La mère du roman: Les Mille et Une Nuits dans les littératures du monde et une étude en littérature comparée
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
Genres
لم يلتفت النقاد العرب كثيرا إلى رواية نجيب محفوظ التي تحمل هذا العنوان رغم صدورها عام 1988م، ونشرها بالإنجليزية في مطلع عام 1995م، رغم أنه قد صدرت دراسة مسهبة عنها بقلم الدكتورة وفاء إبراهيم تناولتها بتحليل فلسفي رائع.
والرواية في اعتباري واحدة من أهم روايات الأستاذ، إذ يتمثل فيها جماع ما دأب على تصويره في معظم رواياته وقصصه. فقد تناول المؤلف كتاب ألف ليلة وليلة واختار منه حكايات بعينها جعلها تقوم بمثابة «تناص» لما يقدمه هو من حكايات جديدة، تنويعا عليها. وقد قال «الأستاذ» في أحاديثه مع محمد سلماوي:«لقد قرأت ألف ليلة وليلة عدة مرات وفتنتني قصصها، ولقد أردت أن أصنع منها رواية متكاملة.»
وقد تناول محفوظ في روايته قصة ألف ليلة بدءا من نهايتها في الكتاب الأصلي، حين يعفو شهريار عن شهرزاد. ولكننا نعرف أن شهرزاد غير راضية في نهاية الأمر، فقد تحملت فوق طاقتها كي توقف شلال الدماء وترحم العذارى البريئات من قسوة شهريار. ثم يقدم المؤلف «لوحات قصصية» تحمل كل منها اسما من الأسماء المشهورة في حكايات ألف ليلة، ولكن بتصوير جديد؛ بينما يحلق فوق كل الشخصيات، الشخصية المحببة لدى نجيب محفوظ: شخصية الدرويش الصوفي، وهو هنا الشيخ عبد الله البلخي الذي يهيمن على أحداث الرواية وحياة شخصياتها من بعيد أو قريب. ويضارع المؤلف الكتاب الأصلي في عجائبه وغرائبه، فهناك عفريتان، قمقام وسنجام، يتسلط كل واحد منهما على أحد البشر. فقمقام يأمر التاجر صنعان الجمالي بقتل الحاكم علي السلولي ليتخلص من سحره الأسود، بينما سنجام يأمر جمصة البلطي كبير الشرطة بقتل الحاكم الجديد كي يخلص الناس من ظلمه. ويضطر جمصة إلى قتل الحاكم، ويقبض عليه ويعدم، بيد أنه يبقى على قيد الحياة بعد أن يفصل السياف رأسه عن جسده، ويراقب كل ما يجري من أحداث بعد أن يتحول إلى شخص آخر يتمثل في جسد «عبد حبشي مفلفل الشعر خفيف اللحية ممشوق القوام»، واشتغل حمالا وتسمى باسم عبد الله الحمال.
وهكذا تتوالى الشخصيات التي تحمل أسماء شخصيات معروفة في ألف ليلة، فنحن نجد بعد الحمال، نور الدين ودنيازاد، حيث يضيف نجيب محفوظ في روايته حكاية لدنيازاد أخت شهرزاد، فهي كان دورها هامشيا في الكتاب الأصلي بعد أن أدت دورها كطالبة للقصص ومستمعة لها مع شهريار، وحان دورها لتدخل في قصة من قصص الكتاب، يلعب فيها الجنيان قمقام وسنجام دورا مهما في مواجهة جني وجنية شريرين هما سخربوط وزرمباحة، اللذين يمثلان الكفر والشر في عالم الجن، فهما يعيثان فسادا في حياة دنيازاد، إذ يزوجانها بنور الدين ليلة واحدة ثم يفرقان بينهما، فلا يدري أي منهما أكان الزواج واقعا أم خيالا، إلى أن تحمل دنيازاد فتتيقن من الأمر وتقص حكايتها على أختها شهرزاد، ويتبادلان الحديث التالي ذا الدلالة العميقة: - « أي عقل يقبل قصتك؟ - هذا ما أحدث نفسي، إنها قصة شبيهة بقصصك العجيبة. - قصصي مستوحاة من عالم آخر يا دنيازاد.»
