سأل بعضهم عن الأقحوانة والأسطوانة ما وزنهما، والجواب: أن الأقحوانة النون فيها زائدة، ووزنها افعلانة، ومثلها: الأرجوان والأثعبان، لأنه ليس في الكلام افعلال، ويدل على زيادتها أيضًا أن جمعها: الأقاحي، وتصغيرها: أُقْحية وأسطوانة، وحكي الجرميّ أن كل العرب يقول في جمعها: أساطين، قال: ومن العرب من يقول إذا بني الفعل منها: تسطَّن يتسطَّن، فعلى ما حكى يجوز أن يوزن بأنها أفعوالة، فيكون: أساطين أفاعيل، وتسطن شاهد على أن النون أصلية، ويجوز أن يوزن بأنها: فُعْلُوانة، ويكون أساطين: فعالين، مثل سراحين وضياعين، وقياس فعله حينئذ على أن يقال: تأسَّط، لأن النون تكون زائدة، وحكى أبو زيد، أن العرب تقول إذا صغرتها على طريق الترخيم: سُطَيَّة، وهذا يوجب أن يكون وزنها أُفْعُلانة، والفعل منه تسطَّى.
أنشد لأبي النجم يصف الفرس:
يحثي بجمرٍ خلفه وينجلُهْ ... يقبضُ ما بين المنارِ مِغولُهْ
لمعًا كخفقِ بارق مسلسلُهْ ... في جنبه الطائر ريثَ عجلهْ
قوله: يحثي بجمر: يريد أن الفرس لشدة وطئه للأرض ترى الحصى يتطاير من تحت حوافره، فكأنها الجمر، لأنه يقدح منها النار، والباء من قوله بجمر، مقحمة مفيدة للتأكيد، والمراد: يحثي جمرًا، وينجله: يرمي به إلى خلف، وقوله: يفيض ما بين المنار، يقول: كأنه يجمع ما بين المنار لسرعته، ومغولة: ما يغول به للطريق من عدوه، ومنه قيل للفرس: هو يغول الحزام، ويغتاله: يحوزه، إذا كان عظيم المحزم، وقوله: لمعا كخفق بارق، فيه قلب، يريد: كبرق خافق، يعني تشبيه الإسراع بلمع البرق إذا خفق، والمسلسل: المتصل، وقوله: في جنبه الطائر ريث عجله، يعني أنه إذا قرن به الطائر وقيس إليه كانت عجلة الطائر أبطأ عند هذا الفرس.
مسألة من الغريب
الجَرُّ: السَّحْب، والجرّ: سفح الجبل، والجرّ: جمع الجرة، وفي الحديث نهى عن نبيذ الجرّ، والجرَّة في قولهم: لا أفعل كذا ما خالفت جرَّة وجرة: ما يجتره البعير من كرشه، وما خالفت ما مع الفعل في تقدير مصدر حذف اسم الزمان معه، كأنه قيل: لا أفعله مدة مخالفتها، لأن الجرة تعلو والدرة تسفل، فهو في موضع الظرف.
فأما قولهم: هلمَّ جرَّا، فالمعنى تلوموا في سيركم ولا تجهدوا أنفسكم، أخذ من الجرّ في السَّوْق، وهو أن تترك الإبل ترعى في السير، وجرَّا، انتصب على أنه مصدر في موضع الحال، والمراد: هلم جارين، ومثله: جاء مشيًا، وأقبل ركضًا، والكوفيون يقولون: هو مصدر، لأن هلم معنى جروا، فكأنهم قالوا: جروا جرًا.
مسألة من الأبنية
ذكر الخليل أنه لم يوجد في كلامهم على وزن مفعولاء إلاّ ثلاثة أحرف: معْيوراء، وهي الأعيار، ومَشْيوخاء، للشيوخ، ومعْلوجاء للعلوج، وقد جاء: المعْبوداء، جمع العبد، والمَكْبوراء: جمع الكبير، والمغفوراء جمع الغفور، والمَصْغوراء جمع الصغير، والمَأتوناء جمع الأتان، والمَتْيوساء جمع التَّيْس، والمبغولاء جمع البغل، والمَشْيوحاء: الأرض التي تنبت الشيح، ويقال أيضًا: هم في مشيوحاء من أمرهم، أي في أمر يبتدرونه، وهم في مرموثاء من أمرهم، أي في اختلاط، ويقال: رمث أمرهم، وكذلك هم في مرْجوساء من أمرهم، بمعناه، والمَفْيولاء أولاد الفيل، وأرض مسلوماء، كثير السَّلَم.
مسألة
سأل بعضهم عن قول العرب: ما أُبالي بكذا من أي شيء أخذ، وما معناه؟ والجواب: أنه يجوز أن يكون أفاعل من البلاء، مثل: أضارب من الضرب، والمعنى أنه ليس من النِعَم التي يفاخر بها، ثم أُتُسِع فيه فقيل في كل موضع، وقد تتعدى اللفظة باستعمال ما وضعت له في الأصل إلى غيره، ألا ترى أن قولهم: تعالى، هو تفاعل من العلو، وأنه كان يقوله من كان في رابية أو على جبل لمن كان في حضيض، أو في قرارة أرض، فانتقل بكثرة التداول له واستمرار الاستعمال به حتَّى صار يقوله المُسْتَفِل، وحتى وضع موضع: صِرْ إليَّ، وأقبل نحوي، وعلى هذا يفسر قول الشاعر:
مالي أراكَ دائبا تُبالي ... وأنتَ قد متَّ من الهُزالِ
1 / 14