قرأت بخط الأستاذ المصنف أبي منصور محمد بن عبد الله بن حمشاذ الشافعي النيسابوري، بها رحمه الله قال: سمعت أبا الحسن علي بن عبد الملك الطرسوسي يقول: سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الصيرفي الشافعي يقول: كنا جلوسا حول أبي العباس ابن سريح، فتشاكى قوم الزمان، فقال أحدهم: أيها القاضي، ما من غد يوم إلا وهو أنقص من أمسه! فقال القاضي: قد علمنا أن أشد يوم هو يوم القيامة، فغير مستنكر أن يكون ما قرب من الأشد أشد مما بعد منه.
قلت: هذه نكتة لطيفة صدرت من غواص على اللطائف.
ثم إن ما نطق به هذا الحديث وما في معناه واقع لا يدفعه دافع، وهو من معجزات سيدنا ونبينا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من حيث كونه أخبر عن مغيب أنه سيكون فكان، وذلك أمر مشاهد الشاهد مستغن بإيضاحه عن العاضد.
وأما ما وجد ويوجد من نفحات رحمه الله سبحانه وتعالى في بعض العصور على خلاف ذلك، مثل ما كان في خلافه عمر بن عبد العزيز، وما سيكون في خلافة المهدي رضي الله عنه فذلك من قبيل الخصوص الذي يراد بألفاظ العموم في كلام العرب وغيره.
ومن نظر في علم التاريخ، واطلع على ما تقضى عليه مامضي الأعصار، وما تصرفت عليه أحوال الأمصار، والبقع الآهلة في سائر الأقطار، وجد مصداق الحديث في القديم والحديث، فعظيم ما تعاقب على الدين والدنيا من الغير، على تمادي الآماد والعصر.
أما الدنيا فلقد استمر عليها من تعطل أسبابها وتسفل أربابها، ما تضاعف به عيوب من طلبها، وتظاهرت به حجج من تنكبها.
Page 61