Les avertissements concernant la perpétration des grands péchés

Ibn Hajar Haytami d. 974 AH
73

Les avertissements concernant la perpétration des grands péchés

الزواجر عن اقتراف الكبائر

Maison d'édition

دار الفكر

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م

وَكُلُّ مَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَرْقًا بَيْنَ اطِّلَاعِ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ وَاطِّلَاعِ غَيْرِهِمْ عَلَى عِبَادَاتِهِ فَعِنْدَهُ شَوْبٌ مِنْ الرِّيَاءِ. إذْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ النَّافِعُ الضَّارُّ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَغَيْرَهُ هُوَ الْعَاجِزُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ لَاسْتَوَى عِنْدَهُ الصِّغَارُ وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ تَتَأَثَّرْ نَفْسُهُ بِحُضُورِ كَبِيرِهِمْ وَلَا صَغِيرِهِمْ، وَلَيْسَ كُلُّ شَوْبٍ مِنْ الرِّيَاءِ مُفْسِدًا لِلْعَمَلِ وَمُحْبِطًا لَهُ، بَلْ السُّرُورُ إمَّا مَحْمُودٌ بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ اللَّهَ أَطْلَعَهُمْ عَلَيْهِ إظْهَارًا لِجَمِيلِ أَحْوَالِهِ وَلُطْفِهِ بِهِ، فَإِنَّهُ فِي نَفْسِهِ يَسْتُرُ طَاعَتَهُ وَمَعْصِيَتَهُ، ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى يَسْتُرُ مَعْصِيَتَهُ وَيُظْهِرُ طَاعَتَهُ وَلَا لُطْفَ أَعْظَمَ مِنْ سَتْرِ الْقَبِيحِ، وَإِظْهَارِ الْجَمِيلِ فَيَكُونُ فَرَحُهُ بِجَمِيلِ نَظَرِ اللَّهِ وَلُطْفِهِ بِهِ لَا بِحَمْدِ النَّاسِ وَقِيَامِ الْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِهِمْ: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: ٥٨] . أَوْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لَمَّا سَتَرَ قَبِيحَهُ وَأَظْهَرَ جَمِيلَهُ فِي الدُّنْيَا فَكَذَلِكَ يَفْعَلُ مَعَهُ فِي الْآخِرَةِ. لِخَبَرِ: «مَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ ذَنْبًا فِي الدُّنْيَا إلَّا سَتَرَهُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ» أَوْ بِأَنْ يَظُنَّ رَغْبَةَ الْمُطَّلِعِينَ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي الطَّاعَةِ فَيَتَضَاعَفَ بِذَلِكَ أَجْرُهُ فَيَكُونَ لَهُ أَجْرُ الْعَلَانِيَةِ بِمَا ظَهَرَ آخِرًا وَأَجْرُ السِّرِّ بِمَا قَصَدَهُ أَوَّلًا، إذْ مَنْ اُقْتُدِيَ بِهِ فِي طَاعَةٍ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْمُقْتَدِينَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَتَوَقُّعُ ذَلِكَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَنْشَأَ عَنْهُ السُّرُورُ، فَإِنَّ ظُهُورَ مَخَايِلِ الرِّبْحِ لَذِيذٌ يُوجِبُ السُّرُورَ لَا مَحَالَةَ، أَوْ بِأَنْ يَفْرَحَ بِكَوْنِهِ - تَعَالَى - وَفَّقَهُ إلَى سَبَبٍ يَحْمَدُونَهُ عَلَيْهِ وَيُحِبُّونَهُ لِأَجْلِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ كَجَمَاعَةٍ آخَرِينَ مُذْنِبِينَ يَهْزَئُونَ بِالْمُطِيعِينَ وَيُؤْذُونَهُمْ، وَعَلَامَةُ هَذَا الْفَرَحِ أَنْ يَكُونَ فَرَحُهُ بِحَمْدِهِمْ غَيْرَهُ كَفَرَحِهِ بِحَمْدِهِمْ لَهُ. وَإِمَّا مَذْمُومٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فَرَحُهُ لِقِيَامِ مَنْزِلَتِهِ فِي قُلُوبِهِمْ حَتَّى يُعَظِّمُوهُ وَيُكْرِمُوهُ وَيَقُومُوا لَهُ بِقَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ فِي كَتْمِ الْعَمَلِ فَائِدَةَ الْإِخْلَاصِ وَالنَّجَاةَ مِنْ الرِّيَاءِ وَفِي إظْهَارِهِ فَائِدَةَ الِاقْتِدَاءِ وَتَرْغِيبَ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَلَكِنْ فِيهِ آفَةُ الرِّيَاءِ، وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى الْقِسْمَيْنِ فَقَالَ - عَزَّ قَائِلًا -: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١] لَكِنَّهُ مَدَحَ الْإِسْرَارَ لِسَلَامَتِهِ مِنْ تِلْكَ الْآفَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي قَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهَا. وَقَدْ يُمْدَحُ الْإِظْهَارُ فِيمَا يَتَعَذَّرُ الْإِسْرَارُ فِيهِ كَالْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَالْإِظْهَارُ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ، وَإِظْهَارُ الرَّغْبَةِ فِيهِ لِلتَّحْرِيضِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ شَائِبَةُ رِيَاءٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ مَتَى خَلَصَ الْعَمَلُ مِنْ تِلْكَ الشَّوَائِبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي إظْهَارِهِ إيذَاءٌ لِأَحَدٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِ حَمْلٌ لِلنَّاسِ عَلَى الِاقْتِدَاءِ وَالتَّأَسِّي بِهِ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ الْخَيْرَ وَالْمُبَادَرَةِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الصُّلَحَاءِ الَّذِينَ تُبَادِرُ الْكَافَّةُ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، فَالْإِظْهَارُ

1 / 77