وهكذا تتداخل القصص، ويتداخل الخيال مع الخيال، ويدخل الملك شهريار في تلك الحكاية، فينتاب شهرزاد القلق من أن تعود إليه وقائع خيانة النساء، رغم امتلاء حكايات شهرزاد بها، ولكنه - كما تقول الأم: «قد تعجبه الحكايات وهي بعيدة، أما أن تقتحم داره وتتعامل معه فشيء آخر، قد تعاوده وساوسه.» ولكن القصة تنتهي على خير بفضل تدخل جمصة البلطي الذي تحول إلى عبد الله الحمال ثم إلى مجذوب صوفي تنسب له المعجزات. وتتوالى قصص ليالي ألف ليلة، أنيس الجليس، وعلاء الدين أبو الشامات، ومعروف الإسكافي، بنظرات جديدة، وفي إطار مستمر من صعود الحكام وأصحاب السلطة وهبوطهم، وتجوالات السلطان شهريار مع وزيره دندان؛ فكأن نجيب محفوظ قد نقل السلطنة من مكانها الأصلي في فارس، إلى بغداد، حيث يقوم شهريار ودندان بما كان يقوم به هارون الرشيد ووزيره جعفر البرمكي. بل إن أحداثا معينة تقع في ألف ليلة وليلة الأصلية في محضر الخليفة العباسي ووزيره البرمكي وسيافه مسرور، تقع في كتاب محفوظ في محضر شهريار ووزيره دندان وسيافه الخاص. ويلعب شهريار دورا أكبر في رواية محفوظ، إذ هو يصادف السندباد في الواقع، الذي يحكي للسلطان في لوحات متتابعة رحلاته المتعددة والحكمة التي خرج بها من كل رحلة منها، وهي تبدو في شكل نصائح مقدمة إلى الملك، مثلما فعل بيدبا الفيلسوف مع دبشليم ملك الهند في كليلة ودمنة. وينتهي الأمر بشهريار إلى إدراك مدى الإثم الذي اقترفه حين كان يقتل الفتيات ليلة وراء ليلة بعد زواجه منهن، ويعبر عن ندمه ورغبته في التوبة، لدرجة أن يرق له قلب شهرزاد وتشعر أنها قد بدأت تحبه أخيرا حبا صادقا وليس عن خوف أو رهبة.
ولكن الأمور تتطور، ويهجر شهريار العرش والجاه والمرأة والولد (قارن رواية الشحاذ أيضا) ويخرج ملتمسا تربية جديدة لروحه وعقله، في سياحة توازي سياحة السندباد. وفي البرية، يجد نفسه في حضرة قوم يسمون «البكاءون». ويتضح أنهم مجموعة من الناس منهم من يعرفه، يمضون ليلهم على ذلك الحال، قبل أن يعودوا مع الصباح إلى دار العذاب، أي حياتهم اليومية. وتقوده قدماه بعد رحيلهم إلى مكان مسحور، يجد به بركة صافية يستحم فيها فيعود شابا من جديد، وإذا هو في مدينة ليست من صنع البشر، كأنها الفردوس، أو المدينة الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة. ويتزوج شهريار من ملكة المدينة التي كانت وشعبها في انتظاره، ويخرج معهم من قبضة الزمن؛ فما يبدو لشهريار أياما معدودة هو مائة عام. وتنتهي الرواية بنصيحة الملكة الفردوسية لشهريار : «ستعرف السعادة الحقيقية عندما تنسى الماضي تماما.» (ويا لها من نصيحة تتناقض تماما مع مسعى مارسيل بروست في استعادة الماضي على نحو تفصيلي!)
