سمعتُ الجاحظ يقول: السكباجة من جند البلد، لا يُضرب عليها بعث؛ وقال: هي قديمة الصحبة.
وحدَّث ابن المزرَّع أيضًا عن خاله أبي عثمان الجاحظ أنه قال: طلب المعتصم جارية كانت لمحمود بن الحسن الشاعر، المعروف بالورَّاق، وكانت تُسمى نشوى، وكان شديد الغرام بها، وبذل في ثمنها سبعة آلاف دينار، فامتنع محمود من بيعها لأنه كان يهواها أيضًا؛ فلما مات محمود اشتريت الجارية للمعتصم من تركته بسبعمائة دينار، فلما دخلت عليه قال لها: كيف رأيتِ؟ تركتك حتى اشتريتك من سبعة آلاف بسبعمائة؟ قالت: أجل! إذا كان الخليفة ينتظر لشهواته من المواريث، فإن سبعين دينارًا لكثيرة في ثمني فضلا عن سبعمائة. فخجل المعتصم من كلامها.
وذكر يموت بن المزرَّع، قال: وجَّه المتوكل في السنة التي قُتل فيها، أن يُحمل إليه الجاحظ من البصرة فسأله الفتح عن ذلك، فوجده لا فضل فيه، فقال لمن أراد حمله: وما تصنع بامرئ ليس بطائل، ذي شقٍّ مائل ولعابٍ سائل، وفرجٍ بائل، وعقلٍ زائلٍ، ولونٌ حائلٍ! وحدَّث يموت بن المزرَّع " وكان الجاحظ خاله " قال: دخل إلى خالي أُنساس من البصرة، من أصدقائه، في العلَّة التي مات فيها، فسألوه عن حاله، فقال " من الهزج ":
عليلٌ من مكانينِ ... من الأسقامِ والدَّينَ
ثم قال: أنا في هذه العلَّة التي يُتُخوَّفُ من بعضها التلف، وأعظمها نيِّف وتسعون سنة. يعني عمره.
قال يموت بن المزرَّع: كان يطلي نصفه الأيمن بالصندل والكافور لشدَّة حرارته، والنصف الآخر لو قُرض بالمقاريض ما شعر به " من " خدره وبرده.
وحدَّث يموت بن المزرَّع عن خاله الجاحظ، قال: يجبُ للرجل أن يكون سخيًّا لا يبلغُ التبذير، شجاعًا لا يبلغ الهَوَج، محترسًا لا يبلغ الجبن، ماضيًا لا يبلغ القِحَة، قوَّالًا لا يبلغ الهَذَرَ، صموت لا يبلغ العيَّة، حليمًا لا يبلغ الذُّلَّ، منتصرًا لا يبلغ الظُّلم، وقُورًا لا يبلغ البلادة، ناقدًا لا يبلغ الطيش؛ ثم وجدنا رسول الله ﷺ قد جمع ذلك في كلمة واحدة، وهي قوله: " خير الأمور أوساطها ".
فعلمنا أنه ﷺ قد أُوتي جوامع الكَلِم، وعُلِّم فصل الخطاب.
قال المزرَّع: وسمعته " الجاحظ " يقول: رأيت بالبصرة رجلًا يروح ويغدو في حوائج الناس، فقلت له: قد أتعبت بذلك بدنك، وأخلقت ثيابك، وأعجفت برذونك، وقتلت غلامك، فما لك راحةٌ ولا قرار، فلو اقتصدت بعض الاقتصاد! قال لي: قد سمعتُ تغريد الأطيار في الأسحار في أعالي الأشجار، وسمعتُ مُحسنات القيان على الأوتار، فما طربتُ طربي لنغمة شاكرٍ أوليته معروفا، أو سعيتُ له في حاجة.
حدَّثنا يموت بن المزرَّع، نا العباس بن الفرج الرياشي، نا الأصمعي، عن معاذ بن العلاء، قال: سأل رجلٌ أبا عمرو بن العلاء حاجة، فوعده بها، ثم أن الحاجة تعذرت على أبي عمرو فلقيه الرجل بعد ذلك، فقال له: أبا عمرو! وعتني وعدا فلم تنجزه! فقال أبو عمرو: ثمن أولى بالغمِّ؟ قال: أنا. قال: لا بل أنا. قال الرجل: وكيف ذلك أصلحك الله؟ قال: لأني وعدك وعدا، فأُبْتَ بفرح الوعد، وأُبتُ أنا بهمِّ الإنجاز، فبتَّ ليلتك فرحًا مسروراُ، وبتُ ليلتي مُفكرًا مهموما ثم عاق القدر عن بلوغ الإرادة، فلقيتني مُدلًا، ولقيتك محتشمًا.
حدَّثنا يموت بن المزرَّع، قال: حدثنا أبو حاتم سهل بن محمد، قال: أخبرنا العتبيُّ، عن أبيه، قال: استخلف عُتبة بن أبي سُفيان ابن أختٍ لأبي الأعور السُّلمي، على أهل مصر. وكانت له شِدَّةٌ على بعض أهل مصر، فامتنعوا عليه.
فكتب إلى عُتبة، فقدِمها، فدخل المسجد، ورقِي على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: يا أهل مصر، قد كنتم تُعذرون ببعض المنع منكم، لبعض الجور عليكم، وقد وليكم من إن قال فعل، فإن أبيتم درأكم بيده، فإن أبيتم درأكم بسيفه؛ ثم جاء في الآخر ما أدرك في الأول: إن البيعة شائعة، لنا عليكم السمع، ولكم علينا العدل، وأيُّنا غَدَر فلا ذمَّة له عند صاحبه.
فناداه المصريون من جنبات المسجد: سمعًا، سمعًا. فناداهم: عدلًا، عدلًا؛ ثم نزل.
حدث يموت بن المزرَّع، عن ابن الملاَّح، عن أبيه، عن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم، عن موسى بن عبد الله بن حسن، قال:
1 / 12