La mère du roman: Les Mille et Une Nuits dans les littératures du monde et une étude en littérature comparée
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
Genres
فلما فرغ دوبان الحكيم من كلامه، سقط الملك ميتا من وقته ...»
حكاية وزير الملك يونان والحكيم دوبان «... وفي غد نصل إلى جبل من حجر أسود يسمى حجر المغناطيس وتجرنا المياه غصبا إلى جهته، فتتمزق المراكب ويروح كل مسمار في المركب إلى الجبل ويلتصق به. لأن الله وضع في حجر المغناطيس سرا وهو أن جميع الحديد يذهب إليه. وفي ذلك الجبل حديد كثير لا يعلمه إلا الله تعالى حتى أنه تكسر من قديم الزمان مراكب كثيرة بسبب ذلك الجبل. ويلي ذلك البحر قبة من النحاس الأصفر معقودة على عشرة أعمدة، وفوق القبة فارس على فرس من نحاس، وفي يد ذلك الفارس رمح من نحاس ومعلق في صدر الفارس لوح من رصاص منقوش عليه أسماء وطلاسم فيها، أيها الملك، مادام هذا الفارس راكبا على هذه الفرس تنكسر المراكب التي تفوت من تحته ويهلك ركابها جميعا، ويلتصق جميع الحديد الذي في المركب بالجبل، وما الخلاص إلا إذا وقع هذا الفارس من فوق تلك الفرس.»
حكاية الصعلوك الثالث «... وكان والدنا قد علمنا حل الرموز وفتح الكنوز والسحر، وصرنا نعالج حتى خدمتنا مردة الجن والعفاريت. ونحن أربعة إخوة ووالدنا اسمه عبد الودود، ومات أبونا وخلف لنا شيئا كثيرا فقسمنا الذخائر والأموال والأرصاد حتى وصلنا إلى الكتب فقسمناها، فوقع بيننا اختلاف في كتاب اسمه أساطير الأولين ليس له مثيل ولا يقدر له على ثمن ولا يعادل بجواهر، لأنه مذكور فيه سائر الكنوز وحل الرموز. وكان أبونا يعمل به ونحن نحفظ منه شيئا قليلا، وكل منا غرضه أن يملكه حتى يطلع على ما فيه. فلما وقع الخلاف بيننا حضر مجلسنا شيخ أبينا الذي كان رباه وعلمه السحر والكهانة، وكان اسمه الكهين الأبطن. فقال لنا: هاتوا الكتاب فأعطيناه الكتاب. فقال أنتم أولاد ولدي ولا يمكن أن أظلم منكم أحدا، فليذهب من أراد أن يأخذ هذا الكتاب إلى معالجة فتح كنز الشمردل ويأتني بدائرة الفلك والمكحلة والخاتم والسيف. فإن الخاتم له مارد يخدمه اسمه الرعد القاصف، ومن ملك هذا الخاتم لا يقدر عليه ملك ولا سلطان، وإن أراد أن يملك الأرض بالطول والعرض يقدر على ذلك. فأما السيف فإنه لو جرد على جيش وهزه حامله لهزم الجيش؛ وإن قال له وقت هزه: اقتل هذا الجيش فإنه يخرج من ذلك السيف برق من نار فيقتل جميع الجيش. وأما دائرة الفلك فإن من يملكها إن شاء أن ينظر جميع البلاد من المشرق إلى المغرب فإنه ينظرها ويتفرج عليها وهو جالس، فأي جهة أرادها يوجه الدائرة إليها وينظر في الدائرة فإنه يرى تلك الجهة وأهلها كأن الجميع بين يديه؛ وإذا غضب على مدينة ووجه الدائرة إلى قرص الشمس وأراد احتراق تلك المدينة فإنها تحترق. وأما المكحلة فإن كل من اكتحل منها يرى كنوز الأرض ...»
حكاية جودر الصياد وأخويه «... ومازالوا سائرين حتى وصلوا إلى جبل، ثم إنه دخل بهم إلى المغارة وبكى وتحسر ونزلت الأمراء والوزراء وتمشوا وراء حاسب حتى وصلوا إلى البئر التي طلع منها. ثم تقدم الوزير وجلس وأطلق البخور وأقسم وتلا العزائم ونفث وهمهم. فإنه كان ساحرا ماكرا كاهنا يعرف علم الروحاني وغيره. ولما فرغ من عزيمته الأولى قرأ عزيمة ثانية وعزيمة ثالثة، وكلما فرغ البخور وضع غيره على النار. ثم قال: اخرجي يا ملكة الحيات ...»
حكاية مغامرات حاسب كريم الدين •••
تغطي أحداث الخوارق بكل مشتملاتها وأنماطها جانبا كبيرا من قصص ألف ليلة وليلة، فلا عجب أنها قد أذكت الخيال لدى كل من قرأها بما فيها من الحكايات التي تحمل الإنسان إلى ما وراء واقعه المحدود المليء بالمشاغل والهموم والأمور الدنيوية.
