151

المقدمة في فقه العصر

المقدمة في فقه العصر

Maison d'édition

الجيل الجديد ناشرون

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

١٤٣٧ هـ - ٢٠١٦ م

Lieu d'édition

صنعاء

Genres

ومن طلبه بوضعٍ واقعٍ فهو راجع إلى الأمة ورضاها؛ لأن الحق حقها. فإن رضيت واستتبت المصالح العامة جاز. ومن ولي ولاية حرم عليه تولية غيره لمجرد قرابة أو نسب؛ لأن الولاية على الكفاءة لا على القرابة، ومن فعل أثم وبطل أمره، لمخالفته الأمر المنصوص (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء: ٥٨). والأمانات مفسرة في الحديث بالولايات (١)، فإن قدرت الأمة بمؤسساتها إبطالها، وجب ذلك. فإن عجزت (٢) بينت وأنكرت؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور. فإن كان قريبه من أهل الكفاءة جاز أن يوليه وفقا للشروط الجارية عليه وعلى غيره بلا أثرة، وإن لم يوله فقد يكون من الأولى ذلك في بعض الأحوال؛ لأن المفاسد المترتبة على ذلك من سخط الناس وتذمرهم واقعة لا محالة بحسب الطبيعة البشرية. وقد وجد الأنصار في أنفسهم حينما أعطى رسول الله ﷺ بعض قريش من الغنائم ولم يعطهم وعقدوا جلسة لذلك مع النبي ﷺ (٣).

(١) - قولنا «مفسرة في الحديث ..» أخرجه البخاري برقم ٥٩ من حديث أبي هريرة ﵁ قال بينما النبي ﷺ في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله ﷺ يحدث. فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: أين -أراه- السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله. قال: فإذا ضُيِّعَتِ الأمانة فانتظر الساعة. قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة. (٢) - والعجز هنا شامل للعجز الفردي، أو الجماعي، أو حتى عبر مؤسسات الدولة؛ لغلبة المولى ونفوذه، أو بحيث كان تغييره بوسائل القوة السلمية العليا وهي العصيان المدني والاعتصامات والثورات السلمية الشعبية يؤدي إلى مفاسد أكبر وأكثر، وتتخذ سلما لأهل الفتنة كما وقع مع عثمان فهذا محرم بل يكتفى حينئذ بالبيان والإنكار والاستمرار في ذلك، وإلا فلنتجاوز هذه النقطة خوفا على ما هو أكبر إلى أن يحين وقت التكليف التغييري العام. أما القوة المسلحة لأجل هذا فمحرم قطعا، وهذا ما ينزل عليه قوله ﷺ «سترون بعدي أثرة فاصبروا». (٣) - قولنا «وقد وجد الأنصار في أنفسهم ..» أخرجه البخاري برقم ٣١٤٧ من حديث أنس أن ناسا من الأنصار قالوا لرسول الله ﷺ حين أفاء الله على رسوله ﷺ من أموال هوازن ما أفاء فطفق يعطي رجالا من قريش المئة من الإبل فقالوا: يغفر الله لرسول الله ﷺ يعطي قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أنس: فحدث رسول الله بمقالتهم. فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم أحدا غيرهم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول =

1 / 161