براهين وجود الله
في رأينا أن مسألة وجود الله مسألة «وعي» قبل كل شيء .
فالإنسان له «وعي» يقيني بوجوده الخاص وحقيقته الذاتية، ولا يخلو من «وعي» يقيني بالوجود الأعظم والحقيقة الكونية؛ لأنه متصل بهذا الوجود، بل قائم عليه.
والوعي والعقل لا يتناقضان، وإن كان الوعي أعم من العقل في إدراكه؛ لأنه مستمد من كيان الإنسان كله، ومن ظاهره وباطنه، وما يعيه هو وما لا يعيه، ولكنه يقوم به قياما مجملا محتاجا إلى التفصيل والتفسير.
ونحن نخطئ فهم العقل نفسه حين نفهم أنه مقصور على ملكة التحليل والتجزئة والتفتيت، وأنه لا يعمل عمله الشامل إلا على طريقة التقسيم المنطقي وتركيب القضايا من المقدمات والنتائج وإثباتها بالبراهين على النحو المعروف.
فالعقل موجود بغير تجزئة وتقسيم.
وهو في وجوده ملكة حية تعمل عملا حيا ولا يتوقف عملها على صناعة المنطق وضوابطه في عرف المنطقيين.
وهو في وجوده هذا يقول: «نعم» ويقول: «لا» ويحق له أن يقولهما مجملتين في المسائل المجملة على الخصوص.
وقد يخطئ القول في بعض الأشياء ولا يضمن الإصابة في كل شيء، ولكن الخطأ ينفي العصمة الكاملة ولا ينفي الوجود، فقد يكون العقل المجمل موجودا عاملا وهو غير معصوم عن الخطأ الكثير أو القليل، ولن يقدح ذلك لا في وجوده ولا في صلاحه للتفكير؛ لأن «التقسيم المنطقي» يخطئ أيضا كما يخطئ العقل المجمل في أحكامه المجملة، ولا يقال من أجل ذلك إن التقسيم المنطقي غير موجود أو غير صالح للتفكير.
فإذا قالت البداهة العقلية: «نعم. هناك إله» فهذا القول له قيمة في النظر الإنساني لا تقل عن قيمة المنطق والقياس؛ لأنها قيمة العقل الحي الذي لا يرجع المنطق والقياس إلى مصدر غير مصدره أو سند أقوى من سنده، وقد كان العقل المجمل أبدا أقرب إلى الإيمان أو أقرب إلى قولة «نعم» في البحث عن الله، ولم يستطع التقسيم المنطقي أن يقول: «لا» قاطعة مانعة في هذا الموضوع.
Page inconnue