143

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه الواحد

وهناك طريقة إلى الحقيقة الإلهية من داخل النفس وطريقة إليها من داخل العالم، ولا تغني واحدة منهما عن الأخرى كل الغناء.

ولكن الفريقين يتفقان في طريقة واحدة هي طريقة «الحب الإلهي» الذي يشمل العقل والشعور، فكلهم يلتمس في الحب شفاء من الحيرة وحلا للنقائض واقترابا من الحقيقة التي تحول دونها نوازع البغضاء ومطامع العيش وانحصار النفس في النفس انحصارا يسد عليها منافذ الوجود المطلق العظيم.

كانت لقلبي أهواء مفرقة

فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي

والمعول في جميع العبقريات - لا في العبقرية الدينية وحدها - على المعنى المعبر عنه لا على التعبيرات اللفظية التي ترد على لسان هذا العبقري أو ذاك.

فالشاعر الذي يستهويه صفاء الماء فيقول لنا إن في جوف البحر عرائس تغويه باللمح وتغريه بالوثوب إليه - يعبر لنا عن حقيقة نحسها وإن كذبنا ألفاظه وحروفه.

والموسيقي الذي تستهويه بهجة الربيع ينقلها إلينا بألحانه وأصواته، وإن كانت الرياحين والنسمات والأمواه شيئا غير الأصداء والأصوات.

والعبقرية الدينية ظاهرة في الآحاد - مع ظهور الأديان في الجماعات - فلا شك في دلالتها الجوهرية وإن كانت عباراتها اللفظية محلا للخلاف بل للإنكار في كثير من الأغراض؛ لأننا لم نعرف في نفس الإنسان عبقرية قائمة على العدم، خلوا من المعاني والقيم، فلا يسعنا أن نصرف العبقرية الدينية من عالم الحقيقة أو نصرف دلالتها التي تلح بها على عقولنا وضمائرنا؛ لأن بعض أصحابها تعوزه سلامة البنية أو دقة التعبير أو يشذ بأعماله وأقواله عن عادات الجماعات والأمم، فكل العبقريات - وليست العبقرية الدينية وحدها - سواء في هذه الخصلة، وتبقى دلالة العبقرية في النهاية بعد كل تعقيب وتعليل، ودلالتها التي تلزم من وجودها: أنها تعبر عن حقيقة إلهية من وراء المجاز والرمز والكناية وتعدد الصور والأساليب في التصوير والتعبير.

Page inconnue