وقد نجح محفوظ في تناول مادة ألف ليلة وليلة ليصور بها موضوعا أثيرا لديه، هو الصراع بين الخير والشر، بين الروح ومتطلباتها والجسد ومتطلباته. ونرى الحكام والولاة وأصحاب الشرطة ومواليهم يمرون مرور الكرام، في صعود وهبوط، حافين بالأحداث والشخصيات، على نحو يجعل القارئ يخرج في النهاية برؤيا عن مدى هشاشة الحياة الإنسانية، وتداخل عوامل الخير والشر فيها بصورة يصعب معها التمييز الصحيح، ويخرج القارئ كذلك بفكرة أنه لا جديد تحت الشمس، حتى مع كل هذه الأحداث والغرائب، وأن الخير والشر قوتان موجودتان في الكون والخلائق، وتوازنهما معا يصنع الحياة يوما وراء يوم. وبذلك أحال نجيب محفوظ ألف ليلة وليلة من كتاب حكايات إلى رواية عن الوجود وأسراره.
ومن ناحية أخرى، اعتمد نجيب محفوظ على بعض شخصيات وروح العمل الأصلي لألف ليلة وليلة لإذكاء حياة جديدة مختلفة فيها. فرغم أن رواية محفوظ تحدث وقائعها في مدينة إسلامية في العصور الوسطى، فسيجد القارئ فيها أشياء معاصرة للغاية. فهي تصور بلدا ينخر فيه الفساد، وصاحب الشرطة مشغول دوما بالأنشطة السرية لمن يدعون «الخوارج» وألقاب أخرى، الذين يسعون إلى تغيير نظام الحكم (قارن بالجماعات السرية الحالية في بلدان كثيرة وفي أماكن مختلفة من العالم). كل هذا وشهريار وشهرزاد ودنيازاد (والوزير دندان) يدخلون إلى مسرح الأحداث الفعلية في القصة، وليسوا مجرد مستمعين لها كما في العمل الأصلي.
وهكذا وفرت تركيبة كتاب ألف ليلة لمحفوظ وسيلة قيمة لتقديم القضايا الأخلاقية والسياسية لعصره، منتقدا عيوب المجتمع الذي يعيش فيه بكل ما يتضمن من صور النفاق والفساد والتسلق الاجتماعي والاقتصادي. وقد ترددت في جنبات الرواية أصداء لروايات أخرى محفوظية، منها الشحاذ والطريق، حيث أبطالهما ينشدون الحقيقة والتوبة كما ينشدهما شهريار ، والحرافيش، التي يتوالى فيها الفتوات الذين يحاولون تحسين الأوضاع فتنتهي الأوضاع بإفسادهم والتهامهم، وكذلك العمل الملحمي «أولاد حارتنا» حيث الشر دائما يصارع الخير، بأمل الخروج أخيرا إلى يوتوبيا يسود فيها الخير والرفاه والعدل للجميع، والتي لن تتحقق إلا بتحقيق التوازن في كل منحى من مناحي الحياة. (2) ألف ليلة وليلتان
وهو عنوان رواية الأديب السوري هاني الراهب الصادرة عن دار الآداب عام 1988م. ومن المناسب البدء باقتباس الملاحظة التي قدم بها المؤلف روايته: «إن اختلاط الأزمنة في الرواية مقصود به الإشارة إلى استمرار عالم ألف ليلة وليلة العربي خلال ألف سنة وسنة، وإن هذا الاستمرار بلغ ذروته عام 1967م عبر هزيمة حضارية أزاحت العرب عن طرف الزمن ووضعتهم في الليلة الثانية بعد الألف: وهذا الزمن الجديد الذي تنتهي الرواية ببدايته سيكون سدة رواية قادمة.» وقد أحسن المؤلف بالتنبيه إلى ذلك، فأحداث الرواية تتابع دونما فصل بين المواقف والشخصيات، في تدفق طبيعي يظهر تطور الأحداث وتفاعل شخصيات الرواية معها.
Page inconnue