ألا ترى أنه ليس يجوز أن تريد واحدًا غير معين من القبيل بقولك رجل، لأن واحدًا لا يكون أقل من واحد عددًا، وليس قصد المتكلم بهذا إلى هذا الغرض، ولا أن يفيد أقل حقر وذل، لكن المراد: قل القائلون لذاك، أي: ما أحد يقول ذاك. فإذا كان الأمر على هذا فرجل يفيد الجنس، وليس سواه بمستغرق، بل هو على طريقة البدل، كأنه قال: قل القائلون لذاك إذا صاروا رجلًا رجلًا. ومعنى: قلّ رجل يقول ذاك، كمعنى: أقلّ رجل، وليس هنا موضع شرحه. والفصل بين الكلمتين أو التسوية إلاّ فيم ذكرناه من حال قولك: إن رجلًا واقع فيهما على حد واحد.
وقد تبين بما ذكرناه من حال قولك: درهمًا من عشرين درهمًا أن كل مميز في الموزون والممسوح والكيل، حاله حال هذا المميز به في المعدود، فاعلمه.
وليس كل ما يفيد الكثرة يفيد الاستغراق، وقد مضى بيان كل موضع من المواضع الذي تناوله كلامنا، فاعلمه.
وقد جاء ما يراد به الجنس مضافًا في كلامهم، فمن ذلك ما جاء في الحديث: ومنعت العراق درهمان وقفيزها، أي إخراجها وغلاتها. وقال الله ﷿:) وإن تعدُّوا نعمة الله لا تُحصوها (وروي عن ابن عباس ﵀ أنه قرأ:) وملائكته (، فإنه قال: كتابه أكثر من كتبه.
فأما ما يفيد الكثرة، ولفظه الواحد، وهي الأسماء المصوغة للجمع، فقد قسمته قسمين عند تفصيل الإجمال الذي صدر به هذا الكلام.
واعلم أن هذه الأسماء على اختلافها، لا تخلو من أحوال ثلاث: أما أن يكون الاسم منها صيغ للقليل خاصة، وأريد بالقليل أدنى العدد، وهي من الثلاثة إلى العشرة، كالنفر، والرهط، والذود، أو يراد به عدد معلوم، كقولهم: صِرْمة، وهجمة، وهُنيدة، وعرْج.
أو يراد به التكثير، وذلك: كقوم ونساء وكليب، وما جرى مجراه، وكل واحد من هذه الأنواع حكمه أن يفيد ما وضع له، فنقول: إن القائل إذا قال: مررت بنفر، أو رأيت رهطًا، أو جزت على ذَوْد، فكل عدد من الثلاثة إلى العشرة يمتُّ بماتَّة صاحبه في أن الاسم وضع له، وأنه يفيده إذا أفاده حقيقة.
فمتى اقترن به ما يخصصه ببعض ما وضع له، كان مفيدًا لذلك على الحقيقة، وإن أطلق إطلاقًا فأول هذه الأعداد متيقن، والباقي ينتهي إليه بدلالة، وإنما قلنا هذا لأن اللفظ صيغ للتقليل، فلما كان مصوغًا للتقليل وكان له فيما يتناوله آخر معلوم، كما أن له أولًا معلومًا، حكم على المتيقن منه هو الأول دون الأوسط، والآخر، لأن الكل لم يخرج عما وضع له الكلمة من التقليل.
وكان الأول متيقنًا، وما عداه ليس بمتيقن، والأخذ بالمتيقن أولى، وليس سبيل هذا سبيل الاسم الذي وضع لأشياء مختلفة، فلا يصرف إلى واحد منها إلاّ بدلالة. ألا ترى أنه ليس من شرط ما اشترك فيه عدة معان أن لا يوضع لواحد منها إلاّ وقد وضع للسائر، سواء حصل لها بواضع واحد أو بواضعين، وإن من شرط هذا تناول كل واحد من الأعداد التي يصلح لها بعد التواضع لواحد منها به لاشتراكها فيما وضع من أجله لذلك الواحد، فهذا سبيل هذه وأمثالها.
وأما إذا قال: مررت بهنيدة، وما يجري مجراها، ففائدته ما وضع له من العدد، لأن هنيدة اسم المائة وما داناها، والعرج اسم للخمس مائة والست مائة إلى الألف وكذلك ما يجري مجراه مما قصر به على عدد، أو على عدد وما يقاربه، وهذا أمره ظاهر.
فأما الجامل والباقر، والضَّئين، والكليب، ففائدته الكثرة، لأن هذه الأسماء وضعت للتكثير، فاعلمه. وكما ليس لها مبلغ تنتهي إليه، فليس لها ابتداء أيضًا. ولكن تتناول ما يكون كثيرًا ولا تختص بعدد، وإن كان كثيرًا إلاّ بدلالة.
وأما ما يفيد الكثرة ولفظه لفظ الجمع، فله أحكام، ونحن نبين القول فيه بما يحضر.
اعلم أن الجمع على ضربين: جمع سلامة، وجمع تكسير، فجمع السلامة هو الذي يسلم فيه لفظ الواحد، وله بناءان، أحدهما ما يكون بالواو والنون أو الياء والنون، والثاني: يكون بالألف والتاء.
وقال سيبويه: وهذا لفظه الجمع بالألف والتاء والواو والنون لتثليث أدنى العدد إلى تعشيره، وهو الواحد. كما صارت الألف والنون لتثنيته ومثناه أقل من مثلثه. ألا ترى أن جر التاء ونصبها سواء، وجر الاثنين والثلاثة الذين هم على التثنية ونصبهم سواء. فهذا يقرب أن الألف والتاء والواو والنون للأدنى لأنه وافق المثنى، انتهت الحكاية عنه.
1 / 42