والثاني كقوله تعالى:) ويعبدون من دون الله ما لا يضرَّهم ولا ينفعهم (، ثم قال:) ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله (، وكقوله) ويعبدون من دون الله ما لا يملكُ لهم رزقًا من السماوات والأرض شيئًا (، ثم قال:) ولا يستطيعون (. ألا ترى أن القرينة أبانت إفادتها الكثرة، وقد جاء من الأسماء المبهمة مجيء هذه.
الأسماء الذي وبابه الخبر، كقوله تعالى:) والذي جاء بالصِّدق (، ثم قال:) أولئك هم (، وفي قوله ﷿:) ومنهم من يستمعون إليك (، وهذا كثير جدًا.
وأما الثاني من القسمة الأولى، وهو ما الأولى به أن يفيد الوحدة والانفراد، ثم إذا اقترن به لفظ أو حال أفاد الشمول والعموم، فذلك نحو: عشرون درهمًا، وما جاءني من رجل، وهل جاءك من خبر، وكقولك: كل إنسان، وأول فارس، وكل رجل، وتقول كذا فكل هذا حكمه في أصل نيته ووضعه أن يكون للجنس، فصار بالعرف الأولى به أن يكون للواحد، ثم اقترن به ما يستدل به على تناوله الكثرة.
وأما الثالث: وهو ما يفيد بلفظه الجنس الذي وضع له، ثم ينصرف إلى الوحدة والانفراد بعلامة تلحقه وتغيير، فأسماء الأحداث، نحو: الضرب، والضربة، والانصراف، والانصرافة، ومن شرطها وشرط سائر أسماء الأجناس أن لا تقف على قليل دون كثير، ولا كثير دون قليل إلاّ بدلالة.
وأما الرابع: وهو ما يفيد الشمول في التنكير على وجه، ويفيده في التعريف على وجه، ثم لا يقع أحدهما موقع الآخر، نحو قولك: كل إنسان يقول ذلك، وكقوله تعالى:) إن الإنسان لفي خسر (، وكقوله ﷿:) إنَّ الإنسان خلقَ هلوعًا (، وكقولك: عشرون درهمًا، وعشرون دينارًا، وعشرون شاة، وعشرون بعيرًا. وكقولك: أهلك الناس الدينار والدرهم، وكثر الشاء والبعير، وكذلك: رب سارق سلم، وكل مذنب وفاسق فله وزره. وكقوله تعالى:) السَّارق والسَّارقة (، وكقوله:) والزاني والزَّانية (. ألا ترى أن معرف هذا الفصل لا يقع موقع منكَّره، وكذلك منكره لا يقع موقع معرفة، وأنه ليس كقولك: مائة درهم، ومائة الدرهم. وكقولك: يعطي خزَّا وقزَّا ودرهمًا ودينارًا، والخز والقز والدرهم والدينار، وقد كان منه ضرب وشتم، والضرب والشتم.
وأما الخامس: وهو ما يفيد الكثرة ولفظه لفظ الواحد، فهي الأسماء المصوغة لجمع، نحو، كل من جزء وبعض، نحو: قوم من رجل، ونساء من امرأة، وإبل من ناقة وجمل، وأولاء من ذا.
والثاني: أن يكون من لفظ المجموع بالاسم المفرد المصوغ للكثرة، وذلك نحو: الجامل من جمل، والباقر من بقر، ونحو: الضئين والكليب، من ضأن وكلب.
وأما السادس: وهو ما يفيد الكثرة ولفظه لفظ الجمع، فذلك كجموع السلامة، نحو: المسلمون والمسلمات. وجمع التكسير، نحو: الفجّار والفسّاق. ولأبنية هذه الجموع تفاصيل وأحكام سننتهي إليها ونفصلها، وهي على الجملة لا تفيد الشمول والكثرة إلاّ بعد تجردها مما يقصرها على الأعداد ويخصصها.
وأما السابع: وهو ما يفيد الشمول في باب النفي ولا يقع في الإثبات البتَّة، وذلك نحو قولهم: ما في الدار ديَّار، وما بها طوريّ، وما بها صافر، ألا ترى أنك لا تقول: بها صافر، وبها طوريّ، وبها ديَّار، فهذا بعض تفصيل ذلك الإجمال، ونحن نشتغل الآن بتبيينه وذكر الأدلة فيه إن شاء الله تعالى.
1 / 34