La mère du roman: Les Mille et Une Nuits dans les littératures du monde et une étude en littérature comparée
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
Genres
ففي إسبانيا العربية، تواجدت أربع لغات عاشت جنبا إلى جنب: العربية الفصحى ويستخدمها أهل الأدب والعلوم؛ والعربية الجارية التي تستخدم في الإدارة والمعاملات الحكومية والتجارية؛ واللاتينية التي يستخدمها رجال الكنيسة؛ والرومانسية التي يستخدمها عامة الناس. وحتى القرن الثالث عشر، كانت اللغة الرومانسية تنقسم هي الأخرى إلى لهجات أربع: القشتالية في وسط إسبانيا، والقطلونية في شرقها، والجليقية في الشمال الغربي، والبرتغالية في الغرب. وكان المسيحيون الإسبان متأثرين باللغة العربية وآدابها خاصة الشعر منذ أقدم العصور ، ودليل ذلك المقولة الشهيرة لكاتب مسيحي يدعى ألفارو تناقلتها الكتب منذ عام 854م والتي يقول فيها: «إن شبابنا المسيحيين، برغم تكلفهم اللطف والكياسة وحسن البيان وطلاقة اللسان، إنما كانوا يسترعون الأنظار بحسن هندامهم وحسن تصرفهم فيما يعرض من الأمور، وبما عرف عنهم من حسن الأدب ودماثة الخلق، وبتشبعهم بالبلاغة العربية، نراهم يتناولون كتب الكلدانيين (يعني المسلمين) منهم، ويطالعونها بلهف ويناقشونها في حماسة وغيرة، ويشيدون بذكرها، ويمتدحونها بكل ضروب التنميق في اللفظ وحسن البيان، على حين أنهم لا يفقهون شيئا من جمال الأدب الكنسي، ويحتقرون جداول الكنيسة التي تنساب إليها من الجنة. وا أسفاه! لقد جهل المسيحيون نظم شريعتهم، وأصبحت الأمم اللاتينية لا تعير لغتها اهتماما، حتى لا تكاد تجد في جماعة المسيحيين كافة رجلا من كل ألف رجل يستطيع أن يستفسر عن صحة صديق بعبارات واضحة جلية، وأنت واجد بين جمهرة السوقة والعامة أشخاصا لا يحصى عددهم، يحيطون إحاطة تامة بالعبارات الفصيحة التي خلفتها اللغة العربية في عصورها الذهبية، حتى لقد استطاعوا أن ينظموا القصائد المقفاة - تلك القصائد التي يتجلى فيها أسمى مراتب الجمال، بل كان بعضهم أمهر من العرب أنفسهم في قرض الشعر.» (عن كتاب توماس آرنولد «الدعوة إلى الإسلام» ترجمة الدكتور حسن إبراهيم حسن والدكتور عبد المجيد عابدين والأستاذ إسماعيل النحراوي).
ومنذ بداية القرن التاسع، أصبح المسيحيون في إسبانيا ممن ينتهجون الطرق العربية في الحياة والثقافة يسمون بالمستعربين
MOZARABES ، من لفظة مستعرب أي الذي يتمثل اللغة والعادات العربية. وقد نشأ نوع من الأدب الهجين يسمى الأدب العجمي
ALJAMIADO ، تستخدم فيه لغة رومانسية مكتوبة بأحرف عربية. وقد تم في أوائل القرن العشرين العثور على مجموعة من المخطوطات مكتوبة بتلك الطريقة مخبوءة في أرضية بيت قديم في أراغون درءا لأعين رجال محاكم التفتيش. ومن أمثلة الأدب العجمي كتاب يسمى «قصيدة يوسف»، لغته هي الرومانسية التي كانت مستخدمة في أراغون، ومكتوب بحروف عربية. والقصة مستمدة من القرآن الكريم ومن كتب قصص الأنبياء العربية.
وفي عصر مملكة غرناطة نبغ اثنان من المستعربين الإسبان تركا أثرا بالغا في الأدب الإسباني المقارن، أولهما القس الدومينيكي «رايموند مارتين» الذي كان يتقن العربية والعبرية وكتب مؤلفات في الأخرويات تنبئ عن تأثره بالكتابات العربية في ذلك الموضوع. والثاني هو العالم المشهور «رايموند لول» (1233-1315م) الذي كان يكتب بالعربية والقطلونية في موضوعات الصوفية والأخرويات، وله كتاب عن الحب العذري وآخر عن الفروسية، وكلها من الموضوعات التي كتب فيها العرب في إسبانيا. وكتابه عن الفروسية وطبقاتها موجود بالقطلانية والفرنسية القديمة والإنجليزية الوسطى والاسكتلندية، مما يدل على المدى الذي بلغته تلك المخطوطات في الوصول إلى جميع أنحاء العالم الأوروبي آنذاك وتأثره بها.
