الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
Maison d'édition
دار القلم
Édition
الأولى
Année de publication
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
Genres
قال ابن عثيمين: " يعني أخذ، وقَبِل، ورضي من الله كلمات حينما ألقى الله إليه هذه الكلمات. فالكلمات اعتراف آدم وحواء بأنهما أذنبا، وظلما أنفسهما، وتضرعهما إلى الله ﷾ بأنه إن لم يغفر لهما ويرحمهما لكانا من الخاسرين" (١).
قال الشنقيطي: " لم يبين هنا ما هذه الكلمات، ولكنه بينها في سورة الأعراف بقوله: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٢٣] " (٢).
قال البغوي: " التلقي: هو قبول عن فطنة وفهم، وقيل: هو التعلم" (٣).
وقال ابن عطية: " والتلقي من آدم هو الإقبال عليها والقبول لها والفهم.
وحكى مكي قولا: أنه ألهمها فانتفع بها" (٤).
واختلفت القراءة في قوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ﴾ [البقرة: ٣٧]، على وجهين (٥):
أحدهما: ﴿فَتَلَقَّى آدَمَ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٌ﴾، بنصب الاسم ورفع الكلمات. قرأ بها ابن كثير وحده.
والثاني: وقرأ الباقون: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ﴾، برفع الاسم ونصب الكلمات.
وفي قراءة: ﴿فتلقى آدمَ من ربه كلماتٌ﴾، فجعل (الكلمات) هي المتلقية آدم، وقد اعترض الإمام الطبري عليها قائلا: " وذلك، وإن كان من وجهة العربية جائزًا - إذْ كان كل ما تلقاه الرجل فهو له مُتلقّ، وما لقيه فقد لَقيه، فصار للمتكلم أن يُوجه الفعل إلى أيهما شاء، ويخرج من الفعل أيهما أحب - فغير جائز عندي في القراءة إلا رفع " آدم " على أنه المتلقي الكلمات، لإجماع الحجة من القَرَأة وأهل التأويل من علماء السلف والخلف على توجيه التلقي إلى آدم دون الكلمات. وغيرُ جائز الاعتراض عليها فيما كانت عليه مجمعة، بقول من يجوز عليه السهو والخطأ" (٦).
واختُلِفَ في الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربِّه على أربعة أقاويل (٧):
أحدها: قوله ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٢٣] وهذا قول الحسن، وقتادة (٨)، ومجاهد (٩)، وابن زيد (١٠).
والثاني: قول آدم: اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، ربِّ إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، إنك خير الغافرين، اللهم لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، إنِّي ظلمت نفسي، فتُب عليَّ، إِنَّك أنت التوابُ الرحيم، وهذا قول مجاهد (١١)، وروي عن عبدالرحمن بن يزيد بن معاوية (١٢)، نحو ذلك.
والثالث: أن آدم قال لربِّه إذ عصاه: ربِّ أرأيت إن تبت وأصلحت؟ فقال ربُّه: إني راجعك إلى الجنَّةِ، وكانت هي الكلمات التي تلقاها من ربه، وهذا قول ابن عباسٍ (١٣) وقتادة (١٤)، وأبي العالية (١٥)، والسدي (١٦).
(١) تفسير ابن عثيمين: ١/ ١٣٤.
(٢) أضواء البيان: ٣٤.
(٣) تفسير البغوي: ١/ ٨٥.
(٤) المحرر الوجيز: ١/ ١٣٠.
(٥) انظر: السبعة: ١٥٣، والحجة للقراءة السبعة: ٢/ ٢٣.
(٦) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٥٤٢، وكثير ١: ١٤٧، والدر المنثور ١: ٥٩، والشوكاني ١: ٥٨.
(٧) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٥٤١ وما بعدها، والنكت والعيون: ١/ ١٠٩.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٧٩١): ص ١/ ٥٤٦.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٧٨٧): ص ١/ ٥٤٥.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٧٧٤): ص ١/ ٥٤١ - ٥٤٢.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٧٨٨): ص ١/ ٥٤٥.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٧٨٦): ص ١/ ٥٤٤ - ٥٤٥.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٧٧٥)، و(٧٧٦)، و(٧٧٧): ص ١/ ٥٤٢ - ٥٤٣.
(١٤) انظر: تفسير الطبري (٧٧٨): ص ١/ ٥٤٣.
(١٥) انظر: تفسير الطبري (٧٧٩): ص ١/ ٥٤٣.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (٧٨٠): ص ١/ ٥٤٣.
2 / 199