Les avertissements concernant la perpétration des grands péchés

Ibn Hajar Haytami d. 974 AH
72

Les avertissements concernant la perpétration des grands péchés

الزواجر عن اقتراف الكبائر

Maison d'édition

دار الفكر

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م

رَجَاءُ الثَّوَابِ لَمَا صَلَّى. وَأَمَارَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَتَهَجَّدُ، وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ؛ وَأَخْفَى مِنْ هَذَا مَا لَا يَحْمِلُ عَلَى تَسْهِيلٍ، وَتَخْفِيفٍ، وَمَعَ ذَلِكَ عِنْدَهُ رِيَاءٌ كَامِنٌ فِي قَلْبِهِ كَكُمُونِ النَّارِ فِي الْحَجَرِ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْعَلَامَاتِ، وَأَجْلَى عَلَامَاتِهِ أَنَّهُ يَسُرُّهُ اطِّلَاعُ النَّاسِ عَلَى طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، فَرُبَّ عَبْدٍ مُخْلِصٍ فِي عَمَلِهِ يَكْرَهُ الرِّيَاءَ وَيَذُمُّهُ فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْهُ شَيْءٌ يَحْمِلُ عَلَى الْعَمَلِ ابْتِدَاءً وَلَا دَوَامًا، وَلَكِنَّهُ إذَا اطَّلَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ سَرَّهُ ذَلِكَ وَارْتَاحَ لَهُ وَرَوَّحَ ذَلِكَ عَنْ قَلْبِهِ شِدَّةَ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا السُّرُورُ يَدُلُّ عَلَى رِيَاءٍ خَفِيٍّ إذْ لَوْلَا الْتِفَاتُ الْقَلْبِ لِلنَّاسِ لَمَا ظَهَرَ سُرُورُهُ عِنْدَ اطِّلَاعِهِمْ، فَاطِّلَاعُهُمْ مَعَ عَدَمِ كَرَاهَتِهِ لَهُ حَرَّكَ مَا كَانَ سَاكِنًا، وَصَارَ غِذَاءً لِلْعِرْقِ الْخَفِيِّ مِنْ الرِّيَاءِ، وَحِينَئِذٍ يَحْمِلُ عَلَى تَكَلُّفِ سَبَبِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَلَوْ بِالتَّعْرِيضِ أَوْ نَحْوِهِ كَإِظْهَارِ النُّحُولِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَيُبْسِ الشَّفَتَيْنِ وَغَلَبَةِ النُّعَاسِ الدَّالِّ عَلَى طُولِ التَّهَجُّدِ. وَأَخْفَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَخْتَفِيَ بِحَيْثُ لَا يُرِيدُ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ وَلَا يَسُرُّهُ، وَلَكِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُبْدَأَ بِالسَّلَامِ وَالتَّعْظِيمِ وَأَنْ يُقَابَلَ بِمَزِيدِ الثَّنَاءِ وَالْمُبَادَرَةِ إلَى حَوَائِجِهِ وَأَنْ يُسَامَحَ فِي مُعَامَلَتِهِ، وَأَنْ يُوَسَّعَ لَهُ الْمَكَانُ إذَا أَقْبَلَ، وَمَتَى قَصَّرَ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى قَلْبِهِ لِعَظَمَةِ طَاعَتِهِ الَّتِي أَخْفَاهَا عِنْدَ نَفْسِهِ فَكَأَنَّ نَفْسَهُ تَطْلُبُ أَنْ يُحْتَرَمَ فِي مُقَابَلَتِهَا، حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّهَا لَمْ تَفْعَلْ تِلْكَ الطَّاعَاتِ لَمَا كَانَتْ تَطْلُبُ ذَلِكَ الِاحْتِرَامَ، وَمَهْمَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُ الطَّاعَةِ كَعَدَمِهَا فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَلْقِ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَنِعَ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَكُنْ خَالِيًا عَنْ شَوْبٍ خَفِيٍّ مِنْ الرِّيَاءِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَكُلُّ ذَلِكَ يُوشِكُ أَنْ يُحْبِطَ الْأَجْرَ وَلَا يَسْلَمُ مِنْهُ إلَّا الصِّدِّيقُونَ. وَعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ ﷿ يَقُولُ لِلْقُرَّاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَلَمْ يَكُنْ يُرَخَّصُ عَلَيْكُمْ السِّعْرُ أَلَمْ تَكُونُوا تُبْدَءُونَ بِالسَّلَامِ أَلَمْ تَكُنْ تُقْضَى لَكُمْ الْحَوَائِجُ؟ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا أَجْرَ لَكُمْ قَدْ اسْتَوْفَيْتُمْ أُجُورَكُمْ» وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَزَلْ الْمُخْلِصُونَ خَائِفِينَ مِنْ الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ يَشْهَدُونَ ذَلِكَ فِي مُخَادَعَةِ النَّاسِ عَنْ أَعْمَالِهِمْ الصَّالِحَةِ يَحْرِصُونَ عَلَى إخْفَائِهَا أَعْظَمَ مَا يَحْرِصُ النَّاسُ عَلَى إخْفَاءِ فَوَاحِشِهِمْ. كُلُّ ذَلِكَ رَجَاءُ أَنْ يَخْلُصَ عَمَلُهُمْ فَيُجَازِيَهُمْ اللَّهُ فِي الْقِيَامَةِ عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْخَلَائِقِ إذْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ فِي الْقِيَامَةِ إلَّا الْخَالِصَ، وَعَلِمُوا شِدَّةَ حَاجَتِهِمْ وَفَاقَتِهِمْ فِي الْقِيَامَةِ وَأَنْ لَا يَنْفَعَ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وَلَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ عَنْ وَالِدِهِ، وَيَشْتَغِلُ الصِّدِّيقُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: نَفْسِي نَفْسِي، فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ،

1 / 76