الصّولىّ قال حدثنى يحيى بن على المنجّم قال حدثنى أبى قال: قلت للجاحظ: مثلك فى عقلك وعلمك بالأدب ينشد قول الفزارىّ ويفسّره على أنه أراد اللحن فى الإعراب! وإنما أراد وصفها بالظّرف والفطنة وأنها تورّى (١) بما قصدت له وتتنكّب التصريح به، فقال له:
قد فطنت لذلك بعد، فقلت (٢): فغيّره من كتابك، فقال: فكيف بما سارت به الركبان! قال الصّولىّ: فهو فى كتابه على خطئه.
*** [خبر أسير بنى العنبر فى بكر بن وائل ورسالته إلى قومه وشرح ما فيه من كنايات]
/ ومن حسن اللحن الّذي هو التعريض والكناية ما أخبرنا به أبو الحسن عليّ بن محمد الكاتب قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن دريد الأزدىّ أنّ رجلا من بنى العنبر حصل أسيرا فى بكر بن وائل، فسألهم رسولا إلى قومه فقالوا: لا ترسل إلا بحضرتنا؛ لأنهم كانوا عزموا على غزو قومه، فخافوا أن ينذرهم؛ فجئ بعبد أسود، فقال له: أتعقل؟ قال: نعم؛ إنى لعاقل، قال: ما أراك عاقلا، وأشار بيده إلى الليل فقال: ما هذا؟ فقال: هذا الليل، قال:
أراك عاقلا، ثم ملأ كفّيه من الرّمل فقال: كم؟ فقال: لا أدرى وإنّه لكثير. فقال:
أيّما أكثر؟ النجوم أم النيران (٣)؟ فقال: كلّ كثير، فقال: أبلغ قومى التحية، وقل لهم:
ليكرموا فلانا- يعنى أسيرا كان فى أيديهم من بكر- فإنّ قومه لى مكرمون، وقل لهم:
إن العرفج قد أدبى (٤)، وشكت النساء؛ وأمرهم (٥) أن يعروا ناقتى الحمراء فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملى الأصهب (٦)، بآية ما أكلت معكم حيسا، واسألوا عن خبرى أخى الحارث.
فلما أدّى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد جنّ الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء ولا جملا أصهب، ثم سرّحوا العبد، ودعوا الحارث فقصّوا عليه القصّة، فقال: قد أنذركم،
_________
(١) ت، وحاشية الأصل (من نسخة): «تورى عما قصدت».
(٢) حاشية الأصل (من نسخة): «قلت».
(٣) م: «أم التراب».
(٤) فى حاشيتى الأصل، ف: «العرفج:
جنس من الشوك، وأدبى الرمث إذا أشبه ما يخرج من ورقه الدبا، والدبا: صغار الجراد؛ وحينئذ يصلح أن يؤكل، والرمث: من مراعى الإبل؛ وهو من الحمض».
(٥) فى نسخة بحواشى الأصل، ت، ف:
«ومرهم».
(٦) فى حاشيتى الأصل، ف: «الأصهب: ما اختلط البياض بحمرته».
1 / 16