وأول الخوارق التي يصادفها القارئ في كتاب ألف ليلة هي أمور الجن والعفاريت، فحين يخرج شهريار وأخوه شاه زمان على وجهيهما بعد اكتشاف خيانة زوجتيهما، يصادفان أول الأمور الغرائبية: «جني طويل القامة عريض الهامة، واسع الصدر والقامة، على رأسه صندوق، فطلع إلى البر وأتى الشجرة التي هما فوقها وجلس تحتها، وفتح الصندوق وأخرج منه علبة، ثم فتحها فخرجت منه صبية غراء بهية كأنها شمس مضيئة.» ثم يتكرر ظهور الجن بعد ذلك كثيرا، حتى إن أول حكاية تقصها شهرزاد في سلسلة حكاياتها الكثيرة تتعلق بالتاجر الذي ظهر له عفريت يريد قتله لأن نواة التمرة التي كان يأكلها التاجر قتلت ابن العفريت. وسرعان ما يظهر الموضوع ذاته في قصة الصياد الذي يصطاد قمقما به أحد عفاريت الملك سليمان.
ولا تكاد تخلو قصة من حكايات شهرزاد من وجود الجان، بدرجات متفاوتة، فنحن نجدهم في حكاية الصعلوك الثاني، حيث العفريت جرجريس ابن رجموس ابن إبليس يخطف ابنة ملك جزيرة الأبنوس؛ وفي حكاية البنت الثانية أمينة (قصة الحمال والبنات أيضا) هناك جني وجنية يتخذان شكل الثعبان والحية. أما أكثر أدوار الجن فهي تلك التي يتفق فيها جني وجنية على مساعدة عاشقين من الإنس في الحب والوصال، وقد جاء ذلك في «حكاية نور الدين مع أخيه شمس الدين» إذ يحتال الجني والجنية على إتمام نية زواج ابن نور الدين من ابنة عمه شمس الدين بعد الكثير من المغامرات والأمور المدهشة. ويتم ذلك أيضا وبتفصيل أكثر في حكاية «قمر الزمان مع الملكة بدور»، وهي الأخرى من أكثر الحكايات وصفا لأحوال الجن وطريقة حياتهم والتعامل فيما بينهم. وفي تلك الحكاية، يغضب أحد الملوك على ابنه لرفضه الزواج، فيعاقبه بالحبس حينا في أحد الأبراج، حيث تراه جنية ساكنة فيه اسمها «ميمونة ابنة الدمرياط»، أحد ملوك الجان المشهورين، وتقص الحكاية عنها أنها «طلعت تلك العفريتة من البئر الروماني وقصدت السماء لاستراق السمع. فلما صارت في أعلى البئر رأت نورا مضيئا في البرج على خلاف العادة. وكانت تلك العفريتة مقيمة في ذلك المكان مدة مديدة من السنين ...» وتتعجب العفريتة ميمونة من جمال قمر الزمان حين تراه، وبعدها «مالت عليه وقبلته بين عينيه، وبعد ذلك أرخت الملاءة على وجهه وغطته بها وفتحت أجنحتها وطارت ناحية السماء وطلعت من دور تلك القاعة وصعدت، ولم تزل صاعدة في الجو إلى أن قربت من سماء الدنيا، وإذا بها سمعت خفق أجنحة طائرة في الهواء فقصدت ناحية تلك الأجنحة، فلما قربت من صاحبها وجدته عفريتا يقال له: دهنش، فانقضت عليه انقضاض الباشق. فلما أحس بها دهنش وعرف أنها ميمونة بنت ملك الجن، خاف منها وارتعدت فرائصه واستجار بها وقال لها: أقسم عليك بالاسم الأعظم والطلسم الأكرم المنقوش على خاتم سليمان أن ترفقي بي ولا تؤذيني.»
ومن كل هذا يتبين القارئ أن وصف الجن وعوالمه في ألف ليلة وليلة إنما يتبع أساسا التفسيرات الإسلامية العديدة التي وردت في الكلام عن الجن كما جاء في عدد من الآيات القرآنية، ومن أبرزها تقسيم الجان إلى جان مسلمين وجان غير مؤمنين، مع كل الشروح والإضافات التي أوردها المفسرون منذ نزول القرآن الكريم، مع كل ما دخل تلك الشروح من القصص والتعليقات التي استمدها أصحابها من الكتب السابقة، ومن بينها الإسرائيليات. وقد أدى ذلك إلى أن أصبحت حكايات الجن في ألف ليلة وليلة عالما قائما بذاته لا يشبه عالم الجنيات الذي امتلأت به القصص والأساطير الغربية والشرقية الأخرى غير الإسلامية. ومن هنا يحق القول بأن حكايات ألف ليلة هي نبع عربي إسلامي، ويدحض مزاعم المحدثين الذين يدعون أن قصصها يمكن أن تكون من خيال المترجمين الأوائل، فمهما كان من الحذق الذي توخاه هؤلاء المترجمون، فإن تلك الروح العربية الإسلامية، وتلك المسحة الخيالية التي تتنفس تراثا وعوالم عربية إسلامية، لا يمكن إلا أن تتبدى في كل عبارة ومشهد من قصص ألف ليلة وليلة، خصوصا في تلك الحكايات التي تعتمد تراثا عربيا وإسلاميا لا يمكن إغفاله.
وتمضي قصة قمر الزمان والملكة بدور في إطار من التنافس بين الجنية ميمونة والعفريت دهنش على جمال قمر الزمان وبدور، وعلى أيهما أكثر فضيلة من الآخر، ويستخدمان قدراتهما الجنية في التنقل بالحبيبين من مكان إلى آخر في لمح البصر، وفي تدبير الأمور والتدخل في خطط بني الإنسان كيما يحققان في النهاية اللقاء بين قمر الزمان والملكة بدور بعد الكثير من المغامرات وتقلبات الدهر.
Page inconnue