ويرجع إلى ذلك العصر ظهور لسان الدين ابن الخطيب الذي أرخ لغرناطة وتاريخها وآدابها، كما أنه كتب مقامات يتخللها الكثير من الأشعار، ويشتهر بجمعه عددا من الموشحات والأزجال الإسبانية الأولى التي كتبت باللغات العربية والعبرية والرومانسية. وقد ظهرت في ذلك العصر أوائل المؤلفات المشهورة في الأدب الإسباني ذات المسحة العربية الخالصة مثل كتاب الكونت لوقانور وكتاب الحب المحمود، واللذين سنتناولهما لاحقا. وتقع فترة حكم ألفونسو العاشر هنا أيضا (حكم في قشتالة ما بين 1252-1284م)، ويسميه المؤرخون ألفونسو الحكيم، بسبب اهتمامه بالفلك والشعر، وإشرافه على ترجمة الكتب العربية وكتابة القوانين والتاريخ. ومن بين الكتب التي أمر بترجمتها، كتاب كليلة ودمنة، وكتاب حيل النساء ومكرهن. وقد ظهر أثر هذين الكتابين في كثير من المجموعات القصصية التي كتبت بعد ذلك باللاتينية وفي اللغات الأوروبية الأخرى الناشئة. ومن الكتب الهامة التي انتقلت عبر ترجمات ألفونسو إلى إنجلترا وفرنسا كتاب «الأزياج الألفونسية»، عن حركات الكواكب، وهو يقوم على كتب الخوارزمي والبطروجي والمغريطي في الفلك، وموجود في مخطوطات فرنسية وإنجليزية تعود إلى أوائل القرن الرابع عشر، مما جعلها في متناول العلماء الذين صاغوا بعد ذلك علم الفلك الحديث. ومن الكتب الهامة الأخرى كتاب «معراج محمد»، الذي يصف إسراء النبي
صلى الله عليه وسلم
ومعراجه في السماوات العلى، وقد عثر عليه في منتصف القرن العشرين في نسخ باللاتينية والقشتالية والفرنسية القديمة. ومن المقدمة، نعلم أنه قد ترجم إلى القشتالية من اللغة العربية مباشرة إبان حكم ألفونسو العاشر الحكيم في عام 1264م. والمخطوط ذاته مودع في المكتبة البودلية بإنجلترا، ولا يعرف سر انتقاله ووجوده هناك، إلا ما يظنه الباحثون من زواج أخت ألفونسو غير الشقيقة إليانور من الملك إدوارد الأول ملك إنجلترا!
أما أعمال ألفونسو الأصلية الشهيرة فهي «أهازيج سانتا ماريا» (الكانتيجات)، وهي حوالي أربعمائة قصيدة تضمها أربع مخطوطات بالموسيقى المصاحبة لها. وأشكال هذه الأنشودات مستمدة مباشرة من الأشكال الأولى للشعر العربي الأندلسي الذي كان شائعا في إسبانيا وقتها. (3) القصص
يقول الباحث «جون إستن كللر» إن الحكاية هي «أعظم إسهام شرقي مفرد في أدب الغرب.» فقد تكاثرت الحكايات القصصية في أشكال مختلفة في أوروبا الغربية فجأة بدءا من القرن الثاني عشر. وقد تم إدراج بعض هذه القصص في مجموعات، انطلقت معظمها من قصة إطارية، وانتشرت أولا عن طريق الرواية الشفوية، على لسان الحكائين والأدباء الدينيين والتجار والعائدين من الحملات الصليبية ومن طرق الحج إلى القدس وسنتياجو دي كومبوستيلا وغيرهما من المزارات الدينية الهامة. وكانت تلك القصص تحتوي على الدوام عنصرا شرقيا، هذا إذا لم تكن منقولة أصلا عن العربية أو الفارسية. ورغم اعتراف النقاد بأثر الحكايات الشرقية في الآداب الأوروبية، فإنهم يجادلون في الاعتراف بإسبانيا بوصفها المعبر الذي انتقلت منه تلك القصص والحكايات إلى دول أوروبا الأخرى كفرنسا وإنجلترا. ولكن الواقع يبين أن عرضا مقارنا لبعض الكتب المصدرية الأساسية للقصص في اللغات اللاتينية والفرنسية القديمة والإنجليزية الوسطى والإسبانية والعربية، يظهر بوضوح أن إسبانيا (ومن بعدها صقلية) كانت هي همزة الوصل في تدفق الحكايات العربية إلى أوروبا.
Page inconnue