ ركابيا
ويومًا تراني في رحًا مستديرةٍ ... تخرِّقُ أطرافَ الرِّماحِ ثيابيا
وقومًا على بئرِ السُّمينةِ أسمِعا ... بها الغرَّ والبيضَ الحسانَ الرَّوانيا
بأنَّكما خلَّفتماني بقفرةٍ ... تهيلُ عليَّ الرِّيحُ فيها السَّواقيا
ولا تنسيا عهدي خليليَّ بعدما ... تقطَّعُ أوصالي وتبلى عظاميا
ولنْ يعدمَ الوالونَ بثًَّا يصيبهمْ ... ولنْ يعدمَ الميراثَ منِّي المواليا
يقولونَ لا تبعدْ وهم يدفنونني ... وأينَ مكانُ البعدِ إلاّ مكانيا
غداةَ غدٍ يا لهفَ نفسي على غدٍ ... إذا أدلجوا عنِّي وأصبحتُ ثاويا
وأصبحَ مالي من طريفٍ وتالدٍ ... لغيري وكانَ المالُ بالأمسِ ماليا
أرجِّي شبابًا مُطرهمًَّا وصحةً ... وكيفَ رجاءُ الشَّيخِ ما ليسَ لاقيا
عينية لقيط بن يعمر الإيادي:
يا دارَ عمرةَ من محتلِّها الجرعا ... هاجتْ ليَ الهمَّ والأحزانَ والوجعا
تامتْ فؤادي بذاتِ الجزعِ خرعبةٌ ... مرَّت تريدُ بذاتِ العذبةِ البيعَا
بمقلَتي خاذلٍ أدماءَ طاعَ لها ... نبتُ الرِّياضِ تزجِّي وسطهُ ذرعَا
وواضحٍ أشنبِ الأنيابِ ذي أُشرٍ ... كالأقحوانِ إذا ما نورهُ لمعَا
جرَّتْ لما بيننا حبلَ الشُّموسِ فلا ... يأسًا مُبينا أرى منها ولا طمعَا
فما أزالُ على شحطٍ يؤرِّقني ... طيفٌ تعمَّدَ رحلي حيثُما وضعَا
إنِّي بعينيَ إذ أمَّتْ حمولهمُ ... بطنَ السَّلوطحِ لا ينظرنَ منْ تبعَا
طورًا أراهمْ وطورًا لا أبيِّنهمْ ... إذا تواضعَ خدرٌ ساعةَ لمعَا
بل أيُّها الرَّاكبُ المُزجي على عجلٍ ... نحوَ الجزيرةِ مرتادًا ومنتجعَا
أبلغْ إيادًا وخلِّلْ في سراتهمُ ... إنِّي أرى الرأيَ إنْ لم أُعصَ قد نصعَا
يا لهفَ نفسيَ إنْ كانتْ أموركمُ ... شتَّى وأُحكمَ أمرَ النَّاسِ فاجتمعَا
ألا تخافونَ قومًا لا أبالكمُ ... أمسَوا إليكم كأمثالِ الدَّبا سرعَا
أيناءُ قومٍ تآووكمْ على حنقٍ ... لا يشعرونَ أضرَّ اللهُ أمْ نفعَا
أحرارُ فارسَ أبناءُ الملوكِ لهمْ ... من الجموعِ جموع تزدهي القلعَا
1 / 49